صلاح بدرالدين
في تاريخ مسيرة الحركة الكردية السورية بالعقود الستة الأخيرة وكأية حركة سياسية بالبلاد والمنطقة، حصلت تجارب، واحداث، وتطورات، منها عامة تواكب عادة العمل السياسي، والصراع بين التعبيرات الشعبية المعارضة وبين النظم الحاكمة، والبعض منها تتعلق – بالخصوصية الكردية – التي سنتناول جوانبها الأهم في هذه القضية المطروحة للنقاش عسى ولعل تشكل درسا لاجيالنا القادمة .
تعريف
مايرمي اليه عنوان – البوست – هو أوجه الشبه والمقارنة بين ماقبل اندلاع الثورة السورية، وفي ظل المنظومة الأمنية لحكم حزب البعث الشمولي الشوفيني في عهد الجنرالين الأسد – الاب والابن – على كامل الأراضي السورية من جهة، وبين المنظومة العسكرية – الأمنية لحكم الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي الشمولي على بعض المناطق الكردية، والمختلطة، والعربية، عبر سلطة الامر الواقع في عهد ( الجنرال ) مظلوم عبدي .
الكرد والقضية الكردية مسألة أمنية
منذ استقلال سوريا، وتجاهل الدستور الأول للكرد وجودا وحقوقا، وماتلاه من تعديلات دستورية، كانت الحكومات المتعاقبة تتعامل مع الكرد السوريين بمزيد من التجاهل والاستصغار، وترسل قوى الامن مع ضباط موتورين، واداريين عنصريين، لمناطقهم مع مطلق الصلاحيات لفرض الاتاوات عليهم، واذلالهم، وحرمانهم من الأرض، ووسائل التعليم،وافقارهم بالرغم من وفرة الموارد بمناطقهم من نفط وغاز، واشجار مثمرة، وحبوب، ومياه، واراض خصبة، وكانوا يستخدمون بعض ( الوجهاء الكرد والمخاتير ) ادلاء، ومخبرين حول نشطاء الحركة الكردية،اما في الجانب السياسي فلم تنظر اليهم العهود المتعاقبة من حكم البورجوازية السورية كشعب، له حركاته السياسية،وحقوقه، ومطالبه المشروعة القومية منها، والاجتماعية، والثقافية.
ومنذ منتصف خمسينات القرن الماضي، وبعد انتهاء مرحلة الديموقراطية النسبية، وظهور، ونمو الحركة السياسية الكردية، بدات السلطات الحاكمة خاصة في عهد حكم البعث بتعزيز قواها الأمنية لصيانة أنظمتها السياسية، وقمع المعارضة الوطنية، وانشاء اقسام خاصة بالكرد السوريين والقضية الكردية بالمنطقة على انقاض ( المكتب الثاني ) السئ الصيت، وإقرار ان الموضوع الكردي هو مسألة امنية يتم التعامل معه عبر الأجهزة الأمنية، وخبراء، ومختصون ملمون بتفاصيل الحالة الكردية، وفي العقود الأخيرة توزع الملف على اقسام بكل الأجهزة ( المخابرات العسكرية – شعبة الامن السياسي – إدارة المخابرات العامة وفرعها الخارجي – إدارة الامن الداخلي – المخابرات الجوية) .
بدأت هذه الأجهزة المدعومة إداريا، وماليا من قمة السلطة، مهامها بالتغلغل وزرع العملاء داخل صفوف الأحزاب الكردية، وقمع المناضلين من التيارات الفكرية والسياسية الكردية المعادية للنظام، والمتضامنة مع الحركة الديموقراطية السورية المعارضة، وملاحقة، واعتقال، وشق الأحزاب التي تراه خطرا على النظام، وفي هذه الحقبة تم اعتماد السلطات بشكل كبير على تنظيمات، ومجموعات حزبية كردية موالية .
