الأجهزة الأمنية ودورها القمعي في عالمنا العربي

محي الدين عيسو*

تمحورت حلقة برنامج الاتجاه المعاكس الذي يقدمه الإعلامي المبدع فيصل القاسم في يوم الثلاثاء المصادف 5/2/2008 حول الأجهزة الأمنية في العالم العربي، والاجتماعات التي تعقد على مستوى وزراء الداخلية من أجل التطبيع والوحدة والتكامل الأمني بين الدول العربي، وكان ضيوف الحلقة من عالمان مختلفان أحدهما الكاتب والباحث يحيى أبو زكريا الذي يمثل ضمير ووجدان ومعاناة العباد، والآخر اللواء المصري المتقاعد حازم حمادة المدافع عن الأجهزة الأمنية ودورها في نشر الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان؟!

حيث كانت نتيجة التصويت في نهاية الحلقة (تقريبا 97% لصالح أن الأجهزة الأمنية تعمل لحماية الحاكم و تقمع المواطن، بمقابل قرابة الـ 3 % لصالح أن الأجهزة الأمنية تعمل لحماية مصالح الدولة) دليلا قاطعا على أن الأجهزة الأمنية لا تملك أي شرعية وفقدت بالتالي مصداقيتها، وتكرس ثقافة القمع والظلم والفساد وحولت المواطن إلى دجاجة تخاف من ظلها كما عبر عنها الباحث ” أبو زكريا ” والحديث أن الأجهزة الأمنية لا يهمها سوى السهر على أمن المواطن وسلامته ونشر الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي؟! ” مجنون يحكي وعاقل يسمع ” لا يصدقها من زار هذه الأجهزة لمدة ساعة واحدة أو لم يزرها في حياته لأنها من تزوره في كوابيسه وأحلامه، وتمنع عنه الماء والهواء،    فعندما نتحدث عن أي دولة عربية لا يجول في خيالنا سوى أجهزة الأمن والمخابرات، وزي الشرطي، والقمع والترهيب واعتقال المعارضين.


فالسؤال الذي يراود جميع المواطنين في العالم العربي في الخفاء أو علناً، لماذا نخشى الأجهزة الأمنية والمخابراتية، لماذا كل هذا الرعب منهم، أليسوا شريحة من مجتمعنا يأكلون ويشربون ويفكرون وينجبون ويحبون ويكرهون ويعشقون مثلنا نحن عامة الناس، ثم هل هم مخيفون إلى هذا الحد، لماذا نرتجف عند رؤية عنصر أمني، هل العلة في المواطن أم في رجل الأمن نفسه أم في تربية المواطن في العالم العربي الذي تعود منذ نعومة أظافره على الخوف والرعب والاحترام القسري، حيث يبدأ هذا الخوف من المرحلة الابتدائية عندما يمارس المعلم دوره كمعلم وكجلاد، والتلميذ يعيش حياة مليئة بالخوف والرعب إلى حين خدمة العلم ” الجيش ” ومن هنا تبدأ الطامة الكبرى في مسلسل الخوف والرعب بدفن الكرامة وقتل كل ما هو جميل بداخله عبر البوط العسكري.

 
سيادة اللواء… الأمن والمخابرات في جميع دول العالم هم في النهاية موظفون لدى الدولة مهمتهم حماية المواطن من كل أنواع الظلم، والموظف لا يخيف ولا يرعب المواطن، إذاً لماذا يخاف مواطننا من هذا الموظف؟  لماذا يقوم بإحناء الرأس أمامه؟
 أنا سأجيب على هذا السؤال لأنك بكل تأكيد ستقول أعطني أسم دولة عربية يخاف المواطن من أجهزته الأمنية… لا توجد هذه الدولة ….

حيث تعتقد الأجهزة الأمنية في العالم العربي  بأن العنف والترهيب مع المواطن يحقق الأهداف المطلوبة بسرعة كبيرة بعكس المعاملة الحسنة والأساليب الإنسانية التي تأخذ وقتاً طويلاً وهي غير مجدية مع الإنسان الشرقي بشكل عام ومع إنساننا بشكل عام ، وتعتقد بأن المواطن في العالم العربي قد تأقلم مع هذه الأساليب ومن الصعب جداً تدريبه وترويضه على المعاملة الحسنة الإنسانية ، والمهم عند هذه الأجهزة أن النتيجة مضمونة “والنصر آت بإذن الله” ، حيث يشعر العنصر الأمني بإهانة كبيرة وكرامته أصبحت في التراب وأنه لا يستحق الرتبة التي يحملها إذا فشل في انتزاع اعتراف من متهم أو بريء ، والضابط الأمني يعرف بأن المواطن لا حول له ولا قوة ولا قانون يحميه لأنهم فوق القانون وقد زرعتهم الأنظمة الديكتاتورية القمعية شياطناً ليعيشوا بيننا نحن العوام.
ربما كان التعذيب في الماضي القريب والبعيد بشكل علني يتم على أشخاص تثبت إدانتهم الكاملة ، أما في الوقت الحالي فيمارس بالشكل السري خوفاً من وسائل الإعلام مع ابتكار وسائل حديثة للتعذيب نذكر منها الدولاب – الخازوق – بساط الريح – نزع الأظافر- كسر العظام – الصعق الكهربائي – الحرق – الضرب – الإهانات ، كل هذه الوسائل يمارسها الإنسان على أخيه الإنسان دون وجود حسيب أو رقيب للحد من هذه الممارسات التي تنعكس سلباً على المواطنين بما لها من آثار نفسية وجسدية واجتماعية خطيرة ، كما تتدخل هذه الأجهزة الأمنية التي يدافع عنها اللواء حازم حمادة في حياة المواطنين من كافة النواحي وتجد نفسها الوصي الشرعي والأب الروحي لهم .

وتقوم بتقييد حرية الفكر وكسر الأقلام المعارضة عبر ممارسات بعيدة عن الأخلاق والقيم الإنسانية والتي تنافي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته ( 12 ) التي تنص ” لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة وفي شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته ولا لحملات تمس شرفه وسمعته ، ولكل شخص الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات ”
وختام الكلام … إن الانتقال من مرحلة استخدام الوسائل القمعية والعنفية إلى مرحلة التعامل الإنساني مع المواطن تحتاج فقط إلى مراجعة الذات والإحساس بالمواطن كإنسان من لحم ودم ، فهل يمكن للمواطن في العالم العربي أن يتخيل نفسه في وطن حر بلا أجهزة أمنية قمعية، في وطن لا يكون فيه العنف هواية والاعتقال غاية، الجميع متساوون أمام القانون والقانون يحمي الجميع وفوق الجميع، والبعض يتساءل لماذا الحراك السياسي الشعبي في العالم العربي معدوماً ، ولماذا أحزاب المعارضة لا تملك الجماهير حولها ؟ والجواب اعتقد أنه قد وصل إلى سيادة اللواء إن لم يكن معروفاً سابقاً .

*  كاتب وناشط حقوقي سوري

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…