في ذلك الوقت لم يكونوا يحتاجون هذا الكم الهائل من الديناميت فالسلطة باجمعها كانوا قد سطوا عليها فاستخدموا الشفلات والبلدوزرات في إزالة عشرات القرى وآلاف البيوت.
في كر عزير والتي أصبحت فيما بعد (القحطانية) لملموا فيها أفقر سكان العراق إن لم يكونوا أفقر فقراء الشرق الأوسط حينذاك وما زالوا، في أكواخ وبيوت طينية، واستحدثوا فيها مركز لناحية أطلقوا عليها اسم القحطانية نسبة للقحطانيين العرب الذين لم يوجدوا في هذه المنطقة إلا اللهم إن كانوا قد وفدوا ذات يوم كبدو رحل طلبا للماء والكلأ، وأتبعوها بقضاء البعاج الذي استحدث هو الآخر في تلك الفترة من سياسة التعريب والتطهير العرقي، في أول عمليات السلخ وتقطيع أوصال المدينة والقضاء لتشتيت السكان وصهرهم وتغيير هويتهم الثقافية والقومية وحتى الدينية والمذهبية.
في حقيقة الأمر كانت البداية مع مركز المدينة حينما بدأوا بتدمير اعرق أحيائها وأجملها في منطقة البرج وبربروش وبرسهي وجوسقي وقسم كبير من السراي، حيث أزالوها عن بكرة أبيها بالبلدوزرات، ورحلوا سكانها الى خارج المحافظة والبعض الآخر الى مجمعات قسرية أشبه ما تكون بمعسكرات الاعتقال النازية على أيام أدولف هتلر.
كانت المدينة قضاءاً من أقدم أقضية العراق والدولة العثمانية، حيث كانت سنجقا (مركز لواء عثماني ضمن ولاية كوردستان) منذ 1527 م، وحاضرة من حواضر الشرق ومدنه العريقة بمدنيتها، حتى نافست دمشق وحلب في جمالها واتساع مبانيها على أيام الاتابكة في مطلع القرن الثاني عشر الميلادي، وكان لها مجلسها البلدي منذ عام 1890 م حسبما جاء في سالنامات الدولة العثمانية لولاية الموصل 1890 – 1912 م، بل إن سنجار كانت تضم مدنا مثل تلعفر والرها وتمتد حتى الخابور على الحدود السورية والتركية الحالية قبل قرون من الآن.
وحتى قيام الدولة العراقية والى مطلع السبعينات من القرن الماضي كانت سنجار قضاء كبيرا تضم ثلاثة نواحي هي البعاج والشمال ومركز سنجار وناحية تلعفر التي فصلت منها مطلع 1918 م، إضافة الى العشرات من القرى الكبيرة والصغيرة التي تنتشر شمال وجنوب المدينة.
وأجمل ما يميز هذه المدينة قبل تقطيع أوصالها إنها من الاقضية ذات الكثافة الكبيرة بالقرى والمزارع والبساتين وتنوع إنتاجها الحيواني والنباتي على مدار السنة وفصولها.
ولم يكتفو باستحداث قضاء من قرية في جنوب غرب المدينة بل استحدثوا ناحية أخرى في قرية ربما لا ترتقي الى اصغر قرى الكورد في جنوب شرق سنجار وأطلقوا عليها اسم القيروان التي لا تمت بصلة لهذا الاسم وإن كان سكانها من العشائر العربية التي وفدت المنطقة نهاية القرن التاسع عشر كموجات بدوية استوطنت تدريجيا وسكنت مناطقا ما زالت تحمل اسماءً كوردية لحد هذا اليوم، والحقوا بهذه الناحية ما يقرب من ثلث مساحة وسكان ما تبقى من القضاء بعد سلخ ثلثه الآخر وإلحاقه بقضاء البعاج.
عملية تقطيع الأوصال هذه شملت سلخ معظم القرى الكوردية وإذابتها في قضاء البعاج ذو الكثافة العربية، حيث أصبحت حدود قضاء البعاج تمتد الى سفح جبل سنجار مبتلعة كل القرى التي على السفح وجزء كبير من الضواحي الجنوبية للمدينة نفسها مع المجمعات الثلاث (الجزيرة/سيبا شيخ خدر و القحطانية/كرعزير و العدنانية/كرزرك) إضافة الى رمبوسي وكروفي.
وما تبقى من قرى كوردية ألحقت بناحية القيروان / بليج ذات الكثافة العربية، وبذلك لم يتبقَ إلا ثلثا واحدا من مجموع مساحة وسكان القضاء وعدد من القرى أغلبها من القرى العربية مثل الكولات ونعينيعة (عشيرة الجحيش) وقرى عين حصان الثلاث (عشيرة الخواتنة) وأبو خشب (شمر وزوبع) والنوفلي (جبور) وبعض القرى الكوردية التي قاموا بإسكان العرب فيها مثل أرفيع وخراب بازار.
وقد رافقت عملية التقطيع هذه مصادرة عشرات الآلاف من الدونمات الزراعية من أصحابها الكورد (العقود الزراعية) أو بحجة الحزام الأمني للمدينة، ومنحها الى عشائر عربية من البعاج أو من سنجار أو من الذين تم استقدامهم من خارج الموصل.