أهمية تجمع المقاومة الإيرانية هذا العام!

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* 
بعد الإطاحة بديكتاتورية الشاه عام 1979، كان السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه في إيران هو: “ما هو التهديد الرئيسي للمجتمع الإيراني من الآن فصاعدا؟”. وضع هذا السؤال المجتمع على مفترق طرق. تمكنت أكبر قوة سياسية في المجتمع من أن تجمع مختلف شرائح المجتمع والأحزاب السياسية حولها، وأعلنت أنها اختارت “الرجعية” دون الليبرالية. وبقيت هذه القوة. أما القوى الأخرى، التي اختارت “الليبرالية”، لم تختف أو تتجمد في مكانها فحسب، بل سرعان ما أصبحت فريسة ولقمة سائغة لـ “التهديد الرئيسي”؛ نظراً لأن الثورة لم تحقق انتصارها النهائي، ودخلت الأوضاع في مرحلة أكثر تعقيداً. أتمنى لو لم يكن الأمر كذلك ولم يحدث ما حدث!
وترى هذه القوة، أنه على الرغم من أن «الرجعية» كانت مفهوماً عاماً يشير إلى تبني أي فكر مستمد من الماضي القروسطي، إلا أنها تعني على وجه التحديد “التيار الديني لولاية الفقيه الحاكمة في إيران”، وعلى رأسها “خميني”.  ومنذ تلك الأيام فصاعداً أصبحت “المهادنة مع النظام الدكتاتوري الديني” تجسيدًا ماديًا لـ “الرجعية” بأوسع مفاهيمها، ومن خلال التركيز عليه يمكن سلب قدرة جذور أخرى!
 
التقدم الناجح!
لم تنأى هذه “القوة الحقيقية” بنفسها عن الاصطفاف، على مدى الـ 45 عاماً الماضية؛  ونجحت بفضل وجود قيادة مسؤولة في تحقيق هذا التقدم الناجح، وظلت القوة الرئيسية والمحورية في الحرب ضد الدكتاتورية في إيران، لأنها دفعت وما زالت تدفع الثمن يومياً من أجل المضي قدماً في تقدمها، سواء داخل الوطن أو خارجه أو في هيكلها الوجودي، في أي أرض كانت.
دائماً ما كان المهادنون مع هذه الدكتاتورية، مساعدين لها في إيران،في عملية إنقاذ غير خافيةنسبيًا وفي جوقة تنسيق متنوعة ظاهريًا، ليخرجوا هذه القوة الأصيلة والمحورية في المجتمع الإيراني من الواجهة. وكانت عملية الإنقاذ هذه وما زالت تنطوي على آلاف المؤامرات الصغيرة والكبيرة، والتي كان آخرها إطلاق الدول الأوروبية التي تتغذى على دماء هذه المقاومة ؛ سراح كل من الدبلوماسي الإرهابي المحسوب على نظام الملالي “أسدالله أسدي” والجلاد معذِّب أبناء الوطن “حميد نوري” ويضحون بسهولة بـ “العدالة” و “الديمقراطية” كلما اقتضت مصالحهم ذلك، وأصبحوا أسرى بيد نظام ولاية الفقيه!
 
المبدأ الأساسي!
لذلك، لم تتطلع المقاومة الإيرانية قط إلى تلقي العون من الآخرين، من أجل التحرر من الدكتاتورية، ومضت في طريقها مؤمنة بشعار “لا أحد يحك ظهرنا سوانا” وبضرورة “الاستقلال” ولم تتخلى عن سياسة واستراتيجية “الإطاحة بالعدو الرئيسي للشعب الإيراني” ، أي دكتاتورية ولاية الفقيه. ورغم التصرفات الوقحة للحكومات الأجنبية، إلا أن المقاومة الإيرانية لم تنأى بنفسها قط  عن هذا المبدأ الأساسي وعن العدو الرئيسي، أي نظام ولاية الفقيه.
 
