هيثم حسين
نشرت صحيفة الحياة بتاريخ 14/11/07/ مقالاً بعنوان “محرقة كردية وهمية!” لـ”حسام ابراهيم”، أخذ فيه كاتبه على عاتقه كتابة التاريخ كما يحلو له، لافتاً نظر القرّاء إلى أمور اعتبرها رئيسة، منبّهاً إلى “الخطر العنصريّ الكرديّ المستفحل في المنطقة لبناء كيان كرديّ عنصريّ”، مقزّماً حجم الكارثة التي حلّت بالمنطقة إثر مأساة حريق سينما عامودا، في 13/11/1960م، والتي راح ضحيّتها المئات من أبناء عامودا، بين شهيدٍ ومُعانٍ ومنكوبٍ، حيث كان ريعها لدعم الثورة الجزائريّة.
نشرت صحيفة الحياة بتاريخ 14/11/07/ مقالاً بعنوان “محرقة كردية وهمية!” لـ”حسام ابراهيم”، أخذ فيه كاتبه على عاتقه كتابة التاريخ كما يحلو له، لافتاً نظر القرّاء إلى أمور اعتبرها رئيسة، منبّهاً إلى “الخطر العنصريّ الكرديّ المستفحل في المنطقة لبناء كيان كرديّ عنصريّ”، مقزّماً حجم الكارثة التي حلّت بالمنطقة إثر مأساة حريق سينما عامودا، في 13/11/1960م، والتي راح ضحيّتها المئات من أبناء عامودا، بين شهيدٍ ومُعانٍ ومنكوبٍ، حيث كان ريعها لدعم الثورة الجزائريّة.
كما يستشهد الكاتب بكلامٍ لأحدهم، يدّعي فيه أنّه من شهود العيان، ممّن وصلوا بعد الحريق إلى المدينة: “وكنت أنا ضمن طلاب الفتوة الذين وصلوا إلى مكان الحادث وساهموا في عمليات رفع الأنقاض”..
ثمّ ينسب فيه الحريق لأسباب فنّيّة بحتة، مبتغياً بذلك تبديد وإضاعة دماء الشهداء بين عدد مرّات التشغيل، ورداءة نوعيّة الفيلم، وسوء الاستخدام فقط، غاضّاً الطرف عن الأسباب الأخرى التي تقاطعت لتتسبّب في الحريقِ الكارثةِ.
بل ما يدعو إلى الرثاء، أنّه يسقط تفكيره الذي تُربِّي عليه في المدارس الرسميّة العربيّة، تفكير “نظرية المؤامرة”، على الكرد، إذ يتّهم مَن يحيون ذكرى هذه الكارثة بأنّهم يستهدفون زعزعة الأمن القوميّ، وتقسيم الوطن، وكلّ ما يخطر على البال من تُهمٍ هي وليدة توهّم قومويّ لقلبه إلى إيهامٍ، لكنّه يفشل في مثل هذه الحالة، لأنّ الوعي قد انتشر بين الناس، وما عاد الإيهام بالمصداقيّة كلّها بناجع إن لم يكن مرفوقاً بقرائن ودلائل تثبت صحّة الادّعاء..
ثمّ يجتهد في مقاله: “أما اخوتنا اكراد سورية فيبدو انهم يعملون على تضخيم هذه الحادثة لتكون بمثابة مأساة حلبجة في العراق، وبالتالي استعمالها ورقة وحجة لتمزيق سورية وفصل شمالها لضمه الى مشروع كردستان العنصري الذي يستهدف اغتصاب أراضي ثلاث دول استقبلت الأكراد برحابة صدر اثر نزوحهم من بلاد كردستان في فارس على مر القرون الاخيرة”.
كما يقول: “ونلفت انتباه القراء الى انه ربما حتى اليوم لا توجد في سورية صالة عرض سينمائية تتسع لـ «283 طفلاً، كما يقول الأكراد».
طبعاً، نحن لا ندافع عن النظام السوري.
بل نحن ضد التزوير والتشويه الذي يصب في خانة تقسيم سورية”.
