خالد بهلوي
كانوا أطفالاً حين بدأت الأحداث، كبروا، وتربوا في أجواء غير صحية على مدى سنوات؛ لازالت تأثيراتها وتفاعلاتها محفورة في عقول وأذهان وتصرفات الجيل الجديد جيل الأحداث، فلم تحفل ذاكرتهم سوى بالهجرة والفقر والجوع والحرمان من حنان الأسرة وشتى أنواع المعاناة اليومية وخاصة صعوبة تامين معيشة تحفظ لهم كرامتهم .
” يقول أحدهم لم أرَ سوى آثار الدمار: دُمّر بيتنا، الذي كنا نسكن فيه، وأجبرنا على الغربة والعيش في محافظات أخرى، وحين نزحت وعائلتي، عشنا ظروفاً صعبة، من المعاناة والحرمان والسكن غير المريح وفقدان ذكريات الطفولة والأصدقاء المخلصين ،
لاقى طلبة المدارس وعاشوا وشاهدوا بأم أعينهم فروقات بين طلاب أثرياء جداً؛ وآخرين يعيشون تحت خط الفقر، الكثير تركوا التعليم، وتفرغوا لإعالة أسرهم، تركوا الدراسة، وتوجّهوا نحو العمل والتسول أحياناً، ليساعدوا اخواتهم في تأمين لقمة العيش .
في ظل تردّي الواقع الاقتصادي، وغياب معظم مستلزمات الحياة، وُلِد عند الجيل الجديد شعور دائم بالضياع وانسداد الأفق، وهو ما جمد تفكيرهم وأضعف ثقتهم بنفسهم؛ فجعلهم عاجزين عن القيام بأي دور اجتماعي أو إنساني فاعل؛ كل تفكيرهم وطموحاتهم وأحلامهم بفرصة عمل والبحث عن أي طريقة لمغادرة البلاد؛ لقناعتهم بأنهم فقدوا مستقبلهم ومتجهين بخطوات نحو الضياع؛ بلد أصبح للأغنياء وتجار الحروب وتجار الازمات والكثير من القيادات الفاسدة.
يتميز جيل الشباب وخاصة من كبر مع الأحداث الشعور بعدم الراحة في حياته اليومية والخوف على مستقبله وعدم قدرته على التعامل بشكل سليم وصحيح في تحديد مسار حياته اليومية؛ فضلا عن تغيرات سريعة في مزاجه مقارنة مع الأجيال السابقة.
ويحس الطفل بالضياع وفقدان القدرة على المقاومة والتخطيط لحياة جديده ومستقبل واعد مشرق كان يحلم بها ويرى الدنيا مظلمة؛ لا امل يلوح في الأفق قريبا.
الحقيقة المؤلمة أن أجيال تعيش مرحلة جديدة فرضتها الأحداث منذ اندلاع ما سمي بالربيع العربي، تتعلق بهيمنة أنظمة شمولية حكموا بلدانهم على مدى عقود من الزمن بعقلية انفرادية؛ أدى تدريجياً إلى سيطرة مجموعة في جميع مفاصل الدولة همُّها زيادة أرصدتها في كنوز أوروبا لتأمين مستقبل أولادهم بدلاً من تامين مستقبل شعوبهم لأجيال قادمه؛ كل ذلك على حساب صحة وسلامة الشعوب الفقيرة التي لم تعد تفكر غير بقوت يومها ومستقبل اطفالها. للأسف الحكام غير مدركين لهذا الخطر، لأن همّهم هو البقاء في السلطة والحفاظ على حاشيتهم التي تسندهم، وتدعمهم ليعيشوا حياة بذخ وترف على حساب قوت الشعب المغلوب على أمره والذي لا يفكر إلا بقوت يومه ومستقبل أطفاله..
نحن أمام جيل ليس لديه القدرة على تحمل مسؤولية أسرة؟ جيل لا يحمل همّ وطنٍ لأن الوطن سرق منه، وبات بلا مأوى وبلا وطن سرقه قيادات فاسده وأمراء الحروب وتجار الأزمات. وأصبح مغترباً في بلدان العالم يبحث عن وطن يحفظ له كرامته وإنسانيته.
ليس جيل الشباب فحسب، بل مع كل من عاش هذه الأزمة وذلك بسبب صعوبات الظروف المعيشية والضغط النفسي اليومي؛ لكن الكبار في السن نسبياً يمكنهم أن يتعايشوا لحد ما مع هذه الظروف حيث يمكن القول إن الجميع يعيش معاناة شبيهة ببعض تقريباً.
جيل تشكلت لديه قناعات من خلال الاخبار واغلبها مزيفه ناطقه باسم مجموعات وفصائل وقادة مزيفين يحكمون بفضل دعم قوى خارجية: واخبار من وسائل التواصل الاجتماعي التي تحمل الكثير من التفاهات وتبادل الاتهامات. كل ذلك شتت أفكار وقناعات هذه الجيل حتى أصبح لا يمتلك الحقيقة وفقد البوصلة والثقة بالآخرين”.
الأخطر عند هذا الجيل أنهم يعيشون زمن الانترنيت أخطرها هي إدمان الأطفال على ألعاب الفيديو هذه الألعاب تصبح وسيلة تواصل بين الأطفال بدلاً من التواصل بين الناس في عالم الواقع، فضلاً عن انخفاض مستواهم بتعليم ثقافة استهلاكيه رخيصة.
جعلت كثير من الجهلة يظهرون لنا بمظهر المبدع والمنتج والأديب والصحفي والسياسي دون أن يكون لهم نشاط علمي او أدبي أو ثقافي على مدى السنوات السابقة وخاصه في مجال العلم والثقافة والمعرفة مثل الأجيال السابقة.
اذا ادركنا أن هذا الجيل هو الذي سيحدد مستقبل الوطن، فأن المسؤولية التاريخية تقع على عاتق من لدية القوة والقدرة في إدارة الأمور الحياتية والمعيشية؛ العمل بكل اهتمام وجدية ومعالجة ظاهرة ضياع مستقبل الأجيال الذي عليه يتوقف مستقبل البلاد.
كثير ممن غادروا سوريا، من أبناء الجيل الجديد، وجدوا وطنهم في بلدان لجوئهم في أوروبا وغيرها، اندمجوا بعادات البلد المضيف وبثقافته وتكيفوا مع حياتهم الجديدة، لذا قد ينسون مع الوقت ثقافتهم وذاكرتهم وهويتهم السورية. اذا لم ينسوا حتما احفادهم سينسون.