تجربة – الاتحاد الشعبي – ( سابقا )
معلوم لدى الجميع تجربة ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) في هذا المجال وماتعرض له من ضغوط، ومحاولات التكتل والشق، فمنذ بداية التسعينات تعرض هذا الحزب الى الانشقاق المدروس باشراف وهندسة الضابط الأمني المعروف رئيس المخابرات العسكرية بالقامشلي، والمسؤول عن الملف الكردي – محمد منصورة – والمكلف خصيصا لاداء تلك المهمة من القصر الجمهوري، وقد يستغرب البعض ان ذلك الانشقاق تم التحضير له مدة عامين، وروعي فيه مسالة الحفاظ على سمعة المنشقين ( ويحصل ذلك للمرة الأولى في تاريخ الأجهزة الأمنية بخصوص القضية الكردية السورية ) بمنح الضوء الأخضر لهم لطرح شعارات براقة، والمشاركة بالاحتجاجات خصوصا بالعاصمة دمشق، وظهورهم بمظهر ( ابطال يقارعون النظام !)، أي بمعنى أوضح ( معارضة شكلية بالتراضي ) على شكل احتجاج لفظي وتركيز على القشور من دون الاقتراب من شعارات اسقاط النظام والسلطة، والتغيير الجذري، طبعا يجب ان نذكر هنا امرا بغاية الأهمية وهو انه كان يحصل أحيانا تضارب بين الأجهزة الأمنية الخمسة المتنافسة المنتشرة، ويتم اعتقال شخص ما من دون علم بان جهازا آخر له صلة بالموضوع، وقد حصل ذلك في حالات كثيرة، ولدينا امثلة في العديد من الحالات .
وقد حصل الامر ذاته داخل الحركة السياسية في سوريا، فكلنا نعلم ان ( معارضة !) جماعات – هيئة التنسيق – مثلا كانت شكلية، يرسم حدودها، وطبيعتها في مرحلة طويلة مكتب – على المملوك – لان النظام المستبد كان ومازال بحاجة الى ( معارضات ) لأغراض دعائية امام الراي العام، ولاشك ان – قسد – يسير بالاتجاه ذاته .
وقد كانت تجربة اعتقال رفيقنا القيادي – ربحان رمضان أبو جنكو – مماثلة شكلا، ومختلفة من حيث الجوهر، حيث رفع تقريره الى القيادة وهو منشور وموثق واكد فيه انه عرض عليه الامن صفقة بان يخرج من السجن ويعلن عن حزب على يسار – الاتحاد الشعبي – ويهاجم رئيسه، ويتلقى الدعم المادي والحماية، او ينام مايقارب ثلاثة أعوام بالسجن، ولكنه اختار درب الكرامة، والتضحية من اجل مبادئه وقضى مدة حكمه مرفوع الراس .
وفي ظل سلطة الامر الواقع تحصل تماما كما كان يحصل في ظل نظام الاستبداد، فترى من يقوم برفع ورقة باهتة في زقاق جانبي، مكتوب عليها مثلا التمني على الإدارة الذاتية بتوفير المازوت، او عدم اجراء الانتخابات، من دون طلب التغيير، وإعادة بناء الحركة الكوردية، ثم يتم التصوير والنشر بالفيسبوك، والهدف من ذلك هو اثبات ان القائمين بذلك التمثيل مناضلون لايهابون السلطة ؟! اما النتيجة فهي نشر انطباع ان سلطة الامر الواقع ديموقراطية، وتسمح للمعارضة بالعمل ؟!، وكنت قد نشرت في بوست سابق عن عدم جدوى مناقشة مايصدر عن أحزاب طرفي الاستقطاب خصوصا أحزاب سلطة الامر الواقع، التي يمكنها اعلان أي شيئ، وإلغاء كل شيئ في الوقت ذاته لعدم استقلاليتها، وعدم خضوعها للمساءلة من الشعب، ولانها بالأساس لاتتمتع بالشرعية الشعبية التمثيلية، ومن مصلحتها توجيه الأنظار الى مسائل جانبية ثانوية بدلا من القضية الرئيسية وهي إعادة بناء الحركة الكردية السورية من جديد .
والقضية قد تحتاج الى نقاش