تصريح الرئيس مسعود بارزاني والجدل أو الأصح الدجل المثار حوله

الدكتور عبدالحكيم بشار


لقد صرح الرئيس مسعود بارزاني منذ أيام بما يلي : ( إن التعامل مع إسرائيل ليس جريمة ) لا شك أن الرئيس مسعود بارزاني معروف بالصدق والجرأة والوفاء ,  معروف بمناصرته لجميع القضايا العربية العامة ، والقضية الفلسطينية بشكل خاص ، لذلك جاء موقفه هذا تعبيراً عن جملة من المعطيات العميقة التي حصلت في المنطقة خلال العقدين الأخيرين ، ورغم أن الرئيس البارزاني لايزال يناصر الفلسطينيين ، وكذلك القضايا العربية ، وليست له أية علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل
إلا أنه تحدث عن مبادئ عامة ، وهذه المبادئ ترتكز على إقامة العديد من الدول العربية علاقات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل ، وسعي العرب قاطبة إلى إقامة سلام عادل مع إسرائيل ، إذاً عندما نقول سعي العرب قاطبة إلى إقامة سلام عادل مع إسرائيل يعني أن العرب يقبلون بوجود دولة إسرائيل والتخلي عن مفهومهم السابق الذي يدعو إلى إزالة دولة إسرائيل من الوجود ، والسلام بالضرورة يعني التعايش المتبادل وبالتالي إقامة علاقات طبيعية قد تتحفظ بعض الدول العربية على هذه العلاقات في البداية ، ولكن بعض الدول العربية الأخرى ستقيم مثل هذه العلاقات عندما يتحقق الصلح مع إسرائيل .