إنّ الأمر، بالتأكيد، لا يتعلّق بالانبراء للتصدّي والدفاع عن حِمى العشيرة أو حياض القبيلة، بل أروم في ذلك، كغيري، انجلاء الحقيقة التي يجب أن يكون البحث عنها هو الغاية والمقصد..
والباطل الذي انكشف بطلانه للجميع هو الاتّهام القديم الجديد نفسه، تقسيم الوطن واقتطاع أراضٍ منه وضمّها إلى دولة أخرى، ثمّ حصر التواجد الكرديّ في مناطق نائيّة عن حدود كردستانهم المعروفة للكلّ، ولصق تهمة استهداف اغتصاب أراضي الغير، وكأنّ الكرد قد أتوا من العالم الآخر، أو هم من أبناء الجنّ بحسب رواية مبالغة في الأَسْطرة، أو هم من أصل عربيّ، كما يحلو لبعض المزوّرين أن يتقوّلوا، أو كأنّهم كانوا ممسوخين ارتقوا بفعل اختلاطهم بغيرهم من العرب والفرس والترك، إلى مرحلة الإنسان..
اعتمد الكاتب على نيّته في رسم الصورة التي أرادها، وهنا لا تبدو النيّة حسنة كثيراً، لأنّ واقع المقال عكس ذلك تماماً، فهو إذ يدرج مفردة “محرقة” السيّئة الصيت عربيّاً، يبتغي تأليب الرأي العامّ العربيّ، لأنّها مرتبطة بالصهاينة الذين اقتاتوا على هذه المفردة كثيراً، فلا يعني إحياء مناسبة كهذه المناسبة، من قبل أيٍّ كان، استهدافاً للوطن، ولا نيلاً منه، ولا أظنّ أنّ أحداً يسترخص دماء الشهداء، أو يستهتر بهم، خاصّة أنّ هؤلاء الأطفال الشهداء باتوا ضحيّة وافتداء للثورة الجزائريّة، تآخياً مع الجزائريّين وتكاتفاً معهم في ثورتهم ضدّ المستعمر الفرنسيّ، بل هو تلبيسه ما ليس له، وأنا موقن أنّ أيّ عربيّ شريف يرفض رفضاً قاطعاً ما ساقه الكاتب في مقاله، من تسخيفٍ لدماء الشهداء أو تسطيح للقضيّة التي ما تزال مقيَّدة في المحاكم ضدّ مجهول، أو تبسيطٍ لدعم ثورة ما يزال ملايين العرب يفخرون بأنّهم دعموها بالمال والولد، فلماذا يُنكَر على الشقيق الكرديّ تضحيته في سبيل شقيقه الجزائريّ، ولماذا يقابَل دمه بإجحافٍ وإنكارٍ، بل وتَتْفيه لماضيه، وتشويه له، أيّ “يُشنق القتيل ويُبرَأ خنجر القاتل”..
وما كيْلُ السيّد حسام بمكيال الاستعداء، إلاّ تعدّياً، بداية، على دماء ثوّار الجزائر، ومعهم شهداء سينما عامودا، لأنّهم كانوا ضحايا لدعم تلك الثورة، بغية إبقائها مستمرّة..
كما يقول كاتب المقال أنّ عدد الشهداء مضخَّم، وأنّ الحادثة مجيَّرة، ويجب أن تنسى بعد أن مرّت عليها قرابة خمسين سنة..
هنا نسأل الجميع: كيف تنظرون إلى مَن ينسى شهداءه..؟! هل يرضيكم أن يمحى التاريخ لمجرّد رغبة أحدهم في ذلك..؟! هل ترضون أن يبقى المتسبّبون في المآسي طلقاء ليتسبّبوا في مآسٍ أخرى..؟!
حقيقة، بناء السينما كان يسمَّى تجاوزاً بناءً، لأنّه كان طينيّاً أشبه بإصطبل منه بسينما، لم تكن صالة العرض لتتسع لأكثر من مِائة وخمسين طفلاً، ولكنّ الواقع كان عكس المفتَرَض، إذ أُدِخل عدد هائل من التلاميذ، تجاوز الخمسمِائة والخمسين طفلاً، وكان الحريق في التشغيل الرابع، في الحفلة المسائيّة، التي كانت مخصّصة لتلاميذ المدارس الابتدائيّة الذكور، وحصد الجحيم السينمائيّ المئات من الشهداء معظمهم من الأطفال..
