علي الهسو
سؤال جوهري أشغلني كثيراً ، فكنت أطرحه على نفسي ، وعلى من حولي ، وعلى المجتمع : لماذا نعاتب صلاح الدين ، ولا نعاتب أنفسنا ؟ سؤال لم أكن أتلقى عنه جواباً شافياً ، فمنهم من انتقده إلى حد الشتيمة ، ومنهم من شاطرني الرأي ، ووافقني على مشروعية السؤال ، وبرر الموقف الذي اتخذه صلاح الدين متفهماً ظروف تلك الفترة الزمنية التي عايشها ، ومنهم من كانت أجوبتهم ضبابية وغير واضحة لشحة المعلومات التي يعرفونها عن هذا القائد ، فأصبح في موقع الذي يفتقر إلى رؤيا شفافة ، واكتفى بالاستشهاد بوجهة نظر غيره .
لكن ألا يستحق شخص مثل صلاح الدين منا محاسبة الذات ، ومعاتبة النفس ، لأننا لم نتصفح كتب التاريخ ، ولم نقرأ لكاتبه ومؤرخه ابن شداد ، الذي تولى كتابة يومياته والوقائع المشهورة التي حدثت في عصره ، كمعركة حطين مثلاً ، لمعرفة حقيقة تاريخ هذا الرجل .
لذلك آليت على نفسي أن أضع بين أيدي المهتمين بهذا الجانب جزءاً من هذه الحقيقة التي اكتسبتها أثناء دراستي عن صلاح الدين في كتاب (نناشد صلاح الدين أم نحاسب أنفسنا ) للكاتب الدكتور محسن محمد حسين .
يسلط الكتاب الضوء على كثير من الحقائق التي كانت خافية علينا ، والتي هي بمثابة إجابات على سؤالنا : لماذا لا نقتدي بصلاح الدين ؟ نعم يمكننا أن نقتدي بالقائد صلاح الدين ……
( أن نتأسى به ، فهو قد أثبت لنا بجدارة ، وبجهوده وجهاده ، وبالتفاف الشعب الكردي بكل قبائله حوله ، أثبت أن أبناء هذا الشعب لاتنقصهم الإرادة والحكمة والرغبة في وحدة الصف لتأسيس دولة ) فمن يستطيع أن يؤسس ولو نظرياً دولة على أرض الآخرين ، بوسعه أن يبني دولة على أراضيه الواسعة ، أقول لأن ( الإمارة على حجارة ) ليست إلا دليلا على فقرنا أو افتقارنا إلى بعد قومي ، فهل نحاسب طبوغرافية وطننا كونها لم تساعدنا على لم شملنا ؟ نعم هذه مسألة محسوبة ومحسومة ، فكثيرا ما توجه الجغرافيا التاريخ ، ومن منا لا يعرف تأثير العامل الجغرافي على قيام الدول وصنع الحضارات ؟ والجغرافيا تعني الأرض ، وما فوقها ، وما تحتها ، والماء والهواء ، والموقع من البحر ، ومن خط الاستواء والقطبين ……
والحق أن وطننا لا تنقصه هذه العوامل ، لا ينقصه ما فوق ، وما تحت الأرض ، والموقع والمياه ” إن صارت لنا كلمتنا في التصرف بهما ” ويجب ألا نتذرع بقسوة الطبيعة ، بالبرد في الشتاء ، والحر في الصيف ، فنحن لسنا أسوأ الناس ، لسنا أسوأ من شعب منغوليا وشعب النيبال ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، وقد أقاما دولتيهما اللتين لا تطلان على منافذ بحرية .
هناك (سر ) ينبغي البحث عنه ، سر كامن فينا , يمنعنا من أن ننظر إلى أبعد من أنوفنا ، ومن الزاوية الضيقة فقط ..
من أنفسنا..إلى أبعد من مدينتنا ، حتى صار حب المدينة عند العديدين بدلا عن حب كردستان ، ناهيك عن كردستان الكبرى .
لقد طغت الإقليمية ، وعشق مدينة ما ، على الوطنية ، وعلى القومية ، وصارت كمسألة طبيعية نعم , فأنت إن لم تحب مدينتك – وأكاد أقول – إن لم تحب الحي الذي ولدت فيه ، فلن تحب وطنك ..
