لكن المراقبون اعتبروا هذا الإجراء لا قيمة له دستورياً، وإن مهام الرئاسة توكل لرئيس الوزراء لحين انتخاب رئيس جديد..
وفي هذا الموضوع يمكن تسجيل بعض النقاط هو أن فرنسا بقيادة ساركوزي تمكنت من انتزاع التفويض الأوربي والأمريكي في التعاطي مع الملف اللبناني، وقد استطاع وزير خارجيتها تحقيق بعض النجاح، رغم عدم انجاز هذه المهمة، تمثل في الرحيل الهادئ للرئيس لحود دون اتخاذ أية خطوة تعبر عن التهديدات المتعلقة بتشكيل حكومة موازية، وذلك في دلالة على رغبة الجانب السوري في تهدئة الموقف، مما أثار حزب الله وكذلك النظام الإيراني الذي هدد على لسان وزير خارجيته بحرب أهلية وشيكة إذا طالت فترة الفراغ الرئاسي، مما يشير إلى وجود تباين واضح مع الحكومة السورية التي أعطت إشارة ايجابية بذلك، لتمهد بها الطريق إلى اجتماع انابوليس الذي ستحدد نتائجه مسار التطورات اللاحقة في لبنان، الذي يشهد الآن فراغاً منظماً يسجل بالنهاية نقطة ايجابية لصالح قوى 14 آذار بعد أن تسلمت حكومة السنيورة صلاحيات الرئاسة بالوكالة، وضمنت ولاء الجيش والقوى الأمنية، وذلك في ظل استمرار المبادرة الفرنسية الدولية التي ستعاود نشاطها بعد اجتماع أنابوليس بدعم دولي وعربي ضاغط على الجانب السوري الذي تفتح تلك المبادرة أمامه أبواب أوربا بعد قطيعة طويلة في حين فتحت الإدارة الأمريكية معه مجالات أخرى للانفتاح والخروج من العزلة بعد تعاونه الملحوظ في الملف الأمني العراقي.
وتؤشر المشاركة السورية في اجتماع انابوليس لبداية لا تتعلق فقط بإدراج موضوع الجولان في جدول الأعمال، والذي قد يكون موضوعا لاجتماع آخر يعقد في موسكو أو غيرها، بل يتعلق كذلك بإمكانية الخروج من العزلة العربية والدولية الخانقة، خاصة وان مؤتمر القمة العربية القادم سوف يعقد في آذار2008 بدمشق التي ترغب في توفير الأجواء اللازمة لإنجاحه..
لكن تلك المشاركة تسجل من جانب آخر خلافاً مع النظام الإيراني الذي اعتبر انعقاد هذا الاجتماع تكريساً للهيمنة الإسرائيلية، وأعرب عن استنكاره للمشاركة السورية على لسان المرشد الأعلى خامنئي الذي قال عن قرار المشاركة بأنه قرار خاطئ ومفاجئ، وأحدث خلافاً آخر مع حزب الله وحركة حماس المدعوتان لحضور مؤتمر للمعارضة الفلسطينية الذي كان من المزمع عقده في طهران، بعد أن تم نقل مكان انعقاده من دمشق لأسباب تتعلق بذلك التحول في موقف الحكومة السورية، التي بدأت تتجاوب مع الدعوات العربية المعتدلة التي نقلها الملك عبد الله الثاني في زيارته الأخيرة لدمشق، خاصة ما يتعلق منها بشرعية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مثلما نقل الرغبة الإسرائيلية في إجراء مفاوضات مع سوريا، وهو ما يفسر أحد أسباب التقرّب الإسرائيلي من روسيا التي تسعى للقيام بدور وسيط، وهي تساوم في ذلك على قدرتها في التأثير على الملف النووي الإيراني،من جهة، وعلى صفقات الأسلحة التي تقدمها لبعض أطراف الصراع في الشرق الأوسط، من جهة أخرى .
