شنكال وتقطيع الأوصال !؟

   كفاح محمود كريم
    سيبا شيخ خدر و كر عزير (القريتان اللتان تعرضتا الى أبشع عملية ابادة منذ سقوط النظام في الرابع عشر من آب الماضي) قريتان من ثلاثة قرى سلخهما العنصريون في النظام السابق من قضاء سنجار ليربطوهما بناحية البعاج ذات الأغلبية العربية عام 1977، بعد انتكاس ثورة أيلول عام 1975 إثر ذلك التآمر الدولي الذي عقد في الجزائر وأنتج اتفاقية اغتيال الثورة الكوردية والتنازل عن شط العرب لإيران.
   قبل أكثر من ثلاثين عاما وبنفس هذا الأسلوب ونفس الأنين والنحيب، سحقوا ودمروا عشرات القرى واقتلعوا مئات البساتين، وأغلقوا بالحجارة والاسمنت عشرات الينابيع في السهول وسفوح جبل سنجار، ثم عادوا الى السكان ليحرقوا أجساد الأطفال ويقتلوا النساء والشيوخ ويسيقوا الشباب الى مصير مجهول حتى هذا اليوم؟
    هنا في سيبا شيخ خدر وكر عزير كان الحقد الأسود منذ ثلاثين عاما، حيث جمعوا سكان عشرات القرى بعد تدمير قراهم في هذين المجمعين وغيرهما في جنوب شنكال وشمالها عام 1977 لينفذوا واحدة من أبشع عمليات التغيير والتشويه الديموغرافي في غرب كوردستان وليزيلوا كما يحاولون اليوم قرى بأكملها من على وجه الأرض بسكانها وبساتينها وينابيعها.

  في ذلك الوقت لم يكونوا يحتاجون هذا الكم الهائل من الديناميت فالسلطة باجمعها كانوا قد سطوا عليها فاستخدموا الشفلات والبلدوزرات في إزالة عشرات القرى وآلاف البيوت.
    في كر عزير والتي أصبحت فيما بعد (القحطانية) لملموا فيها أفقر سكان العراق إن لم يكونوا أفقر فقراء الشرق الأوسط حينذاك وما زالوا، في أكواخ وبيوت طينية، واستحدثوا فيها مركز لناحية أطلقوا عليها اسم القحطانية نسبة للقحطانيين العرب الذين لم يوجدوا في هذه المنطقة إلا اللهم إن كانوا قد وفدوا ذات يوم كبدو رحل طلبا للماء والكلأ، وأتبعوها بقضاء البعاج الذي استحدث هو الآخر في تلك الفترة من سياسة التعريب والتطهير العرقي، في أول عمليات السلخ وتقطيع أوصال المدينة والقضاء لتشتيت السكان وصهرهم وتغيير هويتهم الثقافية والقومية وحتى الدينية والمذهبية.
   في حقيقة الأمر كانت البداية مع مركز المدينة حينما بدأوا بتدمير اعرق أحيائها وأجملها في منطقة البرج وبربروش وبرسهي وجوسقي وقسم كبير من السراي، حيث أزالوها عن بكرة أبيها بالبلدوزرات، ورحلوا سكانها الى خارج المحافظة والبعض الآخر الى مجمعات قسرية أشبه ما تكون بمعسكرات الاعتقال النازية على أيام أدولف هتلر.
   كانت المدينة قضاءاً من أقدم أقضية العراق والدولة العثمانية، حيث كانت سنجقا (مركز لواء عثماني ضمن ولاية كوردستان) منذ 1527 م، وحاضرة من حواضر الشرق ومدنه العريقة بمدنيتها، حتى نافست دمشق وحلب في جمالها واتساع مبانيها على أيام الاتابكة في مطلع القرن الثاني عشر الميلادي، وكان لها مجلسها البلدي منذ عام 1890 م حسبما جاء في سالنامات الدولة العثمانية لولاية الموصل 1890 – 1912 م، بل إن سنجار كانت تضم مدنا مثل تلعفر والرها وتمتد حتى الخابور على الحدود السورية والتركية الحالية قبل قرون من الآن.
  وحتى قيام الدولة العراقية والى مطلع السبعينات من القرن الماضي كانت سنجار قضاء كبيرا تضم ثلاثة نواحي هي البعاج والشمال ومركز سنجار وناحية تلعفر التي فصلت منها مطلع 1918 م، إضافة الى العشرات من القرى الكبيرة والصغيرة التي تنتشر شمال وجنوب المدينة.

