ما أكثر الصحافة…!! ما أقل الصحفيين!!

 

عمر كوجري

 

   يذهب الكثير من المطلعين على بواطن علم الصحافة أن هذا العلم من الممكن التمكين منه بالاكتساب والخبرة والممارسة المستمرة، وقد لا تحتاج الصحفية الناجحة، أو الصحفي الناجح إلى التخصص في علم الصحافة كدراسة أكاديمية، مثله مثل الكثير من المهن التي من الممكن طي درب التخصص، واكتساب المهارات الكفيلة للتعمق فيها، وحصد النجاحات بشأنها.
  هذا كلام يقال، وليس بالضرورة أن يكون صائباً، فمهما كان الصحفي حاذقاً فطناً في مهنته قد يحتاج إلى معلومات معمقة في بطون الكتاب الجامعي الذي يدرّس في كليات الإعلام، مع يقين أن هذه المعلومات المكتسبة نظرياً دون نشدان التطبيق العملي لا مستقبل لها..وستظل حبيسة دفتي ذلك الكتاب إن لم يقترن النظري مع العملي بشكل ما.
   قبل الحدث السوري ال مازال مستمراً حتى الراهن الحالي، كانت هناك ضوابط مقبولة تلزم المشتغلين في مجال الإعلام بالتقيد بها وتمثلها بشكل جيد حتى يستمر الإعلامي في عمله، فقبل تأسيس قسم الصحافة التابع لكلية الآداب في منتصف الثمانينيات، والذي تحوّل فيما بعد إلى مسمى كلية الإعلام، واستقل عن الآداب قبل ذلك لم يكن ثمة تخصص أكاديمي في سوريا، وكان هناك عدد قليل ممن درسوا الصحافة في الخارج، وخاصة في لبنان ومصر وبعض الدول الأوروبية.
  لكن مع اندلاع المقتلة السورية دعت الحاجة إلى نشر الأخبار بالسرعة المأمولة، فحدث سباق غير مثالي بين المؤسسات الإعلامية بضروب أشكالها إلى الصورة الحصرية والخبر الحصري، وبسبب قلة أعداد الصحفيين في مناطق النزاع، والمناطق الملتهبة بأوار المعارك بين النظام وفيما بعد المعارضة المسلحة والتي دعمت من جهات عديدة..
 بسبب خطورة نقل الحدث، فقد اعتمدت بعض الفضائيات على بعض الأشخاص العديمي الخبرة في مجال الصحافة، وبعضهم كان أقرب للأمية في تحصيله العلمي، وقد اقتصر دور هؤلاء على التغطيات عبر برنامج الفيديو او اليوتيوب لنشرها وإذاعتها على وسائل الإعلام تلك.
وقد انتشرت بشكل فظيع ومريع ظاهرة (المواطن الصحفي) الذي لا يحتاج حتى إلى معدات خاصة بالعمل الصحفي، بل اكتفت الحاجة إلى جهاز موبايل غير دقيق الصورة في حالات كثيرة .
   وبذلك تهافت على هذه المهنة النبيلة كل من يدري بمخزونها المعرفي، والجاهل بها..وصار من سجل في دورة لثلاثة أيام متالية حائزاً على شهادة يتباهى بها، ويعرّف محيطه وناسه انه غدا ( صحفباً) ويدق أبواب وكالات الأنباء والفضائيات للعمل فيها ك ( صحفي) ..
وانتفت المعايير التقييمية في هذا السياق، وغدا بمقدور أي شخص أن يكون ( مواطناً صحفياً)
وبذلك تم انتهاء معايير كثيرة في عالم الصحفيين والصحافة، وفقد هذه المهنة العظيمة نكهتها ورونقها الذي كان ..
ونافس بعض الأميين، والاستسهال والتبسيط من قبل بعض الإدارات الإعلامية الممولة من السفارات والقنصليات والمنظمات الدولية، نافس هؤلاء الصحفيين الكبار، وأخذ الصحفي الأمي محل ومكان الصحفي الناجح..
وبهذا خسرت الصحافة اسمها وبريق ورونق العاملات والعاملين في هذه المهنة العظيمة..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…