وبالعودة إلى اجتماع انابوليس الذي حضرته 46 دولة فان كل الأطراف المعنية كانت لها دوافع خاصة للمشاركة، وان كل طرف حصل على مكاسب، لكنها غير كاملة، اعتباراً من الراعي الأمريكي وحتى النظام السوري، ومروراً بالجانبين الرئيسيين الفلسطيني والإسرائيلي، فالإدارة الأمريكية تشعر بالحاجة الماسة لاستعادة مصداقيتها حيال مشروع الدولتين الذي وضعته إدارة بوش في معرض سياستها الرامية إلى سحب البساط من تحت أقدام الإرهاب الذي يتغذى من تذمر الشارع العربي والإسلامي تجاه السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل، في حين يربط فيه بعض المراقبين هذا الاجتماع بمحاولة أمريكية لعزل إيران تمهيداً لضربة عسكرية قد تقوم بها لتدمير إمكاناتها الصاروخية ومنشآتها النووية .أما الجانب الإسرائيلي فإنه يرى في هذا الاجتماع فرصة للفصل بين معسكر المعتدلين العرب وبين المتشددين المدعومين من إيران (مثل حركة حماس )التي ترى إسرائيل في انطوائها دخل قطاع غزة تكريساً لانشقاق الصف الوطني الفلسطيني ومناسبة لفرض شروطها القائمة على الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وقطع الطريق أمام حق العودة والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، وإحداث شرخ في جدار المقاطعة العربية الواسعة..
أما السلطة الفلسطينية فان مشاركتها في مثل هذا الاجتماع تحررها من المقاطعة الأمريكية التي امتدت لعدة سنوات، إضافة إلى إعادة القضية الفلسطينية كقضية عربية تضمنتها المبادرة السعودية في مؤتمر القمة في بيروت ..ورغم أن الاجتماع انتهى بعبارات وقرارات غير واضحة ووعود تنتظر التطبيق فإن إعلانه لإطلاق عملية المفاوضات وتحديد سقف زمني خلال عام 2008 لمناقشة قضايا الحل النهائي، مثل القدس وعودة اللاجئين والمستوطنات، يعتبر خطوة ايجابية يمكن البناء عليها لاحقاً، وسوف يكون من شأن أي تطور إيجابي على المسار الفلسطيني الإسرائيلي إحداث آثار ملموسة على مجمل الوضع الإقليمي، بما فيه العراق الذي يشهد تراجعاً واضحاً للعمليات الإرهابية والاقتتال الطائفي، خاصة بعد تنظيم وتعبئة العشائر، تحت اسم الصحوة، لحماية مناطقها مما يؤشر لإمكانية إنهاء التمديد للقوات المتعددة الجنسيات في عام 2008 والاقتصار على الوجود الأمريكي، حيث وقّع بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مؤخراً (إعلان مبادئ ) يبقي على القوات الأمريكية في العراق لأمد طويل عبر اتفاقات ثنائية تنظم العلاقة بين البلدين في المجال الأمني والسياسي والاقتصادي، وقد ترافق ذلك مع فتح قنوات الحوار بين الإدارة الأمريكية وبعض الجماعات المسلحة المعارضة وتراجعت حالة التوتر على الحدود التركية خاصة بعد زيارة رجب آردوغان لواشنطن التي استخدمت سياسة العصا والجزرة تجاه تركيا بهدف احتوائها واستعادة تحالفها وذلك من خلال التغاضي عن نشاطات وتحركات pkk في كردستان العراق وتقديم مذكرة بإبادة الأرمن إلى مجلس الشيوخ، وتمكنت تلك الزيارة من تنفيس حالة التوتر التركي عبر اعتبار pkkمنظمة معادية، وتشجيع نقل نشاطاتها إلى داخل إيران مقابل تراجع الجيش التركي عن فكرة التوغل في كردستان العراق واستبداله بعمليات محدودة مبنية على معلومات استخباراته وعد الجانب الأمريكي بتقديمها، إضافة لوعود أخرى على حساب كردستان العراق تتعلق بعضها بالنفط والمداخل الحدودية والدستور وقضية كركوك والتركمان وإنهاء تواجد pkk وإغلاق ملف إبادة الأرمن..
لكن المطلوب من تركيا بالمقابل العمل على مواجهة النفوذ الإيراني والضغط على النظام السوري لفك الارتباط مع إيران ودعم الإدارة الأمريكية في أية مواجهة مع إيران..
أما في داخل تركيا فقد ارتفعت الأصوات مؤخراً لتسجيل نقاط ايجابية تتعلق بإقامة علاقات تعاون بناءة مع كردستان العراق وتزويدها بالماء وتقديم منح دراسية لطلابها، مثلما جاء على لسان دينيز بايكال رئيس حزب الشعب الجمهوري .كما دعا آردوغان إلى البحث عن كيفية نزع سلاح pkk وكنعان افرين إلى الاعتراف بالهوية الكردية وحرصت وزيرة الخارجية الأمريكية على التأكيد بأن الحكومة التركية (بصدد صياغة حل شامل للقضية الكردية) مما يعني بروز بوادر انفتاح على هذه القضية، لكن المؤشرات الإيجابية تقابلها على الجانب الكردي ممارسات زجرية، منها إحالة حزب المجتمع الديمقراطي (tDP)إلى المحكمة الدستورية في محاولة لحله وفق القانون التركي بتهمة التعاون مع حزب العمال الكردستاني .