لن تحب بني قومك ، ولكن أن يطغى هذا الحب ..أن يستحوذ على قلبك ، أن يحل محل حب الوطن ، أن يكون بديلا عن حبك لكردستان ، فذاك هو الطامة الكبرى بعينها , إنها بذرة خبيثة ، خبيئة يجب علينا جميعاً أن نجتثها من جذورها ، ونبيدها ، فهي النبات السام الذي ينمو على حساب غذائنا ، وعلى حساب حبنا للأزهار الجميلة الفواحة .
أقول : السر يكمن فينا ، دون أن أنفي دور القوى الطامعة ، و لكن هذه القوى لا تطمع في خيرات شعب واع موحد قوي ، هذه القوى استحصلت على قوتها من ضعفنا ، ولم تصبح قوية إلا على حساب الضعف الذي أفقدنا كل شيء حتى الثقة بالنفس ، لم تصبح هذه القوى قوية إلا لأننا ضعفاء ، لأننا فاقدو القوة ، فتنمرت وتعملقت علينا نحن المساكين الذين استسلمنا للضعف والعبودية ، أيها الشعب الواهب القوة لغيره ، هل أدركت سر قوتهم ؟ إن السر الخطير يكمن في ضعفك ، لأن من يرمي تبعة ما يحصل له على عاتق الآخرين فقط ، هو كمن يتهرب من المسؤولية ، علينا أن نبحث عن ضعفنا في ذاتنا أولاً ، أما أن نعلق ضعفنا على شماعة صلاح الدين أما أن نبحث عن تفسير له في سيرة صلاح الدين وتاريخه ، نكون كمن يناشد الموت أن يحميه من الموت ، وفي ذلك نهرب من مسؤوليتنا وكأننا نقول بصوت واحد : انهض أيها القائد لنحاسبك على تقصيرك ، لنحاكمك في محاكم التاريخ ، إنه تصرف غير مقبول ، إنه إجحاف وغبن بحق هذا الذي يرقد في الملأ الأعلى ، فكيف نستجوب قائداً بعد أكثر من ثمانمائة سنة ، ونحن لسنا على إلمام مقبول بحيثيات التاريخ ، والظروف التي أحاطت بالقائد في ذلك الوقت ؟ هل نكرر السؤال التقليدي الذي مللنا من ترداده : لماذا لم تعمل من أجلنا نحن الكرد – بني جلدتك – لماذا لم تعمل من أجل كردستان الدولة .
إنه استجواب غير معقول ، فلا يليق بشعب واع مثقف أن يحاسب تاريخه ، أن يقذفه بحجارة الجهل والتخلف ، ثم لا يحاسب نفسه … لا يحاسب واقعه … بل يحاسب أجداده _ صلاح الدين أنموذجاً _ بعد كل هذا السرد وهذا العتاب نعود للقول ، إن صلاح الدين لم يكن يحمل معه عصى سحرية ليضرب بها البحر فينشق البحر نصفين ويعبر بأمان ، لينفذ بها مايريد من مآرب أخرى ، وهل أراد ذلك أصلاً ؟؟؟ أن يقيم دولة كردية ..
إني أنفي هذه الرغبة لديه ، وأرجع إلى جواب السؤال المطروح : أين كان سيقيم عاصمة هذه الدولة ؟ فكردستان الشرقية كانت خارجة عن سلطته ونفوذه ، وبقية كردستان يحكمها أمراء ( دون إمارات ) صاروا من رجاله ، فهل كان عليه أن يغادر أرض مصر والشام ، ويعود إلى أرض أجداده ليقيم فيها الدولة الكردية ؟ كان صلاح الدين عندئذ سيتحول من سلطان يحكم أرجاء واسعة من العالم الإسلامي وله نفوذ على الحرمين ( مكة والمدينة ) ويدعو له خطيباهما بالنصر و التوفيق ، كان هذا القائد سيتحول إلى أمير يناهضه أمراء آخرون ، أو إلى ملك يحكم أرضاً واسعة ، لكن ما أن يموت إلا وتتشتت دولته إلى أشلاء مبعثرة ، كما حصل لدولته الواسعة فعلاً ، لولا أن خليفته الملك العادل سيف الدين أبا بكر ، حال دون ذلك إلى حد ما ، وأجل هذا التشتت بعض الشيء .
ولعل من نافلة القول أن نبين أن إقامة دولة ليست نتاج رغبة شخصية مهما عظمت مكانة هذا الشخص ، حتى لو كان هذا الشخص هو صلاح الدين بذاته ، بل تتوقف إقامة الدولة على جملة من العوامل الموضوعية والذاتية كالتي ذكرناها .
