حوارٌ مع رئيس لجنة محاميّ الدّفاع مع المعتقلين جميل إبراهيم*
– ماذا عن اللجنة التي تشكّلت؟
– على أيّ أساسٍ تمّ اختيار أعضاء اللجنة؟
– تُرى.. هل كانت أعدادكم كافيةً لتغطية محاكم الشباب المعتقل؟
– ألم يتعاون معكم محامون من خارج اللجنة؟
– هل كان باب التّطوّع للدفاع عن المعتقلين مفتوحاً؟
– هل كان هناك من يتهرّب من العمل معكم ومساعدتكم؟
– ماذا عن المحامين السُّوريّين الذين آزروكم في الدفاع عن المعتقلين؟
– ماذا استطعتم أنْ تقدّموا للمعتقلين؟
– ما المشاهد المؤلمة التي كنتم ترونها أثناء زيارة المعتقلين في سجنهم؟
– ماذا عن زيارات ذويهم؟
– ألم تتعرّضوا للضغوطات من أجهزة النظام؟
– كيف كانت آلية عملكم؟
– كم كان عدد المعتقلين؟
– ما التّحدّيات التي واجهتكم؟
– كيف كانت تتمّ تغطية نفقات السفر؟
– ماذا عن أغرب نماذج وطرق الاعتقال؟
– هل كان بين المعتقلين من اعترف بالتّهم المنسوبة إليه؟
– ماذا عن الاتّهامات الملفّقة؟
– هل كانت هناك منظمّاتٌ دوليّةٌ أو إعلاميّةٌ تتواصل معكم؟
– هل كان الإعلام المحلّيّ أو العربيّ أو العالميّ يرصد عمل اللجنة التّطوّعي؟
– هل كان بإمكانكم الاعتراض على تعذيب المعتقلين في الفروع الأمنيّة والمعتقلات؟
– ماذا عن بطولات الشباب الكرديّ في المعتقلات؟
الإجابات:
– في البداية كان عدد المعتقلين في أحداث آذار 2004 كبيراً، لم يكن هناك رقمٌ محدّدٌ، ولكنّ الكثيرين قدّروه بحوالي 3000 إلى 4000 معتقلٍ، وبعد عدّة أيامٍ أُطلِق سراح الكثيرين، وأحيل البقيّة إلى القضاء، فكان لمعتقلي كلّ مدينةٍ ملفٌ أو دعوى، وإزاء ذلك قامت الحركة الكرديّة (مجموع الأحزاب) بتشكيل لجنةٍ من المحامين للدفاع عن المعتقلين في الدعاوى المقامة ضدّهم، على أنْ يقدّم كلّ حزبٍ محامياً متطوّعاً يعمل من دون أنْ يتقاضى أيّة أتعابٍ، وكنتُ من بين أوائل مَنْ عُرض الأمر عليهم، فوافقت من دون أدنى تردّدٍ، إلا أنّ تسعة أحزابٍ فقط هم من قدّموا أسماء ممثّليهم من المحامين، وتناوب اثنان من المحامين عن زملائهم من نفس الحزب، إضافةً إلى الأستاذ عبدالعزيز أيو، الذي انضم إلينا كونه من مدينة سري كانيه (رأس العين)، وهكذا تشكّلت اللجنة من اثني عشر محامياً، وهم الأساتذة:
1- جميل حسين إبراهيم 2- تركي سلي
3- إبراهيم أحمد 4- عبدالعزيز أيو
5- فتحي فارس 6- محمود عمر
7- حسن مشو 8- فيصل بدر
9- رضوان سيدو 10- عبدالسلام أحمد
11- مصطفى أوسو 12- فارس سيد علو
وفي أول اجتماعٍ للجنة، شرّفني زملائي بانتخابي رئيساً لها ومسؤولاً عن ماليّتها، فقد قدّم لنا مجموع الأحزاب الأموال اللازمة لكافّة نفقات الدّعاوى، ونفقات السفر والإقامة لكلّ الزملاء العاملين في هذه الدّعاوى، وكانت اجتماعات اللجنة كلّها تعقد في مكتبي، حيث كنّا نوزّع العمل فيما بيننا، ونناقش أمور عملنا وما يجب أنْ نقوم به في كلّ دعوى على حدةٍ، وينطبق ذلك على مجمل عملنا ودعاوينا..