أما في الداخل السوري، فإن الغلاء وارتفاع الأسعار باتا الشغل الشاغل للناس، فبعد فشل الحكومة في رفع أسعار المازوت، رغم أن الأيام القادمة قد تحمل معها ارتفاعا لسعر هذه المادة الحيوية التي تدخل في صلب الحياة المعيشية للمواطنين, فإن عشرات السلع الأخرى ارتفعت أسعارها دون الإعلان عنها, وجاء ارتفاع البنزين الذي عبر عن إصرار الفريق الاقتصادي في الحكومة على تنفيذ سياسته الخاطئة في توفير بضعة مليارات من الليرات السورية لخزينة الدولة، في حين يعرف فيه الجميع أن الحل العملي والمعالجة الممكنة لعجزها يكمن في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين وملاحقة المتهربين من الضرائب, وتحسين أداء الاقتصاد الوطني الذي يمر بأزمة حادة, يشعر معها كل مواطن بأن السياسة التي تنتجها الحكومة تزيد من معاناته اليومية بسبب قراراتها الارتجالية غير المدروسة التي تلحق أشد الأضرار بأصحاب الدخل المحدود والمتوسط..
وما يزيد من تلك المعاناة هو تصعيد سياسة القمع بحق أصحاب الرأي ونشطاء حقوق الإنسان وممارسته، بشكل أكثر حدة في المناطق الكردية التي يظل التعامل الأمني مع أي تحرك ونشاط يتعلق بالشأن الكردي شوفينياً بكل المقاييس, حيث استسهلت الجهات الأمنية قتل المواطنين الكرد، مرة أخرى، مثلما حصل في قمع التجمع السلمي الذي أقيم في القامشلي بتاريخ 2/11 وراح ضحيته شهيد وجرحى واعتقال أكثر من عشرين مواطناً لا يزالون في السجون… وبعض النظر عن توقيت ودوافع ذلك التجمع وافتقاره للمسؤولية المطلوبة، فإن السلطة أرادت أن توجه بقمعه رسالة إلى الجانب التركي تؤكد على وفائها بالتزامات التعاون معه، وتتخذ منه فرصة لإرهاب كل من لا يدور في فلكها.
وفي الساحة الكردية في سوريا، فإن الجهود المبذولة لإيجاد السبل الكفيلة بتذليل العقبات على طريق مرجعية وطنية كردية، رغم تراجعها لأسباب تتعلق بضعف الإرادة أصلاً، مثلما تتعلق بالإشكاليات الناجمة عن المهاترات التي تلحق أضراراً بالغة بتلك الجهود، فإنها يجب أن تتواصل في ظل أجواء صحية تتعزّز فيها أواصر الثقة المتبادلة، وتنطلق من ممكنات العمل المشترك..وعلى هذا الأساس، فإن تمتين العلاقة بين التحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الديمقراطية الكردية وتنظيمها وتفعيل لجانها، وتحركهما المشترك كفريق عمل واحد في عملية بناء تلك المرجعية، بالشكل الذي تم إقراره مؤخراً في الهيئة العامة للإطارين، دون أن يعني ذلك إقصاء أحد، يتخذ أهمية خاصة،وسوف يساهم في تحقيق التقدم المطلوب على هذا الطريق، كما تزداد أهمية وضرورة وحدة الموقف الوطني الكردي من أجل إنجاز مهمة التغيير الديمقراطي السلمي من خلال إعلان دمشق الذي ترغب قواه المؤتلفة في انضمام بقية الأطراف الكردية إلى صفوفه، للعمل معاً في سبيل توسيع دائرة التعريف والاعتراف بالقضية الكردية، لتتحول، كما نريد لها، إلى قضية وطنية سورية يناضل الجميع لإيجاد حل ديمقراطي لها،ولينخرط الجانب الكردي بذلك في النضال الديمقراطي العام، ويترجم به عملياً مستلزمات الشراكة الوطنية التي تعني تطبيق مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات.
في 29/11/2007
اللجنة السياسية