وأجمل ما يميز هذه المدينة قبل تقطيع أوصالها إنها من الاقضية ذات الكثافة الكبيرة بالقرى والمزارع والبساتين وتنوع إنتاجها الحيواني والنباتي على مدار السنة وفصولها.
  ولم يكتفو باستحداث قضاء من قرية في جنوب غرب المدينة بل استحدثوا ناحية أخرى في قرية ربما لا ترتقي الى اصغر قرى الكورد في جنوب شرق سنجار وأطلقوا عليها اسم القيروان التي لا تمت بصلة لهذا الاسم وإن كان سكانها من العشائر العربية التي وفدت المنطقة نهاية القرن التاسع عشر كموجات بدوية استوطنت تدريجيا وسكنت مناطقا ما زالت تحمل اسماءً كوردية لحد هذا اليوم، والحقوا بهذه الناحية ما يقرب من ثلث مساحة وسكان ما تبقى من القضاء بعد سلخ ثلثه الآخر وإلحاقه بقضاء البعاج.
   عملية تقطيع الأوصال هذه شملت سلخ معظم القرى الكوردية وإذابتها في قضاء البعاج ذو الكثافة العربية، حيث أصبحت حدود قضاء البعاج تمتد الى سفح جبل سنجار مبتلعة كل القرى التي على السفح وجزء كبير من الضواحي الجنوبية للمدينة نفسها مع المجمعات الثلاث (الجزيرة/سيبا شيخ خدر و القحطانية/كرعزير و العدنانية/كرزرك) إضافة الى رمبوسي وكروفي.
  وما تبقى من قرى كوردية ألحقت بناحية القيروان / بليج ذات الكثافة العربية، وبذلك لم يتبقَ إلا ثلثا واحدا من مجموع مساحة وسكان القضاء وعدد من القرى أغلبها من القرى العربية مثل الكولات ونعينيعة (عشيرة الجحيش) وقرى عين حصان الثلاث (عشيرة الخواتنة) وأبو خشب (شمر وزوبع) والنوفلي (جبور) وبعض القرى الكوردية التي قاموا بإسكان العرب فيها مثل أرفيع وخراب بازار.


   وقد رافقت عملية التقطيع هذه مصادرة عشرات الآلاف من الدونمات الزراعية من أصحابها الكورد (العقود الزراعية) أو بحجة الحزام الأمني للمدينة، ومنحها الى عشائر عربية من البعاج أو من سنجار أو من الذين تم استقدامهم من خارج الموصل.

   ورغم كل عمليات التقطيع والتشتيت للسكان وترحيل الكثير منهم خارج المنطقة أو جمعهم في مجمعات لأذابتهم وتفريغهم من محتوياتهم الإنسانية الأصيلة ومسخ ثقافتهم، فقد عاد هذا الشعب الى أصالته خلال ساعات قليلة من سقوط ذلك النظام، ونهض يلملم أوصاله ويوحد كلمته وتوجهاته الى تنفيذ الدستور الدائم وإعادة توحيد المدن الكوردستانية وأوصالها التي شتتها وفرقها النظام السابق في إقليم واحد على خلفية التطابق التاريخي والجغرافي للأقاليم ضمن جمهورية العراق الديمقراطي الاتحادي الذي أقره الدستور العراقي الدائم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

رياض علي* نظرا للظروف التاريخية التي تمر بها سوريا في الوقت الحالي، وانتهاء حالة الظلم والاستبداد والقهر التي عاشها السوريون طوال العقود الماضية، وبهدف الحد من الانتهاكات التي ارتكبت باسم القانون وبأقلام بعض المحاكم، وبهدف وضع نهاية لتلك الانتهاكات، يتوجب على الإدارة التي ستتصدر المشهد وبغض النظر عن التسمية، أن تتخذ العديد من الإجراءات المستعجلة، اليوم وليس غداً، خاصة وان…

ادريس عمر كما هو معروف أن الدبلوماسية هي فن إدارة العلاقات بين الدول أو الأطراف المختلفة من خلال الحوار والتفاوض لتحقيق المصالح المشتركة وحل النزاعات بشكل سلمي. المطلوب من الكورد دبلوماسيا في سوريا الجديدة بعد سقوط طاغية دمشق بشار الأسد هو العمل على تأمين حقوقهم القومية بذكاء سياسي واستراتيجية دبلوماسية مدروسة، تأخذ بعين الاعتبار الوضع الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التوازنات…

نشرت بعض صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المراسلين ، معلومات مغلوطة، بشأن موقف المجلس الوطني الكردي حول الحوار الكردي الكردي ، فإننا نؤكد الآتي : ١- ما ورد في المناشير المذكورة لا يمت للواقع بأي صلة ولا يعكس موقف المجلس الوطني الكردي . ٢- المجلس الوطني الكردي يعتبر بناء موقف كردي موحد خياراً استراتيجياً، ويعمل المجلس على تحقيق ذلك بما ينسجم…

إبراهيم اليوسف ليس خافياً أن سوريا ظلت تعيش، بسبب سياسات النظام، على صفيح ساخن من الاحتقان، ما ظل يهدد بانفجار اجتماعي واسع. هذا الاحتقان لم يولد مصادفة؛ بل كان نتيجة تراكمات طويلة من الظلم، القمع، وتهميش شرائح واسعة من المجتمع، إلى أن اشتعل أوار الثورة السورية التي عُوِّل عليها في إعادة سوريا إلى مسار التأسيس ما قبل جريمة الاستحواذ العنصري،…