لقد كان عدد اللجنة (عشرة محامين دائمين ) قليلاً بالنسبة للعمل، ولاسيّما أنّ العمل كلّه كان في دمشق، فقد بلغ عدد المعتقلين المدّعى عليهم (238)، منهم (184) لدى محاكم دمشق، نزورهم في السجن، ونحضر معهم جلسات الاستجواب فرداً فرداً، ثمّ جلسات المحاكم، ونعدُّ مذكّرات الدفاع عنهم إثر مناقشاتٍ مستفيضةٍ، نرسل من أجل ذلك في كلّ أسبوعٍ مجموعةً منّا لاتقلّ عن أربعةٍ في كلّ مرّةٍ، وكان أنْ انضم إلينا عددٌ آخر من المحامين، عارضين تعاونهم معنا من تلقاء أنفسهم، أذكر منهم الأساتذة: عماد موسى، درويش ميركان، حسن الأومري، حسين يوسف، عبدالمجيد حاج محمد، حسين أحمد، صيري ميرزا، وآخرون لا تحضرني أسماؤهم، فليعذروني، فكنّا نشركهم معنا في العمل بشكلٍ متناوبٍ، ورغم أنّ باب التّطوّع للعمل معنا كان مفتوحاً فقد آثر الكثير من المحامين الكرد الآخرين الصّمت، حتّى إنّ أغلبهم لم يسأل عن الموضوع برمّته، وما آلت وتؤول إليه الأمور..
أذكر أنّ عدداً من المحامين العرب في دمشق وافقوا على إضافة أسمائهم في الوكالات التي كنّا ننظّمها لموكلينا المعتقلين، مثل: خليل معتوق، رزان زيتونة، لكنّهم كانوا يتسبّبون لنا في بعض الإشكالات، حيث كانوا يؤثّرون على بعضٍ منّا في اتخاذ مواقفَ أو تبنّي أفكارٍ لا تخدم مصلحة موكّلينا بالدّرجة الأولى؛ فتنشب بيننا بعض الخلافات التي سرعان ما كنّا نتجاوزها..
قبل استجواب كلّ معتقلٍ بيومٍ، كنّا نقوم بزيارته في السّجن، ونناقش معه ماذا سيقول للمحقّق، ونبيّن له ما قد يضرّه من أقوالٍ ومعلوماتٍ يدلي بها، ونرشده إلى الأقوال المفيدة له منها، كما كنّا نسأل عن احتياجاتهم، ونقدّم لهم ما نقدر عليه منها، وفي إحدى المرّات قدّمنا لهم مساعدةً مادّيّةً، فقد جاء إلى دمشق شابٌّ كرديٌّ من الذين كانوا يعملون في السّعوديّة، وقدّم لنا مبلغاً من المال جمعه عدد من العاملين الكرد هناك؛ لتوزيعه على المعتقلين، فأصاب كلّ معتقلٍ ألف ليرةٍ سوريةٍ، وزّعناه على الجميع، وممّا لا يغيب عن ذاكرتي أنّه عندما أردتُ أنْ أوزّع هذا المبلغ على الموقوفين لدى محكمة أمن الدولة العليا، منعني عناصر الأمن السياسيّ من ذلك، وطلبوا مني تسليم المبلغ لهم؛ ليسلّموه للموقوفين فيما بعد، فرفضتُ وشكوتُهم لرئيس المحكمة، فأجابني على طلبي، ولكنْ بعد أنْ يتفحّصوا الأوراق النّقديّة بحجّة أنّه قد نكون قد كتبنا شيئاً عليها..!! لقد آلمني ذلك كثيراً، وبقيتْ تلك اللحظات في ذاكرتي لا تفارقها، فهكذا كانوا يتعاملون معنا..
إنّ قانون المحاكمات السّوريّ يعطي الحقّ للمحامي الوكيل في مقابلة موكله متى شاء، وبعيداً عن أيّ رقيبٍ، لكنّهم لم يكونوا ملتزمين بأيّة قوانين، وكانوا يتصرّفون معنا بفظاظة، ومع الموقوفين بأشدّ من ذلك، على هواهم أو حسبما يتلقّونه من تعليماتٍ من رؤسائهم، ولذلك كنّا نواجه صعوباتٍ كثيرةً في الحصول على موافقات الزّيارات في السّجن، ما عدا الموقوفين لصالح محكمة أمن الدولة العليا، فقد كانوا موقوفين عند الأمن السياسيّ، وهناك لم يسمحوا لنا بزيارتهم ولو لمرةٍ واحدة، بداعي أنّنا يمكن أنْ نلتقيهم في المحكمة، تحت رقابةٍ لصيقةٍ، مانعين الموقوفين من التّحدّث باللغة الكرديّة، وفي المحكمة الجنائيّة العسكريّة أيضاً، كان يتمّ التّضييق علينا قدر ما يستطيعون، متجاهلين مطالبنا بالالتزام بقانون أصول المحاكمات بداعي أنّ محكمتهم محكمةٌ استثنائيّةٌ..!!.
