هل للكورد إله

 

د. محمود عباس

 

ولأن الإنسان طموح منذ الخليقة، ولم يكن راضيا بما يملكه من القدرات الجسدية والذهنية، بحث في الارتقاء بذاته نحو الكمال.
 ولقناعته بأن الكمال المطلق مستحيل لذاته، فكان لا بد من خلق صورة لشخصه في أبعاد معرفته بالكون، وأحاطها بهالة من القدسية، تعمق وتوسع فيها، وأضاف عليها من الأوصاف والسمات مع مراحل تطور مداركه، فكانت (الألهة) بكل مسمياتهم بين الشعوب، ومن ثم (الإله والله) في الأديان السماوية، وجميعها أوصاف ومسميات للذات الإنسانية الخارقة.
 وبجدلية المقارنة بينه وألهته، نجد أن ألهته هي ذاته الكاملة والتي لا حدود لمطلقه.
 عند بعض الشعوب التجسيد طاغ، أي أنه هو الإنسان ذاته في صورة الكمال المطلق. ولدى شعوب أخرى الرب مجموعة من الطاقات، تتجاوز المادة والتجسيد.
 وللطبيعة والقدرات الذهنية دور في هذا التمييز، مثلما للمراحل التاريخية والوعي والتراكم المعرفي تأثير على تنوعه أي تنوع الألهة.
 فالإنسان في الواقع دون معرفة: وجود الإله أو الألهة من عدمه، وطبيعة مسيرة الكون، ومصير مخلوقاته، ليس فقط مخلوقات الأرض، بل كلية الكون، والإنسان الذي لا يزال دون مستوى الإحاطة بأبعادها، بل وحتى بأبسط جزء من محتوياته، فما بالك بخلفيات وجود هذا الكون.
 إنها جدلية أبدية الحوار، تكاد تكون عقيمة، فلنعد إلى الأرض دون الكون، ولنهبط في كوردستان، ونستقر في غربه، سنجد أننا لا زلنا دون سوية معرفة كيفية تكوين ليس الكون، بل الدولة. ليس إلهنا، بل حراكنا السياسي الكوردي. ليس الاتفاق على تسيير المنطقة، بل الحوار على الخلافات.
 رغم أننا نطمح لنكون حركة على سوية تحرير كوردستان، وليس لمعرفة وجود أو عدم وجود الله. نطمح في تطوير ذاتنا لبلوغ مرحلة خلق إله مجسد على الأرض يحمينا، أي دولة على مقاس جغرافية كوردستان، ورغم جماليات هذا الطموح ذهنيا، لكن في الواقع العملي لم نتمكن من تطوير قدراتنا السياسية لنبلغ مستوى ثقل كوردستان كقضية، فسقط معظمنا في جدلية البديل وهي التكالب على الدول الجاهزة التي تحتضننا وتحتلنا، نغطيه بغطاء الوطنية والعيش المشترك، وعلى هذه أيضا نتخاصم، من يجب أن نتبع.
 قرن وأكثر من الزمن ولا زلنا دون معرفة الله والكون ومتطلبات كوردستان، فنستمر في عبادة آلهة الأخرين، وتحت حماية دولهم وحكوماتهم، نخدم مصالحهم، نتفاوض ونتخاصم متى ما يرغبون، يفرضون علينا عدم الاتفاق على سمات العقد الإلهي والتي هي الدروب المؤدية إلى كوردستان؛ الدولة الحاضنة والحامية لشعوبها.
 من المؤلم القول إننا لا زلنا دون الارتقاء الذهني إلى سويتها مثلما لم يرتقي الإنسان لمعرفة الله، أو أبعاد الكون، رغم البون الهائل بين الجدليتين.
فما لنا سوى أن نعود إلى البدء، ونطمح بولادة حركة تنويرية، يرقى بالإنسان الكوردي إلى مستوى ليس معرفة الله، والكون، بل كيفية الارتقاء بالشعب وحراكه إلى حيث القدرة على تحرير كوردستان كدولة ديمقراطية عصرية.
الولايات المتحدة الأمريكية
4/7/2024م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي في مشهد الصراع السوري، تُستدعى رموز التاريخ الإسلامي بشكل متكرر من قبل الفصائل المختلفة، كلٌّ بحسب توجهه وهويته. ومن بين تلك الرموز، يبرز اسم الدولة الأموية / بني أمية / الأمويين بقوة في خطاب بعض الجماعات والفصائل ذات الطابع السنّي، خصوصاً تلك التي ترى نفسها امتداداً لـ”أمجاد الماضي”. لكن استحضار بني أمية اليوم، في سياق شبه حرب أهلية…

د. محمود عباس   بعد مجريات الأحداث المتسارعة في سوريا، وتحوّل ما يُسمّى بالحكومة الانتقالية إلى واجهة مفرغة من الوطنية، خاضعة بالكامل لهيمنة هيئة تحرير الشام، ومُلتحقة بالإملاءات التركية، لم يعد أمام الحراك الكوردي خيار سوى الإعلان، وبشكل صريح وحاسم، أن المنطقة الكوردية ستدار بشكل مستقل عن المركز، إلى أن تتضح ملامح سلطة سورية بديلة، مدنية، لا مركزية، تؤمن بالنظام…

ابوبکر کاروانی. من خلال عقد مؤتمر للوحدة والموقف الكردي الموحّد في روج آفا، دخلت القضية الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان مرحلة جديدة ومهمة. وتتمثل في توحيد القوى الكوردستانية في روج آفا على أساس تمثيل الذات كناطق باسم شعب كوردستان في هذا الجزء من كردستان، ولحلّ قضية عادلة لم تُحل بعد. هذه الخطوة هي ثمرة جهود للقادة، وضغوط ومساندة الأصدقاء،…

نظام مير محمدي* لطالما كان الملف النووي الإيراني أحد التحديات الأساسية على الساحة الدولية. فمنذ الأيام الأولى لنشاط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران، سعى النظام الحاكم جاهداً، عبر خلق العقبات وتقديم معلومات منقوصة، إلى إخفاء الطبيعة الحقيقية لبرنامجه النووي. هذا النهج المخادع، الذي أكدت عليه مراراً وتكراراً السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مطالبةً برقابة…