عودة إلى هذا الدجل والنفاق المثار حول هذا الموضوع ، أقول الدجل لأن نفس الشخصيات والجهات التي علقت على الموضوع بشدة وعارضته بشدة تسعى إلى إقامة أفضل العلاقات , بل وتتودد إلى تلك الحكومات إن لم نقل تتوسل من أجل التعامل معها والتي تقيم علاقات سياسية واقتصادية ونضالية وأمنية مع إسرائيل ، ولكي لا ندخل في نقاش بيزنطي ، نضع النقاط على الحروف :
1-  تركيا هذه الدولة المسلمة والتي تتمتع بأفضل العلاقات مع إسرائيل تصل إلى درجة التحالف والتعاون العسكري والاقتصادي الوثيق ، وكذلك تحتل أراض عربية ( لواء اسكندرون ) وتغتصب حق العرب بمياه نهري دجلة والفرات ، ما هو موقف تلك الجهات منها ؟ وما هو موقف الحكومات العربية من تركيا ؟ أظن أن جميعها تسعى إلى إقامة أفضل العلاقات ، بل التفاخر بها ، فإذا كان التعامل مع إسرائيل يعتبر جريمة فإن تركيا دولة ترتكب الجرم ، فكيف للدول العربية أن تتعامل مع هكذا جريمة وهكذا جرم ؟
2-  مصر تلك الدولة العربية الكبيرة والتي تم عزلها وتحييدها من جامعة الدول العربية بعد اتفاقيات ( كامب ديفيد ) ثم عادت من جديد لتصبح دولة عربية قيادية وريادية في الوطن العربي ، وجميع الدول العربية تسارع الخطى عندما تتعرض لمشاكل لتجد نفسها في الظاهر طالبة العون والمساعدة والمشورة منها ، هل غيرت مصر شيئاً من اتفاقيات كمب ديفيد ؟ لا لم تغير شيئاً ، فاالعلاقات الدبلوماسية موجودة ، وسفارة إسرائيل في قلب القاهرة ، وهناك علاقات  سياسية متطورة , ولم يبق رئيس وزراء إسرائيلي أو وزير خارجية إلا واستقبله حسني مبارك ، وهناك تعاون وثيق بينهما في مناطق سيناء والمناطق الحدودية ، ومع ذلك لا يتجرأ قائد عربي أو زعيم عربي أو سياسي أن يدين مصر بل أن يلومها على تلك الحفاوة والاحترام الذي تبديه للساسة الإسرائيليين أثناء زياراتهم للقاهرة ، وعلى تلك العلاقات الوطيدة بينهم ، فإما أن السيد الصدر لا يعرف دولة مصر أو يعتقد أنها دولة فرعونية وليست عربية .
3-  الأردن : وتربطه علاقات وثيقة ومتعددة الأوجه مع إسرائيل ، سياسية ، أمنية ، اقتصادية ، ولم تتخذ أية دولة عربية أو زعيم سياسي عربي موقفاً من الأردن ، لهذا السبب وإن كانت هناك خلافات بين الأردن وبعض الدول منها فلها أسباب أخرى وليس العلاقة مع إسرائيل ، وقد يكون السيد نصر الله قد تناول بعض اللحومات أو الخضار والفواكه الإسرائيلية أثناء إقامته في ضيافة الحكومة الأردنية ، فإذا كان التعامل مع إسرائيل يعتبر جريمة ( ولا توجد جريمة بدون مجرم ) إذن فإن الذي يقوم بهذا العمل يوصف بأنه مجرم ، فماذا نسمي كلاً من مصر والأردن ؟ وماذا نسمي الدول والمنظمات التي تتعامل معهما ؟ لذلك فأن دول الإمارات العربية المتحدة لمعظمها علاقات اقتصادية مع إسرائيل ، والبضائع الإسرائيلية تملأ أسواق العديد من الدول العربية تحت أسماء ومسميات مختلفة ، ولكن القيمين عليها يدركون مصدرها .
إذا كان التعامل مع إسرائيل يعتبر جريمة في نظر هؤلاء ( السيد الصدر وهيئة علماء المسلمين ) لذلك فإن معالجة هذه الجريمة يبدو ضرورياً , وأعتقد أن العلاج يمر عبر تحقيق مايلي :
–  أن تقوم جميع الدول العربية بقطع جميع علاقاتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل , وكل أشكال التعاون معها .
–  الدول العربية لا تلتزم بذلك , يجب على الدول العربية الأخرى أن تقطع علاقاتها مع هذه الدولة بشكل نهائي , وتطردها من جامعة الدول العربية .
–  بعد الانتهاء من معالجة الجريمة على مستوى الوطن العربي , نبدأ بمعالجتها على مستوى العالم الإسلامي , وذلك بتطبيق نفس المبادئ على تركيا ووضعها أمام خيارين : إما التعامل مع إسرائيل وقطع جميع انواع العلاقات مع الدول العربية , أو مقاطعة إسرائيل نهائياً وإقامة العلاقات مع الدول العربية .
نحن كشعب كردي نفتخر بانتمائنا الوطني ودفاعنا عن قضايانا الوطنية العامة إلى جانب قضايانا القومية الخاصة بنا , وحتى الآن فإن ملايين العرب أقاموا علاقات مع اسرائيل , ولكن لايوجد كردي واحد أقدم على ذلك , وسيظل الشعب الكردي يناصر الشعب الفلسطيني وقضيته وحقه المشروع في إقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني , وسيظل أكراد كل جزء يدافعون عن حقوق وطنهم وترابه وسيادته في وجه أي مغتصب , وقد كان موقف أب الكرد الخالد مصطفى البارزاني واضحاً وجلياً في حرب تشرين حين أوقف القتال ضد الطاغية صدام من طرف واحد لكي يفسح المجال للجيش العراقي في المساهمة في المعارك ضد اسرائيل .
ونحن كشعب كردي في سوريا دافعنا عن الجولان المحتل , وسنظل ندافع عنه حتى استرجاع كل ذرة من ترابه , ولا يمكن لأحد أن ( يزاود ) علينا بوطنيتنا  في هذا المجال .
فليقطع السيد الصدر وهيئة علماء المسلمين علاقات العديد من الدول العربية مع اسرائيل , وإذا لم تستجب هذه الدول فليعملوا من أجل إخراجها من جامعة الدول العربية وتطبيق المقاطعة العربية عليها , وبعدها من حقهم ان يطالبوا الرئيس مسعود البارزاني بالتراجع عن كلامه .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…