صحافيون سوريون في مهبّ الألم

إبراهيم اليوسف
 

 الحالة التي أتناولها، هنا ، قضية إنسانية بامتياز، قضية تحكي حكاية ثلّة من الشباب اليافع الذين  استهوتهم عوالم الكتابة ، ووجدوا فيها مخرجاً من آلامهم، وآلام سواهم، من أبناء بلدهم سوريا، فشرعوا يرفعون أقلامهم نحو الأفق ، بحثاً عن فضاءات ما، في حمأة رغبة التعبير عن ذواتهم، وفرح، وآلام مجتمعهم، ووطنهم السوري، ضمن معادلة كان يمكن تفهمها بكلّ بساطة ، في حال توافر الحالة الديمقراطية، وحرية الرأي ، والاعتراف بالآخر، وهم في بلدهم، لولا ما لاقوه من أسوار عالية، باتت في وجه طموحاتهم المشروعة التي لا تحدّ، كي تعصف بهم الأقدار باكراً، وهم في ريعان الحلم، والعطاء، ليجدوا أنفسهم ، فجأة ، أمام عناوين شتى، تتحول تدريجياً إلى مناف مريرة، تضيق بهم، وبأحلامهم……..:
– جهاد صالح الوعل الكردي الجميل، الصّحافي والناشط في مجال حقوق الإنسان، والذي كان محروماً من أبسط حقوقه (حقّ العمل) شأن الملايين من شبابنا، فضاق عليه مسقط رأسه، كما وجد ذلك بغتة، بسبب نشاطاته، و كتاباته، فلم ير بداً سوى اختيار بيروت منفى اضطرارياً، لعلّه يجد يوماً عنواناً دافئاً يحتضنه ………!
– سيروان قجو، الشاب المتّقد طموحاً ،عاشق الصحافة، و إبن مدينة عامودة، البطلة، مدينة سعيد آغا الدقوري ، ومراسل القسم الكردي في فضائية كردستان – مكتب بيروت ، وجد نفسه، كذلك، ضمن قوائم المطلوبين، كما يرى ، لأنه طالب بإطلاق سراح الصحافي البريطاني “آلان جونسون” كي يصبح اسمه بذلك على المراكز الحدودية ، ضمن المطلوبين، و هو ما أوضحه أكثر من مرة، من خلال نداءاته المتصادية في كلّ مكان…….!
– محمد على العبد الله الذي اعتقل مع والده المناضل الوطني المعروف، وحينما خرج من السجن سمحت له الأجهزة المختصة بالسفر إلى لبنان، لأجل إنهاء امتحاناته في كلية الحقوق، ولكنّه قرّر البقاء هناك كلاجئ ، خوفاً من أن يلاقى ما لا يحمد عقباه…..!
– أما عهد الهندي، والذي اعتقل لأنه أحد أعضاء شباب سوريا، لأجل الديمقراطية، مع مجموعة طارق غوراني ، وبعد أن تم إطلاق سراحه ، فلقد هرب إلى مصر، كي يرتمي أخيراً في أحضان بيروت ، حيث المجهول، و الوضع الاقتصادي الأكثر صعوبة…….!
هؤلاء الشباب، وآخرون سواهم، لم أشأ ذكر أسمائهم، لهذا السبب أو ذاك، أحبوا عالم الصحافة ، و ما زالت أقلامهم تنضح حبراً، لأجل الحرية والديمقراطية ، كي تحتضنهم بيروت برائحة ماضي بحرها ، و سطوة رونقها ، وألقها ، كي يسيروا تحت رحمة أخطار اللحظة،هناك ، في ظلّ بلد جميل يركض هو الآخر إلى حلمه ، وهو الأحوج لمن يحميه، كي نسأل ملء أشداقنا : من ترى يحمي هؤلاء الصحافيين، وهل سيؤمنون خبزاً بأقلامهم، وهم الأحوج إليه ، وإلى الدفء ، ما دامت الكتابة صليباً ، لكل كاتب شريف، غير متكسب، في زمان نجد فيه يومياً من يفاجئنا بأنه يعمل في المنبر الإعلامي الفلاني، وهو عديم الموهبة ، والإمكانات،على حساب صاحب الموهبة، بل ثمة من راح من هذا الصنف، أو ذاك، ليعمل في منابر غير نظيفة – بعد أن انتشرت سريعاً-  لايهمه سوى ما سيحصل عليه من أجر، مقابل بيع يراعه، بثمن بخس في بازار المواقف الرخيصة……!
أتذكر هنا، أن الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني تبرع – مشكوراً- ذات مرة ، بمبلغ كبير من المال، ومن حسابه الشخصي ، لصحافي عربي، كان قد أعلن عن بيع كليته، كي يؤمن المأوى واللّقمة لأسرته، وكان لهذه المبادرة الأثر الطيب، في نفوس الشرفاء أجمعين، في  كل مكان، حيث تناقلت وكالات الأنباء الخبر عن هذا العمل الإنساني النبيل، وإن كنت ،هنا، لست مع أن نحيج صحفينا السوري – أبيّ النفس- إلى مكرمة أحد البتة، بل أن نوفّر له مناخات الإبداع والديمقراطية والحياة الكريمة، نطلق حرية الصحافة، ونرفع مطرقة منع السفر عن رؤوس هؤلاء، لأنّه ما أصعب ما نتعرّض له بسبب ذلك، حتّى وإن كان هذا الإجراء، من نوع المراجعة إلى إحدى الجهات، قبل السفر، وبعده ، كما حالتي، بدلاً عن أن يتمّ تكريم كل من يكتب بجرأة، لأنه لسان حال الشارع اليوميّ، ولا يمكن لكتبة التقارير- على اختلاف قاماتهم- أن يكونوا أكثر غيرةً على وطنهم الغالي من هؤلاء…..!.


من هنا، إن ّني لأناشد كافة الشرفاء من المعنيين، وأصحاب المنابر الإعلامية النّزيهة، المعنية بأمر أمثال هؤلاء الكتّاب الشّجعان، وغيرهم ،أينما كانوا ، وأياً كانوا ، تأمين فرص العمل لهم، وأن يتمّ العمل من أجل رفع كلّ إجراء بحقّ كلّ منهم ، وسواهم من أصحاب الرّأي والموقف، واعتبارهم جنوداً حقيقيين، مدافعين عن أهلهم ووطنهم، ماداموا قد ألغوا الممالقة والزّيف من حياتهم اليوميّة ، وانشغلوا لأجل المصلحة العامة الحقيقية، بعكس الّببغاوات ،المالقين ،في كل مكان، ممن يكونون أول من يديرون ظهورهم لأهلهم، وبلدهم، أمام أيّ امتحان حقيقي، بحكم طبيعتهم، وعلى ضوء تجارب الشعوب، على امتداد التاريخ……..!
elyousef@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…