علينا ، أن ننتبه ، لأن ربط ما حصل ، وما يحصل لنا ، وإلقاء تبعته على كاهل صلاح الدين ، فيه من الإجحاف الشيء الكثير ، وهو لا يعدو أن يكون إلا نوعاً من الانهزامية ، وهروباً إلى الأمام تخلصاً من تبعات المسؤولية التاريخية ، واستعداداً لاستحقاقات الحاضر والمستقبل معاً ، انطلاقاً من مبدأ أن صلاح الدين غير موجود أصلاً ، إذا كان ذلك يصب في مصلحة شعبنا حاضراً ومستقبلاً أو نعتبره وكأنه لم يمتّ بصلة إلى الكرد ( جدلاً ) ، حتى نكف عن لعبة العتاب والحساب ، أو كأننا لا نعرف شيئاً عن وجوده البتة ، و نبدأ ، فالمهم أن نبدأ بداية صحيحة ، وبشكل مبرمج ومخطط ، ونضع جانباً لعبة الحظ والصدفة ، هذه اللعبة التي أصبحت عائقاً أمام الشعوب ، ومشجبا ًمهشماً نعلق عليه أخطاءنا وحتى خطايانا ، مع المزيد من الاحترام والتقديس لأجدادنا ، ولا نكون كالإغريق حين لعنوا بختهم الذي اختطف منهم ( اسكندرهم ) وهو في ريعان شبابه علماً أن الإغريق استطاعوا أن يشكلوا دولتهم مرة أخرى على أساسات الماضي الذي مجدوه ، صار الإغريق دولة مرة أخرى … أما نحن فما زلنا نلعن .
لقد ضرب القائد صلاح الدين أمثولة في الشجاعة والقوة ، وفي التسامح والعفو ، والتعامل الحسن مع الأسرى ، وشهد له بذلك الأعداء قبل الأصدقاء فقد كان مدافعاً عن عقيدة ولم يكن مدافعاً عن قومية ، يكتب المستشرقون بأن صلاح الدين بكى أثناء حصار عكا حين شاهد المرأة ( الصليبية ) وهي تحتضن ابنها ( الذي كان ضائعا في معسكر صلاح الدين الضخم المحاصر لعكا وجيء به إلى أمه ) .
إن معاتبة قائد يملك كل الصفات الحسنة والنبيلة ، وهو في الملأ الأعلى ، يأخذ قسطاً من الراحة من أتعاب السنين في مثواه الأخير ، بعد أن قاتل على صهوة جواده طيلة عمره الذي لم يقل عن نصف قرن إلا بعض السنين ، لهو من مآسينا مآسي الشعب الذي يجب أن ينهض .
23- 5 – 2006
لذلك آليت على نفسي أن أضع بين أيدي المهتمين بهذا الجانب جزءاً من هذه الحقيقة التي اكتسبتها أثناء دراستي عن صلاح الدين في كتاب (نناشد صلاح الدين أم نحاسب أنفسنا ) للكاتب الدكتور محسن محمد حسين .
يسلط الكتاب الضوء على كثير من الحقائق التي كانت خافية علينا ، والتي هي بمثابة إجابات على سؤالنا : لماذا لا نقتدي بصلاح الدين ؟ نعم يمكننا أن نقتدي بالقائد صلاح الدين ……
( أن نتأسى به ، فهو قد أثبت لنا بجدارة ، وبجهوده وجهاده ، وبالتفاف الشعب الكردي بكل قبائله حوله ، أثبت أن أبناء هذا الشعب لاتنقصهم الإرادة والحكمة والرغبة في وحدة الصف لتأسيس دولة ) فمن يستطيع أن يؤسس ولو نظرياً دولة على أرض الآخرين ، بوسعه أن يبني دولة على أراضيه الواسعة ، أقول لأن ( الإمارة على حجارة ) ليست إلا دليلا على فقرنا أو افتقارنا إلى بعد قومي ، فهل نحاسب طبوغرافية وطننا كونها لم تساعدنا على لم شملنا ؟ نعم هذه مسألة محسوبة ومحسومة ، فكثيرا ما توجه الجغرافيا التاريخ ، ومن منا لا يعرف تأثير العامل الجغرافي على قيام الدول وصنع الحضارات ؟ والجغرافيا تعني الأرض ، وما فوقها ، وما تحتها ، والماء والهواء ، والموقع من البحر ، ومن خط الاستواء والقطبين ……
والحق أن وطننا لا تنقصه هذه العوامل ، لا ينقصه ما فوق ، وما تحت الأرض ، والموقع والمياه ” إن صارت لنا كلمتنا في التصرف بهما ” ويجب ألا نتذرع بقسوة الطبيعة ، بالبرد في الشتاء ، والحر في الصيف ، فنحن لسنا أسوأ الناس ، لسنا أسوأ من شعب منغوليا وشعب النيبال ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، وقد أقاما دولتيهما اللتين لا تطلان على منافذ بحرية .
