عمران السيد
يقول المثل الشعبي (لكل وقتٍ آذانهُ) وكذلك هي حال الحركات السياسية فلكل مرحلةٍ مقتضياتها واستحقاقاتها وتتطلب تلك الاستحقاقات أدوات ومفاهيم معينة تناسب الممارسة السياسية لتلك المرحلة.
في هذا كان لا بد من البحثِ عن شعارٍ كبير يستطيعُ استقطاب ما يمكن استقطابه من الشارع الكوردي و بنفس الوقت يكون تحقيقهُ صعباً إن لم يكن مستحيلاً كأن يكون حُلماً قومياً مجرداً لا تستطيع المرحلة أن تستوعبها فتبقى بذلك عائمةً في سماء الكورد دونَ أن تلامس أرض الواقع يوماً.
في سياق ذلك لم يكن أفضل من استحضار مفهوم قديم –جديد ألا وهي “المرجعية”.
ولما كانت الحركة تتوجس دائماً من بروز تياراتٌ أو اتجاهات تجسد إرادة الجماهير بشكلٍ حر وتعطي لمطالب الجماهير بعداً تغييرياً فكانت المرجعية هي السقف السياسي المحدد للعمل في الساحة من خلال أعطائها طابعاً شرعياً تشكلُ مَظلةً تحرم على غيرها من تجاوزها وبنفس الوقت يمدها بظلٍ مريح تستطيع أن تنعم بقيلٍ من الراحة.
والمرجعية بهذا الشكل من حيثُ هي بالأساس مصطلحٌ ديني تعني أكثرُ ما تعنيه عند أخواننا الشيعة خليفةُ الله على الأرض تمتلكُ ناصيةَ الحقيقة تََسأل ولا تُسأل, تقول ولا تسمع، تعطي ولا تأخذ، تأمر ولا تؤمر ولما كانت المرجعية هكذا فهي تؤدي بشكلٍ أساس وظيفةَ القضاء على تمايز فصائل الحركة وتنوع أساليب نضالها بتنوع عوائق المشروع القومي و الديمقراطي.
أن تلك الرؤيةَ التشاؤمية لها ما تبررها فمن ناحية طرح مثل هذا الشعار تتطلبُ درجةً من التقارب السياسي بين فصائل الحركة من ناحية تحديدها للخيارات الوطنية وتكون النضال في مرحلةِ ما يسمى بالمد الجماهيريٍ عندها قد يكون مبرراً وتجنباً لتشتت الرؤى تشكيل إرادة جمعية تحدد الأولويات أما في مثل الحالة التي نحن فيها فأي حالة جمعية تكون بالمساومة على الخيارات وبنتيجته سنصل- هذا إن وصلنا- إلى مؤسسة وهمية وظيفتها تقليم أظافر أي عمل .
وإذا كان الحالُ هكذا فلماذا كل هذه الضوضاء على تأخر تشكيل المرجعية وتحميل كل طرف المسؤولية على الطرف الآخر علماً بأن معظم الفصائل إن لم نقل كلها يضعونَ المانع تلو المانع في طريق تشكيلها فبقائها شعاراَ تخدم الحركة للاستفادة من الوقت الضروري لتجاوز هذه المرحلة و تحميل مطالب المرحلة إلى شعارٍ مستقبلي فبقاء هذا الشعار قائماً مع وقف التنفيذ يفيد معظم الاتجاهات العاملة في الشارع الكوردي وخاصةً تلك الحالة المميزة دائماً بموقفها فرغم كل هذه الاتهامات والضوضاء لم تلتفت ولم توافق على هذا المفهوم فهذه الثقة الموجودة عند هؤلاء”الرفاق” هي مكان احترام وكذلك يُحترم وجهة نظرهم في أنهم ليسوا بحاجةٍ إلى مثل هذه الشعارات من أجل السيطرة على جمهورهم لأنه ومنذ بدء نشوئهم أسسوا لعقلية بطريركية عتيدة لا يجرؤ أي كائن من تجاوز تلك الإرادة الأبوية المقدسة والتي أصبحت بمثابة أو هي المرجعية وهل تحتاجُ مرجعيةٌ ما إلى مرجعيةٍ أخرى ..؟
وكأن لسان حالهم يقول
“قوتكم في فسادكم أخافُ أن أصلحَ بينكم فتضعفون “.
—–
* عن جريدة المستقبل (جريدة غير دورية تعني بالفكر الحر يصدره تيار المستقبل الكردي – العدد (12) 2007م)