ما حدا أحسن من حدا

   بلـند حـسـن

   النَّظر إلى الآخر ، الإنسانِ ، الفردِ ، المواطنِ ، الذي يختلف  في الشّكل أو المنبت ، أو الأصل الديني ، والقومي ، والمذهبي ، النّظرُ إليه ، بفوقية واستعلاء ، سلوكٌ أقرب إلى سلوك كائنات الغابة منه إلى التعامل البشري .

أثبتَتْ كلّ النظريات الفلسفية ، والدراسات الإنتروبولوجية ، التي تناولت المجموعات البشرية ، وتطورها ، وثقافاتها وعاداتها ، بأنه لا توجد مجموعة بشرية تتفوق على أخرى ، إذا كانت تعيش في المستوى ذاته من المعيشة والظروف الحياتية .

إذاً لماذا ثمّة هناك من يدّعي التفـوّق والأفضلية القومية أو الدينية على الآخر ؟؟
   فالإنسان الذي تشرَّبَت إلى فكره وعاطفته فكرة ( أنا أفضل من غيري – أنا من شعبٍ مخـتار – فضَّـلَنَا الله على غيرنا – أنتمي إلى ” خير أمةٍ أُخرِجت للنَّاس ” لا بدّ أن يمارس في سلوكه اليومي مع الآخر المختلف ، لغةً وديناً ومذهباً ، ما يصنِّفُه في خانة (الفكر العنصري ).


   وما نراه من هذه الآراء لدى بعض المتحزبين ، والقومويين ، عبارة عن أفكار عنصرية تسرّبت إلى الأحزاب القوموية التي تبنت نظرية هتلر القائمة على التفوّق القومي ، ومنها ما جاءت من التحليلات الدينية الخاطئة ، التي تضخُّ في عقول بعضهم أفكاراً تلغي الآخر وتصنّفُ أصحابها من الصفوة المختارة وتدعو الآخرين إلى تبجيلهم والتصفيق  لهم ، لأن فكرها قائمة على أفضلية أمة دينية معينة على غيرها من الديانات الأخرى .

 
  ولا يُخفى على أحد بأنّ معظم الأحزاب القوموية في منطقة الشرق الأوسط من (العربية والتركية والفارسية والكردية) أخذت من هذه الأفكار ، وبنسبٍ متفاوتة ، وبعض هذه الأحزاب التي اعتلت على سدة السلطة مارستها على أرض الواقع من خلال إلغاء حقوق الشعوب الأخرى المتعايشة معها ، والاستعلاء عليها ، وكأنّ الله قد منحها أهلية التفوق ، وأفضلية الأصل ، ناسية أنّ هذه العنجهية قد مُرِسَت في أوربا لعقود طويلة ، وأشعلت فيها حروباً دموية ، مما جعل  ساستها وحكماءها، بعد الحرب العالمية الثانية ، يُبدعون أسساً ونظرياتٍ جديدةً تُخرجِهم من متاهات الحروب ، وتجعل شعوبها تختار أسلوب الحكم بما يحقّق المساواة والعدالة للجميع ، وتتيح للكل ممارسة حقّهم بحرية .


    هل تحتاج هذه المنطقة إلى مزيدٍ من الحروب والقتل لتصل إلى ذاك المستوى من الفكر الحر ؟ لماذا تصرّ الأنظمة الحاكمة على ممارسة السياسة بهذا الشكل المتخلف المستبدّ مع شـعـوبها ؟ ولماذا تتعامل مع القوميات الأخرى بهذه الفوقية الغارقة في العتمة والظلامية؟ هل إصرارها هذا كافٍ لإلغاء وجود الشعب الكردي البالغ تعداده أكثر من أربعين مليوناً ؟
   أعتقد أنّ أنظمة الحكم ، ومعها كلّ المثقفين والمهتمين بالشّأن العام مسؤولة عمّا تسير إليه الأمور ، مسؤولة عن انهيار العلاقة بين شعوب المنطقة ، التي تشرف على حافة خطيرة من الفوضى، وعلى حالة يتجه فيها السلم الأهلي والمجتمعي إلى عدم الاستقرار.

فالمنطقة لم تعد تتحمّل مزيداً من الحروب الكارثية ؛ فالاحتقانات السياسية ، والتراكمات السلبية الناتجة عن ممارسات الشوفينية ، والاستمرار في السياسات العنصرية – كإنكار الوجود القومي للشعب الكردي في سوريا وتركيا وإيران ، وعدم الاعتراف بحقوقهم القومية ، وإلغاء دورهم في الشأن العام والحياة السياسية – باتت عاملاً خطيراً يهدّد استقرار المنطقة .

وكي تستطيع شعوب المنطقة التعايش في جوٍّ من الرخاء والازدهار ، عليها أنْ تتجاوز ثقافتها الإلغائية ، المبنية على فكرة (الأفضلية ، والأصل المختار ، والتفوّق القومي ، وغير ذلك من الأفكار التي لا تنتج سوى العنف السياسي) والانفتاح على الآخر المختلف ، وتوفير المناخ الديمقراطي الذي يزدهر فيه الفكر الحر وحرية الإبداع.

ليعيش الجميع بحرية ووئام ، في تآلف وسلام.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

تحيَّة طيّبة وبعد: انطلاقاً من حقيقة كون الشّعب الكُردي يشكّل جزءاً أصيلاً من النَّسيج البشري للمنطقة عموماً ومن النّسيج المجتمعي لسوريا على وجه الخصوص، وكون هذا الشَّعب قد تعرَّض لظلمٍ تاريخيٍّ لا يمكن تجاوزه بصمت، نتوجّه إليكم بوعي عميق تجاه سوريا الجديدة وقضيَّة الشّعب الكُردي لنعرض أمامكم الآتي: قبل سقوط نظام البعث/ الأسد، كلَّما حاولتِ النُّخب الكرديَّة في سوريا الحديثَ…

ريزان شيخموس شهدت سوريا تطورًا تاريخيًا غير مسبوق مع سقوط نظام بشار الأسد، الذي استمر في السلطة لأكثر من خمسة عقود، محكمًا قبضته الحديدية على البلاد. هذا الحدث لم يكن مجرد نهاية لنظام استبدادي بل بداية لتحولات جذرية تحمل في طياتها تحديات وفرصًا كبيرة، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. شكل سقوط نظام الأسد نقطة تحول في المشهد السوري الداخلي….

حسين جلبي لم تؤسس قسد للدفاع عن الكُرد، بل أسسها الأمريكيون لقتال تنظيم داعش، وبذلك تعتبر مجموعة مرتزقة تتلقى المال والسلاح من الأمريكيين لتحقيق مصالح أمريكية، قرارها في القتال بيد الأمريكيين. لم تخض قسد معركة واحدة للدفاع عن الكُرد، وكل المعارك التي خاضتها كانت ضمن الأجندة الأمريكية لمحاربة تنظيم داعش. لم تدافع قسد عن الكُرد في معارك مفصلية مثل عفرين…

إبراهيم اليوسف ما أن تسقط الأنظمة الدكتاتورية بعد عقود من القمع والدماء، حتى تبدأ الأسئلة الكبرى بالظهور حول مستقبل المجتمع وما خلفته تلك السنوات من أزمات نفسية، اجتماعية، وسياسية. إذ أنه وبعد أربع عشرة سنة من القتل والدمار، انهار النظام السوري، كما كان متوقعاً، تحت ثقل الجرائم التي ارتكبها، متوهماً أن وصفة القمع التي ورثها عن أبيه ستظل…