هناك (سر ) ينبغي البحث عنه ، سر كامن فينا , يمنعنا من أن ننظر إلى أبعد من أنوفنا ، ومن الزاوية الضيقة فقط ..
من أنفسنا..إلى أبعد من مدينتنا ، حتى صار حب المدينة عند العديدين بدلا عن حب كردستان ، ناهيك عن كردستان الكبرى .
لقد طغت الإقليمية ، وعشق مدينة ما ، على الوطنية ، وعلى القومية ، وصارت كمسألة طبيعية نعم , فأنت إن لم تحب مدينتك – وأكاد أقول – إن لم تحب الحي الذي ولدت فيه ، فلن تحب وطنك ..
لن تحب بني قومك ، ولكن أن يطغى هذا الحب ..أن يستحوذ على قلبك ، أن يحل محل حب الوطن ، أن يكون بديلا عن حبك لكردستان ، فذاك هو الطامة الكبرى بعينها , إنها بذرة خبيثة ، خبيئة يجب علينا جميعاً أن نجتثها من جذورها ، ونبيدها ، فهي النبات السام الذي ينمو على حساب غذائنا ، وعلى حساب حبنا للأزهار الجميلة الفواحة .
أقول : السر يكمن فينا ، دون أن أنفي دور القوى الطامعة ، و لكن هذه القوى لا تطمع في خيرات شعب واع موحد قوي ، هذه القوى استحصلت على قوتها من ضعفنا ، ولم تصبح قوية إلا على حساب الضعف الذي أفقدنا كل شيء حتى الثقة بالنفس ، لم تصبح هذه القوى قوية إلا لأننا ضعفاء ، لأننا فاقدو القوة ، فتنمرت وتعملقت علينا نحن المساكين الذين استسلمنا للضعف والعبودية ، أيها الشعب الواهب القوة لغيره ، هل أدركت سر قوتهم ؟ إن السر الخطير يكمن في ضعفك ، لأن من يرمي تبعة ما يحصل له على عاتق الآخرين فقط ، هو كمن يتهرب من المسؤولية ، علينا أن نبحث عن ضعفنا في ذاتنا أولاً ، أما أن نعلق ضعفنا على شماعة صلاح الدين أما أن نبحث عن تفسير له في سيرة صلاح الدين وتاريخه ، نكون كمن يناشد الموت أن يحميه من الموت ، وفي ذلك نهرب من مسؤوليتنا وكأننا نقول بصوت واحد : انهض أيها القائد لنحاسبك على تقصيرك ، لنحاكمك في محاكم التاريخ ، إنه تصرف غير مقبول ، إنه إجحاف وغبن بحق هذا الذي يرقد في الملأ الأعلى ، فكيف نستجوب قائداً بعد أكثر من ثمانمائة سنة ، ونحن لسنا على إلمام مقبول بحيثيات التاريخ ، والظروف التي أحاطت بالقائد في ذلك الوقت ؟ هل نكرر السؤال التقليدي الذي مللنا من ترداده : لماذا لم تعمل من أجلنا نحن الكرد – بني جلدتك – لماذا لم تعمل من أجل كردستان الدولة .
إنه استجواب غير معقول ، فلا يليق بشعب واع مثقف أن يحاسب تاريخه ، أن يقذفه بحجارة الجهل والتخلف ، ثم لا يحاسب نفسه … لا يحاسب واقعه … بل يحاسب أجداده _ صلاح الدين أنموذجاً _ بعد كل هذا السرد وهذا العتاب نعود للقول ، إن صلاح الدين لم يكن يحمل معه عصى سحرية ليضرب بها البحر فينشق البحر نصفين ويعبر بأمان ، لينفذ بها مايريد من مآرب أخرى ، وهل أراد ذلك أصلاً ؟؟؟ أن يقيم دولة كردية ..