كما أنّ الفيلم المعروض لم يكن عن جميلة بوحيرد، إنّما كان “شبح نصف الليل” بطولة محمود المليجي وزهرة العلا..
لا شكّ أنّ الحديث في الأسباب التي أدّت إلى الحريق سيطول كثيراً، لأنّها باتت معروفة للكثيرين ممّن يريدون الاطّلاع والتقصّي عن الحقيقة، كما أنّها ليست بتلك السطحيّة التي تناولها الكاتب، وقد ناقش الحادثة ووثّقها كتاب:”عامودا تحترق” لمؤلّفه المحامي حسن دريعي، والذي قدّمْتُ له ودقّقتُه، وصدر الجزء الأوّل منه قبل عامين، في 486 صفحة، حيث كان مؤلّفه أحد الناجين من الحريق، وأحد المبتلين بحروق في الجسم ما تزال ندوبها بادية حتّى الآن، وارتأى في كتابه وفق الموادّ القانونيّة، أنّ التكييف القانونيّ للحادثة هو جريمة التسبّب، التي يُحاسَب بناءً عليها المستبّبون بها، وفق نصّ الموادّ /533- -536539 – 550/ من قانون العقوبات السوريّ..
وحدّدهم بشكلٍ هرميّ، ابتداءً بـ: عبد الحميد السرّاج، الذي كان وزير داخليّة دولة الوحدة حينها، والذي أسدل الساترة على الفاجعة بعد تحقيق شكليّ تستّر فيه على مدير ناحية عامودا حينها، مصطفى شعبان وبطانته، ليحمي نفسه بحمايته، و ليبعد عنهم تحمّل مسؤوليّة هذه الجريمة النكراء، ليبعد كلّ جهازه التنفيذيّ عن تحمّل مسؤوليّتهم في هذه الجريمة المرعبة..
ووثّق الرقم الدقيق لعدد الشهداء بالاسم والصورة، حيث بلغ عددهم 187 شهيداً..
عدا عمّن ماتوا جرّاء حروقهم فيما بعد، وعدا عن حالات التشوّه الجسديّة والنفسيّة التي بقيت ملازمة للناجين حتّى الآن..
كما لم تتجاوز دعوات الأحزاب الكرديّة المطالبة بالتحقيق العادل والنزيه في هذه الحادثة، ومحاسبة المتسبّبين، لإراحة الضمائر، وطمأنة ذوي الشهداء، وإنصافاً للتاريخ، لكنّ كلّ تلك الدعوات لم تلقَ أذناً صاغية، ولم يُستجَب لها، بل وحُوسِب ويحاسَب الداعون إلى إجراء مثل هذا التحقيق..
هل سيكون من المنطقيّ أن تقول لأمّ شهيد منكوبة: انسي ابنك؟ ألن يوصف مثل هذا الفعل بالخيانة والجنون؟ ومن ساواك بنفسه ما ظلمك، فلطالما كان الشهداء دعماً لثورة الجزائر، فلماذا لا يحاسبون مثلهم، أم أنّ الشهادة أيضاً محسوبيّة، وفيها الوساطة ومسح الجوخ اللتان هما من صفات الأنظمة العربيّة بامتياز..؟!!
لا يريد الكرد، بعد أن فقدوا أبناءهم، سوى ردّ الاعتبار لشهدائهم، وعدم النظر إلى تضحيتهم بعين الريبة، إذ كيف يصحّ أن تحاكم الشهيد وتبرّئ المجرم.
هذا لَعمري كارثة الكوارث..
