ضرورة التطلع للمستقبل والديمومة في تاريخ إيران!

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* 
ظهرت في مئات السنين القليلة الماضية؛ تيارات سياسية مختلفة في تاريخ إيران. ولكن توارى معظمها عن المشهد السياسي؛ نظراً لأنهم لم يجددوا أنفسهم في “ميزان التطلع للمستقبل”. فالأمر الجوهري والأساسي في هذا الأمر هو وجود “مبادئ” و”مبادئ أساسية”. بمعنى آخر، إذا لم يُحسم الصراع بشكل عميق بين القوتين المتنافستين في إيران، إحداهما في السلطة والأخرى بين الناس، فإن الدكتاتورية ستبقى في هذا البلد. ولم تكن مثل هذه القوات في تاريخ إيران “قليلة” فحسب، بل كانت “كثيرة” أيضًا! ولكنها سرعان ما اختفت لهذا السبب، وما استمر هو معاناة وتعذيب شعب إيران وأبنائه!
تعقيد الصراع!
إن صراع القوة المناهضة للدكتاتورية مع الدكتاتور هو صراع معقد، وضرورة ديمومته ومستقبله مرهونة بمعالجة قضايا الحركة النضالية. وهذا القانون ليس خاصا بالجبهة الشعبية فحسب، بل يشمل القوة الحاكمة التي تتمتع بالمزيد من الإمكانيات والقدرة على المناورة مقارنة بقوة المعارضة. يجد الشعب دوره الحاسم بين “القوة الدافعة” و “القوة الجاذبة” لهاتين القوتين، خاصة وأنهما هما الموضوع الأساسي للميدان السياسي والاجتماعي. وتلعب سياسة القوتين المتنافستين ونهجهما دوراً حاسماً في صد أو استقطاب هذه القوة الحاسمة.
إيران هي النموذج الأفضل!
وقد أحصينا في مقالات سابقة بعض تقنيات وتكتيكات النظام الحاكم في إيران، وعددهم أكثر بكثير مما أشرنا إليه. إن ما يطغى على الوضع بقوة هو العداوة واستحالة المصالحة بين هاتين القوتين المتنافستين اللتين يُعيد “الشعب” اكتشاف مصيره فيهما. إن الطريق الذي ينطوي على الاتجاه نحو التسوية والاستسلام والسلام مع الدكتاتورية هو طريق عبثي ولم ولن يؤتي ثماره.  يجب أن يكون لدى المرء مبادئ وأن يدفع ثمن هذه العداوة، وألا يخشى  الدعايات الكاذبة التي يبثها حلفاء الدكتاتورية. إن أي تراجع عن التصدي للدكتاتورية يعني الفشل. هنا تصبح “التضحية والإخلاص” مفتاح مستقبل وديمومة التيار السياسي الشعبي، وتتحدد المصائر!
دعونا ننظر إلى المشهد في إيران اليوم، ونتساءل: ما هي القوة المهيمنة فعلياً على الساحة ؟! هل يصح أن نتأثر بالرقابة على مدى قرن من الزمان، ونصبح ممثلين في مشاهد تُخرجها الرجعية والاستعمار؟ هل يصح أن نختار شعارات ترضي ذوقهم، ونترك لهم الميدان يصولون ويجولون فيه؟  هل يصح أن ننأى بأنفسنا عن التضحية والإخلاص؟ الجواب بطبيعة الحال هو “لا وألف لا”. إن الرجعية والاستعمار لن يسمحا لـ “قوة تغيير المجتمع” و”اقتلاع الديكتاتورية” بالمضي قدمًا، ويقومان بعرقلة ذلك بشتى الطرق، بعضها جذاب ومبهر وخادع، بهدف تضليل القوى الأصيلة في المجتمع! وتدل الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني عام 2022 على هذه الحقيقة. ضحى الشعب الإيراني بـ 750 شهيداً في طريق الحرية. بيد أن الدكتاتورية استطاعت أن تمنع الانتفاضة من المضي قدماً نحو إسقاط الدكتاتور أو تضليلها، بالمشاريع الرجعية والاستعمارية والشعارات التي سبق ذكرها.
 
لو كان الأمر سهلاً وبسيطاً!
تتمتع الديكتاتورية ومؤيدوها الاستعماريون بإمكانيات كبيرة كافية للبقاء. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما كان هناك ضرورة لإسقاط نظام ديكتاتوري سهل وبسيط، ودفع الثمن، ووجود قوة أصيلة ومحورية ترفع شعار “التضحية والإخلاص”. وإذا كان سقوط الدكتاتورية في إيران استغرق وقتاً طويلاً، فيجب علينا البحث عن السبب في مثل هذا النطاق!
بعد تشكيل منظمة ثورية ومحورية، تلعب الكوادر دوراً حاسماً. وهذه تجربة تاريخية في الثورات العالمية. لأنه عندما يحكم نظام دكتاتوري في بلد معين،  سوف تتهيأ الظروف الموضوعية أخيرًا ذات يوم، وسيتدفق الناس إلى الشوارع، مثل ما شهدناه ونشاهده في إيران الآن. إن المهارة الرئيسية للقوة المحورية هي اغتنام الفرصة واختصار الوقت. فإذا كان هناك عائق في هذا الطريق؛ يجب الشك فيه. فالناس هم “القاعدة” و”العامل الحاسم” ومصدر التغييرات في المجتمع. فبدون الناس والظروف الموضوعية، لم ولن يكن من الممكن تصور حدوث أي تغيير وتقدم.
 
الظروف النفسية في القتال!
لتحقيق النصر على الديكتاتورية، تتكامل الشروط الذهنية والموضوعية. أي أنه بدون عنصر القيادة والتنظيم المركزي، لن تتمكن “الشروط الموضوعية” من إحداث تغيير عميق (أي الثورة).  إن الظروف الموضوعة متوفرة في إيران اليوم، حيث أن القوة الثورية والمحورية موجودة،  ويكمن النقص والثغرة في مثل هذا النوع من التفكير في مواجهة الدكتاتورية. يمكن ملاحظة أن الرجعية والاستعمار يسعيان إلى الإبقاء على الدكتاتورية في إيران. فهناك أشخاص وتيارات مزيفة يعتبرون أنفسهم معارضين لهذا النظام الفاشي، إلا أنهم ما زالوا يؤمنون بالطرق السلمية مع الدكتاتورية، و يحملون في أنفسهم ثغرة تمنعهم من اتخاذ خطوات حاسمة ضد الديكتاتورية في بلادهم لإحداث “ثورة”. أي أنهم لم يقطعوا طريق بقاء الدكتاتورية في وطنهم ليعتبروه خطهم الأحمر!
إن الحركات الإقليمية هي مؤشر على مثل هذه النظرية الضارة، حيث تضع “إطارها الفكري” في مقدمة اهتماماتها قبل أي شيء آخر. إن مثل هذه الحركات، التي نأت بنفسها عن الشعب تحت ستار “اللاعنف”؛ تلعب في الواقع على أرض الديكتاتورية، وسوف يفشلون فشلاً ذريعاً؛ لأنهم متأخرون عن الشعب والحركة الشعبية الأصيلة، ويتجاهلون “المواءمة مع المرحلة النهائية من النضال ضد الديكتاتورية”. إن الصعود إلى قمة “الانتصار على الدكتاتورية” يجعل مثل هذا “الاختيار” ضرورياً. إن البديل الديمقراطي الشعبي موجود وهو دائم وموثوق!
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…