كرم يوسف
فظاعة ، وهول إعصار الإرهاب في العراق ، بات خبراً ” غير مهم ” في نشرات الأخبار، حيث أن المُشاهِد ما عاد يثيِّره حمَّام الدَّم العراقي، ولا عدد القتلى ، ولا تفاصيل القتل وقطع الرؤوس ، وتماماً كأن تقول: إنَّ موت العراقيّ بات أمراً غير مهم….!
في ظلِّ هذه الأزمة التي يعيشها العراقي من موت وتصفيق العالم لقتلته وتسميتهم بالمقاومة ترى هل من حلٍّ لأزمة الموت الموقوت وغير الطبيعيّ ، الموت الموقوت بالمذهب والانتماء، هذا الموت الذي يملي عليك أن ترى الشمس تشرق من جيوب الإرهابيين ، وإلا عليك أن تدفع فاتورة الموت روحاً، وإذا نظر العراقيون إلى الشمس من خلال ثقوب” جيوب” الإرهابيين ، ترى هل سيسمح أولئك الإرهابيون أن يرى العراقيون كل قرص الشمس، أم أنَّ الضريبة ستزداد”، ها نحن اليوم نعيش عصراً ، بات الإرهاب فيه ذا مفهومٍ كيفي، فحيناً التبرع برغيف خبز إرهاب، وتارةً أخرى التبرع برصاصةٍ إرهاب ، وتارةً التبرع بربتة على كتف الإرهاب.
أرض بابل ما عاشت يوماً إلا ورويت فيه بدماء جديدة، والأسوأ من كل هذا، أنَّ هذه الدماء يهدرها أهلُ بيت واحد، وما يدعو للقلق أكثر، أن قتل الأطفال، واغتيال المآذن، والكنائس، واقفة، يثير الفرحة في قلوب الكثيرين، هؤلاء الكثيرون الذين لا يعون أنَّ ما يصفقون له اليوم ،سيكون مدعاة ندمهم وبكائهم غداً، لأنَّ الإرهاب اليوم بات يبحث عن دائرةٍ أوسع، عن فضاء أسود أكبر.
وما يؤسف، أنَّ ممَّن يصفقون لقتل العراقيّ بعض من القوى العربية التي بات الإرهاب يجد في أوردتهم مكاناً خاصاً لتدور دورات الحقد في أوردتهم، كذلك أنَّ العديد من القوى الشيوعية في العالم العربي، باتت تتغاضى عن جريمة قتل الأبرياء، في العراق ،وتكتفي بنشر صور جنود التحالف المقتولين في العراق، دون أن تدين حتى ولو ببيان حرق المصاحف ، والأناجيل ، وزهق الأرواح البريئة.
إنَّ هذه النظرة، غير المتكاملة، إلى الحدث الإرهابي والتصفيق ، للجزء في العراق يكرَّس مفهوم الإرهاب حباً في نفوس الناشئة ، وهذا ما سيؤثر على سيكولوجية الناشئ العربي.
إنَّ كلَّ إنسان ذي ضميرٍ يقظ لينبذ الاحتلال، والقدم الغريبة، التي تطأ أرض أيَّ منا هي قدم منبوذة، ودون الغوص في خلفيات التدخل الأمريكي في العراق، ومن هو السبب المباشر في استقدام ” الغرباء “، حيث إنَّ وقف حمام الدم العراقي ، من شأنه أنّ يعجل في خروج قوات التحالف من العراق، دون الانتباه إلى هذا الأمر، فإنَّ من ينبذ الوجود الأمريكي في العراق، فهو يدافع عنه حين يصفق للإرهاب ، لأن الجماعات الإرهابية، والتكفيرية، هي سندٌ قوي لقوات التحالف في العراق، وهذه وجهة نظري الشخصية .
هذا العراقيّ الذي طالما حلم بحياة تحت شمس بغداد الدافئة ، بات اليوم يحلم بقبر منفرد ،واأسفاه ….!، لا قبر جماعياً يُرمى فيه، ويُدفن، هو، وأخوته، أو هو وأبناء حيِّه ، ومدينته ،ِ أو هو وأبناء مذهبه ،مادام أنَّه قد حُرم من اسمه ،ومسجده ،وقبلته، ومدرسته ,وأشعاره ،ووطنه .!.
هذا العراقيّ، كبش فداء العصر، الذي يدفع الضؤيبة بسبب ديكاتوريات بلده منذ الحجاج وحتى صدام ، ما عاد يرفض الموت الجماعيّ، ولكن ، يريد أن تكون رأسه على كتفيه ، وليس بين يديه، أنّّ السكوت عن الإرهاب ، وعدم ادانته ، ولو بأيّ شكل ، لهو تأكيدٌ صارمٌ على التصفيق للإرهابي ، وهو ينجز مهمته في تفخيخ طفلٍ ، أو جسر ، أو مدينة ، أو العراق بأكمله.
إنَّ كل من يصفق لللإرهاب في العراق ،عليه أنَّ يسكت وهو يرى دفاتره ، وأقلامه، وأفكاره، وأخوته، ومدينته وعلمه يحترق بيدي ذلك الخائف من نور الشمس ، وهو يلثم نفسه كلما أعلن بياناً يبشر بقتل صبية في شهرها الأول.