إنّ العقليّة المريضة التي تنطلق من إسقاط الهزائم، وتعميم الخيبات، للتبرّؤ منها، من خلل إيجاد أو خلق مَن يجب أن يُحمَّلوا عبء جهلٍ لا براء منه، هي التي تحكم وتتحكّم بالأفعال والأقوال، وهي التي توهم وتتوهّم أنّ عدوّاً متعاظماً يكبر يوماً بيومٍ ويجب القضاء عليه، ألا وهو الكرديّ الذي يجب استئصاله حيث يوجَد – وفق نظرتهم – ، وملاحقته في جباله لدفنه فيها، دون أن يأخذوا عبَراً من التاريخ، ودون أن يعلموا أنّ التاريخ لا يرحم مَن يفقدون الذاكرة، وهو لا يماري نفاقاً، ولا يواري الخطايا..
لذا فيعجب المرء من كلّ إقحام للكرديّ فيما لا صلة له به..
سوى أنّ إيجاد الصلة تلك بدعة عروبويّة متزيّاة بزيّ إسلامويّ مضلّل..
واهمٌ مَن ينعت الشهادة بالوهم، موهوم مَن يسقط علله على غيره، لأنّ الشهداء يبقون مقدّسين، والمدنّسون هم الطغاة والموهومون..
(سوريا- عامودا).
—
الحياة
ثمّ ينسب فيه الحريق لأسباب فنّيّة بحتة، مبتغياً بذلك تبديد وإضاعة دماء الشهداء بين عدد مرّات التشغيل، ورداءة نوعيّة الفيلم، وسوء الاستخدام فقط، غاضّاً الطرف عن الأسباب الأخرى التي تقاطعت لتتسبّب في الحريقِ الكارثةِ.
بل ما يدعو إلى الرثاء، أنّه يسقط تفكيره الذي تُربِّي عليه في المدارس الرسميّة العربيّة، تفكير “نظرية المؤامرة”، على الكرد، إذ يتّهم مَن يحيون ذكرى هذه الكارثة بأنّهم يستهدفون زعزعة الأمن القوميّ، وتقسيم الوطن، وكلّ ما يخطر على البال من تُهمٍ هي وليدة توهّم قومويّ لقلبه إلى إيهامٍ، لكنّه يفشل في مثل هذه الحالة، لأنّ الوعي قد انتشر بين الناس، وما عاد الإيهام بالمصداقيّة كلّها بناجع إن لم يكن مرفوقاً بقرائن ودلائل تثبت صحّة الادّعاء..
ثمّ يجتهد في مقاله: “أما اخوتنا اكراد سورية فيبدو انهم يعملون على تضخيم هذه الحادثة لتكون بمثابة مأساة حلبجة في العراق، وبالتالي استعمالها ورقة وحجة لتمزيق سورية وفصل شمالها لضمه الى مشروع كردستان العنصري الذي يستهدف اغتصاب أراضي ثلاث دول استقبلت الأكراد برحابة صدر اثر نزوحهم من بلاد كردستان في فارس على مر القرون الاخيرة”.
كما يقول: “ونلفت انتباه القراء الى انه ربما حتى اليوم لا توجد في سورية صالة عرض سينمائية تتسع لـ «283 طفلاً، كما يقول الأكراد».
طبعاً، نحن لا ندافع عن النظام السوري.
بل نحن ضد التزوير والتشويه الذي يصب في خانة تقسيم سورية”.
إنّ الأمر، بالتأكيد، لا يتعلّق بالانبراء للتصدّي والدفاع عن حِمى العشيرة أو حياض القبيلة، بل أروم في ذلك، كغيري، انجلاء الحقيقة التي يجب أن يكون البحث عنها هو الغاية والمقصد..
والباطل الذي انكشف بطلانه للجميع هو الاتّهام القديم الجديد نفسه، تقسيم الوطن واقتطاع أراضٍ منه وضمّها إلى دولة أخرى، ثمّ حصر التواجد الكرديّ في مناطق نائيّة عن حدود كردستانهم المعروفة للكلّ، ولصق تهمة استهداف اغتصاب أراضي الغير، وكأنّ الكرد قد أتوا من العالم الآخر، أو هم من أبناء الجنّ بحسب رواية مبالغة في الأَسْطرة، أو هم من أصل عربيّ، كما يحلو لبعض المزوّرين أن يتقوّلوا، أو كأنّهم كانوا ممسوخين ارتقوا بفعل اختلاطهم بغيرهم من العرب والفرس والترك، إلى مرحلة الإنسان..
