فرحان مرعي
تعرضت الحركة السياسية الكردية في سوريا و منذ تأسيسها من قبل الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم، إلى أعمال العنف والقمع والتضييق على الحريات، لمنع نشاطها السياسي والقومي، ورغم ذلك استطاعت هذه الحركة الحفاظ على وجودها والدفاع عن مشروعها القومي في هذا الجزء من كردستان (كردستان سوريا، كردستان الغربية)، ولكن في الوقت ذاته لم تسلم هذه الحركة من الإنقسام والتشتت لأسباب عديدة، وزادت الأمور سوءً خلال الثورة السورية ٢٠١١ والأزمة التي اعقبتها بسبب التدخل الدولي- فتعرضت الحركة من جديد، إلى مزيدٍ من الإنقسام والتشظي نتيجة السياسات القمعية لسلطات الأمر الواقع التي حكمت المنطقة، والتي دفعت بأبنائها إلى النزوح والخروج من البلاد، من كل الفئات السياسية والثقافية والمدنية إلى درجةٍ شكل هذا الخروج والهجرة والتغيير الديمغرافي الذي رافقه، خطراً جدياً على مصير القضية الكردية، وكان خروج البعض من القيادات الحزبية وكوادر الأحزاب إضافة جديدة لتعميق الأزمات، وإثارة العلل في جسم الحركة السياسية الكردية،
ومع مرور الزمن ونتيجة استفحال الأزمة، واشتداد حدة الصراع الدولي في سوريا، وغياب الحلول السياسية على المدى المنظور، نشأت حالة من عدم الثقة وصراع بين الداخل والخارج، بين الذين خرجوا من البلاد ، ومن بقوا فيها ، ولم يعد هذا الصراع خافياً، وتعمقت فقدان الثقة، وأصبحت ملامحها مكشوفة، وجاهزة مع- الأسف- لإنجاب مزيدٍ من الإنقسام والتشتت بفعل هيمنة النزعات الشخصية، والعوامل السياسية، وانعكاس الأزمة واستمرارها على الوضع السياسي السوري بشكل عام، وعلى الكرد بشكلٍ خاص ، وتمثل هذا الصراع بإتهامات متبادلة غير مباشرة، ومن وراء بعضهم البعض، الداخل صار يتهم الذين تركوا البلاد من- السياسيين- بهروبهم من الواقع، والانزواء إلى الهدوء والراحة، والإرتهان للخارج، وهم بدورهم يتهمون الذين بقوا في الداخل بالخضوع والتسليم بالأمر الواقع، والخوف والجبن .
إذا وضعنا النقاط على الحروف ،وشخصنا الأوضاع بعد مرور اربع عشرة سنة من عمر الثورة ، لوجدنا أن الأزمة السورية قد خرجت من أيدي السوريين، ولم يعودوا يملكون قرارهم السياسي ، بينما بدأ يتحكم بهذا القرار الدول الإقليمية والعالمية المتصارعة على الساحة السورية، وإن أطر المعارضة التي تشكلت خلال الأزمة السورية، لمفاوضة النظام وإيجاد حل سياسي للبلاد، أصبحت أطراً لإدارة الأزمة لا حلها، ولم تعد صالحة للاستعمال المحلي السوري، بل لصالح القوى الإقليمية والدولية التي لم تعد تهمها مصلحة ومعاناة الشعب السوري .
فعلى الصعيد الكردي يمكن القول قياساً لحجم مأساة الواقع :
لا القوى التي خرجت من البلاد- سواء كانت أحزاباً أو أشخاصاً أو قوى مدنية، نسوية، قانونية…) وتواصلت وأقامت علاقات مع الدول المعنية بالأزمة السورية- استطاعت انتزاع قرارات لصالح القضية الكردية ولا تدويلها ، نحن هنا لانتحدث عن نوايا وأماني هذه القوى، وإنما عن مجريات الأحداث والوقائع ، والأمور التي باتت أكثر تعقيداً وتأزيماً ، أما في الجانب الآخر، القوى الحزبية التي بقيت في الداخل، ما استطاعت مواجهة التحديات، ووقف الهجرة ، ووضع حد لهيمنة وتفرد واستبداد سلطة الأمر الواقع .
هنا يجب مناقشة جدلية الداخل والخارج، بالمنطق النسبي، لا بالحدية والأحكام المطلقة ، بمعنى، لا شيطنة الخارج ولا شيطنة الداخل، فالأمور نسبية، ، ولكل منهما مبرراتٌ وحججٌ، تحتمل الصح والخطأ .
حقيقة عندما نناقش هذه الأوضاع والأزمة في أوجها،لا يملك احد حلولاً سحرية، ولا وصفات جاهزة، الواقع يتحدث بصورة أكثر إيلاماً، وإذا كان لا بد من عمل، ومراجعة ذاتية لما حدث، فليس للكرد إلا أن يعودوا إلى أنفسهم، إلى البيت الكردي الآيل إلى السقوط، ، والمناقشة بهدوء مع كل فئات هذا الشعب الجريح والمنهك من الأزمة، ولردم الهوة بين الداخل والخارج، والتخفيف من حدة الصراع الذي نشأ، والاعتراف بأن هناك واقع استجد، فقد هاجر نسبة كبيرة من السكان، نسبةٌ لايُستهان بها، لظروف نعرفها جميعاً، وتشكلت إثر ذلك جالية كردية كبيرة في المهجر، ومن المنطق والمفترض تكامل العلاقة بين الداخل والخارج، في خدمة القضية الكردية، لا محاولة أي طرف الإستيلاء على القرار الكردي، أو إختطافه إلى الخارج، مع إعطاء الأهمية والأولوية للداخل، الذي هو الأصل والجذر، وتشكيل لوبيات كردية، سياسية ومالية وثقافية تعمل على كافة المجالات، قادرة على الاختراق، والتفاعل في الاوساط السياسية لدول المهجر، وتوصيل كلمة القضية الكردية إلى المراكز ذات الثقل لهذه الدول ، والعمل على تعزيز المشروع القومي الكردي، وترك الحالات والهياكل الحزبية الضيقة التي تزيد الأمور سوءً وتزيد الشرخ، والعمل ككتلة كردية يجمعها مصير مشترك ومصلحة كردية مشتركة، التي هي فوق المصالح الحزبية والشخصية .