الوضع ليس جيداً البتة …!

 

اكرم حسين 

 

يشهد العالم تطورات متسارعة لا تترك للمرء مجالاً للتمحيص والتأمل ، رغم الفوضى العارمة التي تسود تحت السماء ، فالأنظمة السياسية والاجتماعية القائمة لم تسقط أو تتفكك بعد ، رغم الاحتجاجات الشعبية وتحركات المعارضة في كثير من البلدان والدول للاستيلاء على السلطة السياسية فيها ….!
ومع ذلك ، السماء باتت منقسمة حتى داخل البلد الواحد ، هذا ما نشهده في الانقسامات الأخيرة في امريكا وبريطانيا وفرنسا والعراق وغيرها من الدول ، وهنا لا بد من العودة إلى المبدأ اللينيني “التحليل الملموس للواقع  العياني ” لأنه الاكثر صحة وفائدة من أي وقت مضى ، وفي هذه الحالة تتعدد الاجابات تجاه العمل وسبل النضال ، حيث  هناك لحظات تكون فيها حاجة ماسة إلى الواقعية والاعتدال ، بينما تحتاج لحظات أخرى إلى المواجهة الجذرية سبيلاً لحل المشاكل ، و قد يكون الصمت الرصين احيانا ابلغ من الاف الكلمات …؟
ما حصل في سوريا وفي غيرها من الدول بسبب  طابع أنظمتها السياسية  الأمني والعسكري  هو جزء من لعبة جيو سياسية اعتادته الأنظمة الغربية لتحقيق مصالح دولها وشعوبها ، وعندما تدعم أو تساعد جهة ما ، فليس لسواد عيونها لأن الدول ليست جمعيات خيرية تمنح الدعم لمن تشاء دون مقابل ، وهذا ما لم تعيه شعوبنا حتى الآن …!
وفي هذا السياق فإن ما جرى في شمال شرق سوريا والمنطقة الكردية ضمناً ،  قد صرف انتباهنا عن حقيقة ما يجري فيها عبر التعتيم على المشاريع الحقيقية التي يجري تنفيذها تجاه الكرد في سوريا ، تلك التي تهدف إلى تصفية القضية الكردية عبر الاحتلالات والانتهاكات والجرائم التي تحصل في المنطقة الكردية ، فقد تم تبديل سلطة بأخرى ، واسكتت كل الأصوات المعارضة من خلالها ، وقد جرى كل ذلك بتواطئ صامت مع بعض الدول الإقليمية والدولية التي وجدت لها مصلحة في هذا الاستبداد ، وخلق الذرائع المناسبة للتدخل واحتلال اراضي من سوريا …..!
ان مجمل هذه السياسات قد خلقت لدى سكان المنطقة استياءً عاماً بات يتربص وينتظر شرارة كي ينفجر …!
مهمة القوى والأحزاب والحركات والأطر هو في كيفية تنظيم الاستياءات المتنامية بجميع صورها واشكالها ، بما في ذلك الاحتجاجات البيئية والنسوية في حركة متسقة على نطاق واسع ، للخروج من الظروف الاستثنائية وتجاوز حالة القلق وعدم الاستقرار .
أثبتت الأحداث التي جرت في سوريا ومازالت أنه رغم كل التلاعبات الأيديولوجية فإن الشمولية والاستبداد لا يمكن لهما أن ينجحا فيها بعد الان ،  لأنها بلغت حدودها القصوى من القمع والتدمير ، في ظل انعدام ثقة قسم كبير من الشعب السوري بمؤسسات سلطات الأمر الواقع التي كانت تجربتها اسوأ من الناحية الاقتصادية و الأمنية والشمولية .
ينتظر السوريين عمل شاق وحقيقي كي ينجزوا نظاماً ديمقراطياً  جديداً ،  لن يصلح فيه حتى  سنوات ١٩٥٤-١٩٥٨ ليكون نموذجاً ،  رغم أن هذا الدرب محفوف بالمخاطر ، وبسيرورة شاقة وطويلة نحو تأسيس  نظام طبيعي دون تجربة البعث مع أهداف تحررية عبر طابعها المجرد في الكرامة والمساواة و العدالة الاجتماعية والاقتصادية .
وفي خضم كل ذلك لم يستطع الكرد في سوريا أن يحسموا خيارهم ويصبحوا قوة رئيسية  ذات برنامج واضح ، لكن هناك بارقة أمل في الوصول إلى ذلك ،  لوجود بعض السمات المحددة بوجود أحزاب وقوى وحركات بغض النظر عن حجمها أو قوتها أو فعاليتها إضافة إلى وجود رؤية كردية مشتركة بخصوص حل القضية الكردية في سوريا ، وفي هذا، لا يوجد غلو أو تطرف  على عكس الاتهامات التي توجه إلى الكرد بالانفصال أو محاولة اقتطاع جزء من سوريا والحاقها بدولة أجنبية ….!
هناك توافق كردي على أن القضية الكردية في سوريا هي قضية وطنية بامتياز، ويجب حلها عبر الاعتراف الدستوري   بالشعب الكردي وحقوقه القومية والديمقراطية .
علينا أن نبتعد عن الاستغراق في الأوهام والتلاعبات الأيديولوجية والسياسية بوصفها كفاحا في سبيل الدالات الحاكمة التي تنظم عبرها الفضاء السياسي والايديولوجي ، من هنا فان على  السياسة الكردية السورية أن تجد الحلقة الأساسية والتمسك بها ، تلك التي تعطيه اكبر الضمانات بحيازة السلسلة كلها وفق المنطق اللينيني ….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…