اعتمد الكاتب على نيّته في رسم الصورة التي أرادها، وهنا لا تبدو النيّة حسنة كثيراً، لأنّ واقع المقال عكس ذلك تماماً، فهو إذ يدرج مفردة “محرقة” السيّئة الصيت عربيّاً، يبتغي تأليب الرأي العامّ العربيّ، لأنّها مرتبطة بالصهاينة الذين اقتاتوا على هذه المفردة كثيراً، فلا يعني إحياء مناسبة كهذه المناسبة، من قبل أيٍّ كان، استهدافاً للوطن، ولا نيلاً منه، ولا أظنّ أنّ أحداً يسترخص دماء الشهداء، أو يستهتر بهم، خاصّة أنّ هؤلاء الأطفال الشهداء باتوا ضحيّة وافتداء للثورة الجزائريّة، تآخياً مع الجزائريّين وتكاتفاً معهم في ثورتهم ضدّ المستعمر الفرنسيّ، بل هو تلبيسه ما ليس له، وأنا موقن أنّ أيّ عربيّ شريف يرفض رفضاً قاطعاً ما ساقه الكاتب في مقاله، من تسخيفٍ لدماء الشهداء أو تسطيح للقضيّة التي ما تزال مقيَّدة في المحاكم ضدّ مجهول، أو تبسيطٍ لدعم ثورة ما يزال ملايين العرب يفخرون بأنّهم دعموها بالمال والولد، فلماذا يُنكَر على الشقيق الكرديّ تضحيته في سبيل شقيقه الجزائريّ، ولماذا يقابَل دمه بإجحافٍ وإنكارٍ، بل وتَتْفيه لماضيه، وتشويه له، أيّ “يُشنق القتيل ويُبرَأ خنجر القاتل”..
وما كيْلُ السيّد حسام بمكيال الاستعداء، إلاّ تعدّياً، بداية، على دماء ثوّار الجزائر، ومعهم شهداء سينما عامودا، لأنّهم كانوا ضحايا لدعم تلك الثورة، بغية إبقائها مستمرّة..
كما يقول كاتب المقال أنّ عدد الشهداء مضخَّم، وأنّ الحادثة مجيَّرة، ويجب أن تنسى بعد أن مرّت عليها قرابة خمسين سنة..
هنا نسأل الجميع: كيف تنظرون إلى مَن ينسى شهداءه..؟! هل يرضيكم أن يمحى التاريخ لمجرّد رغبة أحدهم في ذلك..؟! هل ترضون أن يبقى المتسبّبون في المآسي طلقاء ليتسبّبوا في مآسٍ أخرى..؟!
حقيقة، بناء السينما كان يسمَّى تجاوزاً بناءً، لأنّه كان طينيّاً أشبه بإصطبل منه بسينما، لم تكن صالة العرض لتتسع لأكثر من مِائة وخمسين طفلاً، ولكنّ الواقع كان عكس المفتَرَض، إذ أُدِخل عدد هائل من التلاميذ، تجاوز الخمسمِائة والخمسين طفلاً، وكان الحريق في التشغيل الرابع، في الحفلة المسائيّة، التي كانت مخصّصة لتلاميذ المدارس الابتدائيّة الذكور، وحصد الجحيم السينمائيّ المئات من الشهداء معظمهم من الأطفال..
كما أنّ الفيلم المعروض لم يكن عن جميلة بوحيرد، إنّما كان “شبح نصف الليل” بطولة محمود المليجي وزهرة العلا..
لا شكّ أنّ الحديث في الأسباب التي أدّت إلى الحريق سيطول كثيراً، لأنّها باتت معروفة للكثيرين ممّن يريدون الاطّلاع والتقصّي عن الحقيقة، كما أنّها ليست بتلك السطحيّة التي تناولها الكاتب، وقد ناقش الحادثة ووثّقها كتاب:”عامودا تحترق” لمؤلّفه المحامي حسن دريعي، والذي قدّمْتُ له ودقّقتُه، وصدر الجزء الأوّل منه قبل عامين، في 486 صفحة، حيث كان مؤلّفه أحد الناجين من الحريق، وأحد المبتلين بحروق في الجسم ما تزال ندوبها بادية حتّى الآن، وارتأى في كتابه وفق الموادّ القانونيّة، أنّ التكييف القانونيّ للحادثة هو جريمة التسبّب، التي يُحاسَب بناءً عليها المستبّبون بها، وفق نصّ الموادّ /533- -536539 – 550/ من قانون العقوبات السوريّ..