حدّثني أحد الموقوفين عن كيفيّة اعتقاله قائلاً: إنّهم بعد أنْ قبضوا عليه، بعد الأحداث بعدّة أيامٍ(قبل عيد النّوروز)، وضعوه في غرفة (المرحاض) وجرّدوه من كلّ ثيابه، وكلّ ساعةٍ أو أقلّ كانوا يرشقونه بـ((سطلٍ) من المياه الباردة، بينما كان الجو شديد البرودة، استمرّ ذلك يومين كاملين..!!؛ في التّحقيقات الأمنيّة، وقبل تقديمهم للقضاء، اعترف كلّ الموقوفين بما طُلب منهم الاعتراف به، تحت وطأة التّعذيب العنيف والتّهديدات الأخرى، خاصةً ما يتعلّق منها بالشرف، فقد أفادني عددٌ من الموقوفين بأنّهم، بعد أنْ قاوموا كلّ التعذيب الذي مورس ضدّهم من دون الحصول منهم على الاعتراف المطلوب، هددوهم بجلب أمّهاتهم وأخواتهم، ويفعلوا بهنّ كذا وكذا أمام عيونهم حتى يعترفوا، بعضهم أحضروهنّ أمامهم، يتوسلّنهم للاعتراف، وبعضهم أسمعوهم أصواتهنّ، فما كان منهم سوى الاعتراف؛ إنقاذاً لشرفه من قذاراتهم؛ إلا أنّهم جميعاً، عند قضاة التّحقيق، ولدى المحكمة أيضاً، أنكروا ما اعترفوا به لدى السّلطات الأمنيّة، وكنّا نشرح لهم أهمّيّة ذلك عندما كنّا نزورهم في السجن قبيل التّحقيق وجلسات المحاكمة؛ ففي الفروع الأمنيّة لا يسمحون بتدخّل المحامين أو الحضور مع الموقوف، أو حتّى التّوكّل عنه، طالما بقي موقوفاً عندهم..
في بداية شهر شباط 2005م، طرحتُ على زملائي في اللجنة فكرة توجيه نداءٍ، باسم المحامين، إلى رئيس الجمهوريّة نطلب فيه إصدار عفوٍ عامٍّ عن موقوفينا، لكونهم تعرّضوا للكثير من الظلم والإجحاف والعنف، ولأنّ التّهم الموجّهة لهم والمسندة إليهم، لا أساس قانونيٌّ لها، وأنّهم لم يرتكبوا الأفعال المنسوبة لهم، وأنّ الاستمرار في محاكمتهم والحكم عليهم سيتسبّب في شرخٍ مؤلمٍ على صعيد المواطنة السّوريّة، وفي المساواة بين مواطني البلد الواحد، وبعد مناقشاتٍ مستفيضةٍ وصعبةٍ فيما بيننا، تمّت الموافقة على هذا الاقتراح بالأغلبيّة، وتمت صياغة النداء وعرضه على المحامين للتوقيع عليه، فحصلنا على توقيع ثمانيةٍ وثلاثين محامياً، كلّهم أكرادٌ؛ لامتناع المحامين من الفئات الأخرى(العرب والسريان وغيرهم) عن التوقيع معنا، وتمكّنّا من إيصال هذا النداء إلى يد رئيس الجمهورية بواسطة الدكتور محمود كفتارو الذي لم يتردد في قبول ذلك عندما التقيناه وعرضنا عليه الفكرة، بل ورحّب بها، وكان تسليم مذكّرة ندائنا من قبله أثناء صلاة العيد في الجامع الأمويّ بدمشق، وهكذا، وفي يوم 30/3/2005م، صدر العفو بإغلاق كافّة ملفّات الدّعاوى، سمعنا بذلك بعد يومٍ شاقٍّ وطويلٍ من المحاكمات والمناقشات القانونية المتوتّرة من جانب رئيس المحكمة تجاه طروحاتنا القانونية في ذلك اليوم، حيث حضرنا عدّة دعاوى، وقد حضر تلك الجلسات في ذلك اليوم عددٌ كبيرٌ من الصّحافيّين الأجانب وأعضاءٍ من السلك الدّبلوماسيّ من سفارات الدول الغربية بدمشق، كنّا قد وجّهنا لهم دعواتٍ للحضور معنا، وهذه كانت المرّة الأولى التي يحضر فيها هذا العدد من الصّحافيّين والسلك الدّبلوماسي، فربّما حضر بعض الصّحافيّين بشكلٍ متخفٍّ جلساتٍ أخرى سابقاً، لكنّ ذلك لم يكنْ ملحوظاً..
ورغم صدور العفو المذكور، فإنّ عملنا لم يتوقّف، بل استمرّ لسنتين أخريين؛ بسبب إشكالات متعمّدةٍ خلقتها بعض المحاكم، أثناء تطبيق العفو المذكور بحججٍ وأعذارٍ واهيةٍ وغير قانونيّةٍ، بهدف الالتفاف على العفو وتطبيقه بشكلٍ قانونيٍّ سليمٍ…