المشفى الوطني بالقامشلي مؤسسة صحية أم …؟؟

جريدة روز *

لاشك أن المشفى الوطني بالقامشلي يعتبر صرحا حضاريا صحيا متميزا , ويمكن أن يقدم خدمات كبيرة لمواطني المنطقة – إن أحسن استثماره– ولكن يبدو في الواقع أن هذا الصرح الصحي و الخدمي الهام أصبح يئن تحت وطأة القرارات الفوقية السلطوية التي تتبع سياسات اقصائية و تمييزية على حساب الكفاءات العلمية  و كنتيجة لتلك التوجهات كانت ظاهرة دفع الدية من قبل الأطباء عن حادثة وفاة تمت تحت العمل الجراحي , و معاقبة الأطباء حتى وصل بهم الأمر إلى محاولة إلقاء القبض عليهم من قبل دوريات تقتحم المشفى دون مراعاة لحرمته , كما حصل في الآونة الأخيرة بعد وفاة طفلة , مما دفع بأطباء التخدير إلى ترك المشفى , والتخلي عن العمل فيه , مما أدى إلى توقف جميع العمليات الجراحية بما فيها الاسعافية  في المشفى

 

وهذه ليست المرة الأولى التي يحصل  فيها مثل هذه الحادثة , حيث سبق أن أشرنا إلى تلك العقلية السلبية لإدارة المشفى بعد حادثة وفاة تحت العمل الجراحي حيث أجبر على إثرها طاقم الجراحة على دفع دية عن المتوفى , كان ذلك قبل عام وفي العدد /84 / من نشرتنا ROJ المنشورة في كانون الثاني 2007 حيث جاء فيها  : (….

لذلك كان من الطبيعي بل ومن الضروري أن تكون القوانين الناظمة للعمليات الجراحية صارمة بحيث تلزم الطبيب – بالرغم من إنسانية مهنته – بالالتزام بها لحماية أرواح المرضى والمعالجين , كما أنه من الطبيعي تشخيص سبب أية حادثة وفاة تحدث أثناء العملية الجراحية و على أن يتحمل الكادر الطبي مسؤولية أي إهمال مقصود أو غير مقصود أو سوء تنفيذ العملية , أو عدم إتباع الأصول العلمية في التنفيذ ….) .
فنحن إذ نؤكد على حرصنا الشديد على حياة الإنسان , وضرورة تحلي الأطباء بأخلاق المهنة وإنسانيتها وشرف الواجب الوظيفي , كما أننا نتفهم حرص المواطن وحقه في الاهتمام الكافي به ,  نؤكد في الوقت ذاته على ضرورة وجود لجنة أو لجان خاصة علمية وقانونية معنية بتحديد سبب أية حادثة وفاة ومدى مسؤولية الكادر الطبي عن الحادثة , نتيجة سوء تصرف , أو لامبالاة , أو خطأ مهني , وذلك حرصا على روح الإنسان التي هي بين يدي الطبيب عموما , وطاقم الجراحة بشكل خاص – بعد الله عز وجل – على أن تكون المحاسبة بالسبل القانونية و القضائية بعيدةً عن الذهنية العشائرية و التدخلات السلطوية التي أوصلت  المشفى  الوطني بالقامشلي إلى هذه الحالة المزرية, وتوقف العمليات الجراحية , وأن يتحول حق الإنسان في الحرص على حياة ذويه إلى مصدر رعب وقلق للأطباء , خوفا من تحميلهم مسؤولية أية حادثة وفاة أثناء العملية الجراحية , فانه كابوس يؤرق الأطباء بحيث لا يدع مجالاً للتمييز بين الكادر الطبي و الإداري الغيور و المندفع لخدمة شرف المهنة و بين المتسيب و المهمل في عمله, وهو أمر يقلقنا لأنه يطيح برسالة المشفى الصحية , ومن ثم يتضرر من ذلك قبل كل شيء المواطن الفقير الذي لا يستطيع تحمل نفقات العلاج الباهظة في المشافي الخاصة .

كما أنه من المهين جدا , أن يتحول الطبيب وهو يمارس مهنته الإنسانية إلى ملاحق , ومن المؤسف حقا أن تنتهك حرمة المشفى , بحيث تأتي دورية لتلقي القبض على الطبيب موجودا , أليس هناك قانون يحكم مهنة الطب ؟ , أولم يحصل الطبيب على إجازة , ورخصة ممارسة مهنة الطب من وزارة الصحة , الجهة المعنية بسبر معارف الطبيب وقدراته العلمية والمعرفية , وقابليته لممارسة هذه المهنة ؟, أم أنه لا قانون أمام العقلية المتخلفة و المتسلطة.
فهي إذا ظاهرة خطيرة لا تتحملها  إدارة المشفى لوحدها , بل تتحملها كافة الجهات المعنية , من مديرية الصحة بالحسكة  إلى وزارة الصحة , وحتى القضاء , والمطلوب التدخل بأقصى سرعة من أجل وضع حد لمثل هذه التصرفات الشاذة , لتكون حافزاً للمواطن البسيط لتقيده و التزامه بالقوانين النافذة و المحافظة على ممتلكات المشفى و به يتم  إنقاذ المشفى و حسن أدائه في خدمة الوطن و المواطن .
——–

 

* نشرة دورية تصدرها اللجنة المنطقية للحزب الديموقراطي الكردي في سوريا (البارتي) في الجزيرة _العدد/89/ كانون الثاني 2008

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…

كلستان بشير الرسول شهدت مدينة قامشلو، في السادس والعشرين من نيسان 2025، حدثا تاريخيا هاما، وهو انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي الذي انتظره الشعب الكوردي بفارغ الصبر، والذي كان يرى فيه “سفينة النجاة” التي سترسو به إلى برّ الأمان. إن هذا الشعب شعبٌ مضحٍّ ومتفانٍ من أجل قضيته الكردية، وقد عانى من أجلها، ولعقود من الزمن، الكثير الكثير من أصناف الظلم…

إبراهيم اليوسف ما إن بدأ وهج الثورة السورية يخفت، بل ما إن بدأت هذه الثورة تُحرَف، وتُسرق، وتُستخدم أداة لسرقة وطن، حتى تكشّف الخيط الرفيع بين الحلم والانكسار، بين نشيد الكرامة ورصاص التناحر. إذ لم يُجهَض مشروع الدولة فحسب، بل تم وأده تحت ركام الفصائل والرايات المتعددة، التي استبدلت مفردة “الوطن” بـ”الحيّ”، و”الهوية الوطنية” بـ”الطائفة”، و”الشعب” بـ”المكوّن”. لقد تحولت الطائفة…

حوران حم مع انتهاء الكونفرانس الكردي في كردستان سوريا وتبلور ملامح وحدة الصف والموقف الكردي، تدخل القضية الكردية في سوريا مرحلة جديدة محفوفة بالفرص والتحديات. إذ إن اجتماع القوى الكردية رغم النواقص حول برنامج سياسي موحد يمثل محطة مهمة سيكون لها انعكاسات عميقة على المشهدين الإقليمي والدولي، كما ستفرض معادلة جديدة في العلاقة مع إدارة دمشق. ملامح التحول الكردي…