وحدّدهم بشكلٍ هرميّ، ابتداءً بـ: عبد الحميد السرّاج، الذي كان وزير داخليّة دولة الوحدة حينها، والذي أسدل الساترة على الفاجعة بعد تحقيق شكليّ تستّر فيه على مدير ناحية عامودا حينها، مصطفى شعبان وبطانته، ليحمي نفسه بحمايته، و ليبعد عنهم تحمّل مسؤوليّة هذه الجريمة النكراء، ليبعد كلّ جهازه التنفيذيّ عن تحمّل مسؤوليّتهم في هذه الجريمة المرعبة..
ووثّق الرقم الدقيق لعدد الشهداء بالاسم والصورة، حيث بلغ عددهم 187 شهيداً..
عدا عمّن ماتوا جرّاء حروقهم فيما بعد، وعدا عن حالات التشوّه الجسديّة والنفسيّة التي بقيت ملازمة للناجين حتّى الآن..
كما لم تتجاوز دعوات الأحزاب الكرديّة المطالبة بالتحقيق العادل والنزيه في هذه الحادثة، ومحاسبة المتسبّبين، لإراحة الضمائر، وطمأنة ذوي الشهداء، وإنصافاً للتاريخ، لكنّ كلّ تلك الدعوات لم تلقَ أذناً صاغية، ولم يُستجَب لها، بل وحُوسِب ويحاسَب الداعون إلى إجراء مثل هذا التحقيق..
هل سيكون من المنطقيّ أن تقول لأمّ شهيد منكوبة: انسي ابنك؟ ألن يوصف مثل هذا الفعل بالخيانة والجنون؟ ومن ساواك بنفسه ما ظلمك، فلطالما كان الشهداء دعماً لثورة الجزائر، فلماذا لا يحاسبون مثلهم، أم أنّ الشهادة أيضاً محسوبيّة، وفيها الوساطة ومسح الجوخ اللتان هما من صفات الأنظمة العربيّة بامتياز..؟!!
لا يريد الكرد، بعد أن فقدوا أبناءهم، سوى ردّ الاعتبار لشهدائهم، وعدم النظر إلى تضحيتهم بعين الريبة، إذ كيف يصحّ أن تحاكم الشهيد وتبرّئ المجرم.
هذا لَعمري كارثة الكوارث..
إنّ العقليّة المريضة التي تنطلق من إسقاط الهزائم، وتعميم الخيبات، للتبرّؤ منها، من خلل إيجاد أو خلق مَن يجب أن يُحمَّلوا عبء جهلٍ لا براء منه، هي التي تحكم وتتحكّم بالأفعال والأقوال، وهي التي توهم وتتوهّم أنّ عدوّاً متعاظماً يكبر يوماً بيومٍ ويجب القضاء عليه، ألا وهو الكرديّ الذي يجب استئصاله حيث يوجَد – وفق نظرتهم – ، وملاحقته في جباله لدفنه فيها، دون أن يأخذوا عبَراً من التاريخ، ودون أن يعلموا أنّ التاريخ لا يرحم مَن يفقدون الذاكرة، وهو لا يماري نفاقاً، ولا يواري الخطايا..
لذا فيعجب المرء من كلّ إقحام للكرديّ فيما لا صلة له به..
سوى أنّ إيجاد الصلة تلك بدعة عروبويّة متزيّاة بزيّ إسلامويّ مضلّل..
واهمٌ مَن ينعت الشهادة بالوهم، موهوم مَن يسقط علله على غيره، لأنّ الشهداء يبقون مقدّسين، والمدنّسون هم الطغاة والموهومون..
(سوريا- عامودا).
—
الحياة