إني أنفي هذه الرغبة لديه ، وأرجع إلى جواب السؤال المطروح : أين كان سيقيم عاصمة هذه الدولة ؟ فكردستان الشرقية كانت خارجة عن سلطته ونفوذه ، وبقية كردستان يحكمها أمراء ( دون إمارات ) صاروا من رجاله ، فهل كان عليه أن يغادر أرض مصر والشام ، ويعود إلى أرض أجداده ليقيم فيها الدولة الكردية ؟ كان صلاح الدين عندئذ سيتحول من سلطان يحكم أرجاء واسعة من العالم الإسلامي وله نفوذ على الحرمين ( مكة والمدينة ) ويدعو له خطيباهما بالنصر و التوفيق ، كان هذا القائد سيتحول إلى أمير يناهضه أمراء آخرون ، أو إلى ملك يحكم أرضاً واسعة ، لكن ما أن يموت إلا وتتشتت دولته إلى أشلاء مبعثرة ، كما حصل لدولته الواسعة فعلاً ، لولا أن خليفته الملك العادل سيف الدين أبا بكر ، حال دون ذلك إلى حد ما ، وأجل هذا التشتت بعض الشيء .
ولعل من نافلة القول أن نبين أن إقامة دولة ليست نتاج رغبة شخصية مهما عظمت مكانة هذا الشخص ، حتى لو كان هذا الشخص هو صلاح الدين بذاته ، بل تتوقف إقامة الدولة على جملة من العوامل الموضوعية والذاتية كالتي ذكرناها .
علينا ، أن ننتبه ، لأن ربط ما حصل ، وما يحصل لنا ، وإلقاء تبعته على كاهل صلاح الدين ، فيه من الإجحاف الشيء الكثير ، وهو لا يعدو أن يكون إلا نوعاً من الانهزامية ، وهروباً إلى الأمام تخلصاً من تبعات المسؤولية التاريخية ، واستعداداً لاستحقاقات الحاضر والمستقبل معاً ، انطلاقاً من مبدأ أن صلاح الدين غير موجود أصلاً ، إذا كان ذلك يصب في مصلحة شعبنا حاضراً ومستقبلاً أو نعتبره وكأنه لم يمتّ بصلة إلى الكرد ( جدلاً ) ، حتى نكف عن لعبة العتاب والحساب ، أو كأننا لا نعرف شيئاً عن وجوده البتة ، و نبدأ ، فالمهم أن نبدأ بداية صحيحة ، وبشكل مبرمج ومخطط ، ونضع جانباً لعبة الحظ والصدفة ، هذه اللعبة التي أصبحت عائقاً أمام الشعوب ، ومشجبا ًمهشماً نعلق عليه أخطاءنا وحتى خطايانا ، مع المزيد من الاحترام والتقديس لأجدادنا ، ولا نكون كالإغريق حين لعنوا بختهم الذي اختطف منهم ( اسكندرهم ) وهو في ريعان شبابه علماً أن الإغريق استطاعوا أن يشكلوا دولتهم مرة أخرى على أساسات الماضي الذي مجدوه ، صار الإغريق دولة مرة أخرى … أما نحن فما زلنا نلعن .
لقد ضرب القائد صلاح الدين أمثولة في الشجاعة والقوة ، وفي التسامح والعفو ، والتعامل الحسن مع الأسرى ، وشهد له بذلك الأعداء قبل الأصدقاء فقد كان مدافعاً عن عقيدة ولم يكن مدافعاً عن قومية ، يكتب المستشرقون بأن صلاح الدين بكى أثناء حصار عكا حين شاهد المرأة ( الصليبية ) وهي تحتضن ابنها ( الذي كان ضائعا في معسكر صلاح الدين الضخم المحاصر لعكا وجيء به إلى أمه ) .
إن معاتبة قائد يملك كل الصفات الحسنة والنبيلة ، وهو في الملأ الأعلى ، يأخذ قسطاً من الراحة من أتعاب السنين في مثواه الأخير ، بعد أن قاتل على صهوة جواده طيلة عمره الذي لم يقل عن نصف قرن إلا بعض السنين ، لهو من مآسينا مآسي الشعب الذي يجب أن ينهض .
23- 5 – 2006