رأس المال الكبير للشعب الإيراني!
إن هذا “الصمود والمثابرة الفريدة من نوعها” هو ما جعل هذه القوة “أكبر ثروة للشعب الإيراني” في التقدم نحو إبادة الديكتاتورية. إن المقاومة الإيرانية هي القوة التي لم تقع أبداً أثناء انتفاضة الشعب الإيراني الكبرى عام 2022 في فخ المؤامرات المتوهجة البراقة للبرجوازية والمهادنين، وجعلت الحفاظ على الانتفاضة وهدفها، وكذلك المبادئ الشعبية؛ مبدأها الأساسي. ومن أجل ذلك شكلت المقاومة الإيرانية “هيئة قيادة جماعية للانتفاضة” و “وحدات المقاومة” على نطاق واسع، ولم تسمح للرجعية والاستعمار بسلب ثمار آلام الشعب ومعاناته ونضالاته المنتصرة!
 
إيران ليست مكاناً للدكتاتورية!
وبناءً عليه، نجد أن المواجهة التاريخية لإيران ممتدة في أعماق التاريخ، ورغم تدخلات “القوى الدمى” و”البدائل الاستعمارية الرجعية” والمتخلفة، لن تترك المقاومة الإيرانية الساحة لصالح أعداء الشعب الإيراني. إن التجربة الدموية والعميقة في إيران تؤكد لنا أن الدكتاتورية في إيران لم ولن تكن قابلة للتفاوض معها. لقد قال الشعب الإيراني كلمته تجاه الدكتاتوريةمراراً وتكراراً، وأكد على أن مصيرها هو أن تُدفن في “مكب نفايات التاريخ” إلى الأبد!
 
المؤامرات الكبرى!
سمع العالم من قادة المقاومة الإيرانية في اليوم التالي لانتصار انتفاضة الشعب الإيراني ضد دكتاتورية الشاه أن هذه “القوة” لم ولن يمكن تدميرها؛ نظراً لأنها متجذرة في المجتمع والشعب والتاريخ. قال موسى خياباني عام 1979: “إن المستقبل لهؤلاء الثوار. وسوف تختفي القوات الفانية من الساحة. كونو على يقين من ذلك”. كما قال خليفة خميني آنذاك، السيد حسينعلي منتظري: ” لن يتم القضاء على مجاهدي خلق بالقتل!” كما شهد العالم مرارًا وتكرارًا، في العقود القليلة الماضية؛ أن جميع الأنشطة العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاجتماعية لهذه القوة تركز على النظام الدكتاتوري لولاية الفقيه ولم تنحرف عن ذلك قط. في حين أن هذا النظام الفاشي نفسه، ومهادنيه الغربيين يسعون باستمرار إلى إرسال هذه القوة إلى “مذابح سوداء” وعدم ترك أي أثر لها!
 
مؤشر الحراك الصحيح في إيران!
بالنظر إلى ما سبق ذكره، يمكننا التأكيد على أن إيران ملك  للشعب الإيراني، وأن أي شكل من أشكال التخلى عنها يعني الوقوع في فخ الدكتاتورية الخاضعة والقمعية. وهي الحقيقة التي تضعها المقاومة الإيرانية نصب عينيها حتى اليوم، ولم ولن تدفع الجزية والخراج للرجعية والاستعمار. لذلك ينبغي للمرء أن يقدِّر هذه المقاومة ويثق بها ويقف وراءها ويدعمها!
 
التجمع السنوي للمقاومة الإيرانية
تقود التجمع السنوي للمقاومة الإيرانية قوةٌ انتخبت السيدة مريم رجوي رئيسة للجمهورية، ومن المقرر أن يعقد هذا التجمع هذا العام في 29 يونيو 2024. ويتعين على كل مواطن وتيار إيراني أن يشارك في مظاهرة 29 يونيو هذا العام في برلين، وأن يكون لبنة من بناء “إيران حرة غدا”،  إذا كان يتوق إلى حرية شعبه ووطنه، ويريد ألا يكون هناك أي أثر للدكتاتورية أو الرجعية أو الاستعمار في بلاده. ، لأن كل إيراني مسؤول ومؤثر في بناء مثل هذا الصرح.
ولا ينبغي لنا أن ننسى، ولا ينبغي مسامحة المجرمين، فالرجعية والاستعمار  كانوا وما زالوا يسعيان دائماً لتلويث القيم الإنسانية والنضالية للشعب الإيراني، لكي يجعلا الدكتاتورية دائمة بشتى الطرق على هذه الأرض الخالدة، وينتهكا مبادئ الإنسانية. نعم، كل إنسان له مكانة ودور في هذه “المعركة”!
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…