قراءة في فنجان المعارضة السورية

عبداللـه إمام

   إذا كان الإناء بما فيه ينضح ، فإن المعارضة السورية التي هي موضوع مقالنا هذا ليست كالمعارضات المعروفة في الدول ذات الأنظمة الديموقراطية.

فالمعروف عن تلك المعارضات أنها تنشأ أساساً كنتيجة لمخاض انتخابي يفرز برلماناً (سلطة تشريعية) يضم قوى تشكل الأغلبية البرلمانية لتستلم السلطة التنفيذية، كما يضم قوى أخرى تشكل الأقلية البرلمانية المعارضة.

ومن هذا المنطلق تكتسب المعارضة في تلك الدول طابعاً ديموقراطياً لا غبار عليه، وتسلك سبلاً وأساليب تلائم الخيار الديموقراطي في الوصول إلى مبتغاها وهدفها الذي هو الوصول إلى السلطة في الانتخابات البرلمانية التالية.
   أما في أنظمة الاستبداد فإن الوضع يختلف، بحيث تقوم قوة – عسكرية أو مدعومة من العسكر غالباً – بالاستيلاء بالقوة على السلطات جميعها، التشريعية والتنفيذية، وحتى القضاء والإعلام..

ثم تقوم قوى أخرى – منشؤها المجتمع ونخبته بالدرجة الأولى –  بالدعوة إلى إنهاء الاستبداد والتأسيس لنظام ديموقراطي..

وهنا تبدو صعوبة عمل هذه القوى الممنوعة بالقانون والمقموعة بالقوة..

وهذه الأخيرة هي ما تسمى بالمعارضة التي نتحدث عن إسقاطها السوري.

   إن المعارضة في سوريا لها أكثر من مدلول:
– فهي – إن شئت – تلك القوى والمنظمات والشخصيات التي تتوزع بين ائتلافات متعددة، مثل «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي» و «جبهة الخلاص الوطني» ..الخ.


– أو هي تلك التي تحتويها صدور الملايين من أبناء سوريا الذين يئسوا من الوعود الإصلاحية لسلطة الأمر الواقع التي يجدونها غير معبرة عن طموحاتهم ويرغبون في تجاوز الحالة الراهنة من خلال عملية تغيير ديموقراطي،
– أو هي ذلك التخيل الذي يساور السوريين – وخاصة نخبهم السياسية والثقافية والاجتماعية..

– والذي يرفض الواقع الحالي لقوى المعارضة السورية ويدعو إلى إعادة إنتاج هذه المعارضة على أسس سياسية وتنظيمية لتكون أكثر قدرة على تحقيق الطموح الوطني السوري في التأسيس لنظام حكم ديموقراطي.
    تتوزع القوى والمنظمات السـورية التي تعتبر نفسها معارضة، بين ائتلافات ثلاث: «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي»، «جبهة الخلاص الوطني»، «التجمع القومي الموحد»..

بالإضافة إلى قوى وتنظيمات أخرى – كردية وعربية – خارج هذه الأطر.

ومجمل تلك القوى والتنظيمات تدعو إلى العمل على تحقيق نظام ديموقراطي تحكم به سوريا.

إلا أنها تتفاوت في برامجها بين من يدعو إلى «تغيير ديمقراطي تدرجي» كما هو الحال لدى «إعلان دمشق»، وبين من يدعو إلى الإصلاح كما هو الحال لدى «التجمع القومي الموحد»، وبين من يدعو إلى التغيير الديموقراطي، كما هو الحال لدى «جبهة الخلاص الوطني»..

وهناك أحزاب كردية سورية معارضة – كحزب آزادي الكردي في سوريا – تدعو إلى التغيير الديموقراطي المتضمن حلاً ديموقراطياً لقضية الشعب الكردي في سوريا دون تأجيل.
    كـما أن غالبية هذه «المعارضات» تتمسـك في برامجها بأدلجـة المعارضة وبرامجهـا بحيث تكـون الدولة المنشودة سورياً دولة ذات طابع إسلامي أو قومي عربي أو كليهـما.

ففي حـين يصرّ «إعلان دمـشـق» على التأكيد على الجانب الديني الإسلامي والجانب القومي العربي في الدولة السورية المنشودة، نجد كلاً من «جبهة الخلاص الوطـني» و «التجمع القومي الموحد» يصران على الخلفية القومية العربية فـــي ذلك.
   وفي الحالتين نكون أمام عقلية إقصائية: في الحالة الأولى هناك إقصاء للأديان المسيحية واليزيدية..

والقوميات الكردية والسريانية..

وفي الحالة الثانية هناك إقصاء للقوميات غير العربية في الشراكة الوطنية المنشودة.
   وحدها القوى الكردية المشار إليها تدعو إلى برنامج سياسي خالص للتأسيس لعقد وطني يضـمن نظاماً ديموقراطياً للحكم في سوريا ويحقق الشراكة الحقيقية بين جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية.
   أمام هكـذا لوحة لواقع المعارضة / المعارضات السورية، تبقى السلطة هي المستفيد الأول، إن لم يكن الوحيد، لأنها مطمئنة إلى ضـعف المعارضة وعدم فاعليتها، وبالتالي عدم قدرتها على أن تطـرح نفسـها كبديل ديموقراطي..

فلا يمكن القول بوجود معارضة سورية واحدة أو موحدة متفقة أو متوافقة على برنامج سياسي أو ميثاق وطني يجمع كافة القوى السياسية السورية المعارضة في خندق واحد ويوجهها نحو أهدافها المنشودة.

كما أن السمة الديموقراطية في هذه المعارضة هي محل شك إذ أنها تفترض وجود البرنامج أو الميثاق الوطني الشامل المتضمن للرؤية الوطنية القائلة بوجوب دمقرطة سوريا من خلال العمل في سبيل إنشاء عقد وطني جديد من خلال التوافق على دستور للبلاد من قبل مجلس تأسيسي وعرضه على السوريين للتصويت عليه، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية حرة تنبثق عنها سلطة تنفيذية حسب الأصول المتبعة لدى مختلف الأنظمة الديموقراطية في العالم.
    واسـتخلاصاً فإننا نستطيع اعـتبار السوريين بمجملهم معارضين، باستثناء السلطة بعناصرها وأدواتها وقلة من المتطفلين عليها، وما التنظيمات السياسية الحالية المتبلورة أو التي نطمح إلى تبلورها مستقبلاً سوى تعبيرات لهذه المعارضة.

وبالتالي فإن المطلوب هو العمل على المدلول الأول (القوى والمنظمات والشخصيات الموجودة) والبحـث لها عن مخارج لتتطابق مع/ تقترب من المدلولـين الآخرين المذكـورين أعلاه، وبذلك نصل إلى الواقع المطلوب للمعارضة السورية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…