صبري رسول
نادراً ما أريد الرّد على النّاس في الصّفحات التّواصل الاجتماعي، لكن بعد أن يتحوّل الأمر إلى ظاهرة، ويكون بطله شخصٌ من عامّة النّاس وذو ثقافة سطحية ويبحث عن موقع قدمٍ في الثّقافة والسّياسة أو الصّعود إلى المجد على أكتاف من يخالفه في الرؤية والعقيدة لا بدّ من الرّد، سيما أنّ الكثيرين ممن ردوا على المدعو جمال حمي قاسوا الرّؤى على الميزان نفسه، وهذا خطأ نقديّ لدى عامة النّاس.
النّقد الموضوعي في أي مسألة حقّ للجميع، بشرط الابتعاد عن الألفاظ المسيئة والتعبيرات التي تمسّ عقيدة الآخرين سلباً أم إيجاباً، وهنا الخطأ الأول الذي وقع فيه جمال حمي. ولكي نكون دقيقين في استخدام الصياغات التعبيرية المناسبة، يجب ألا نلجأ إلى المقياس الديني وحده.
هنا أقف عند بعض النقاط، لتوضيح بعض المفاهيم:
– لا يملك المذكور أيّ دليلٍ أو وثيقة على فساد الشّاعر المشهور جكرخوين، وسوء معاملته مع النّاس؛ الهفوة الوحيدة التي يتمسّك بها للنيل من هذا الشّاعر هو عدم تديُّنه، أو لنقل إلحاده. إلحاده مسألة شخصية، وسيكون الحساب بينه وبين خالقه، ولا يحقّ له محاكمته وقدحه بمفردات شتائمية، إلا إذا كان مقياس «داعش» في تقييم عقائد النّاس من أدواته، ويريد الانتقام منه لمخالفته إسلاموية جمال حمي.
– من تابع «قائد جبهة محاربة الكُفار والإلحاد في أوربة» جمال حمي قبل بضع سنوات سيلاحظ ضحالة المستوى الفكري والتعبيري لديه، حيث كانت الأخطاء الكتابية تضجّ في نصوصه القديمة، والآن بدأ بنشر نصوصٍ مشكّلة ومنقّحة حتى في التنوين، وهذا يدلّ بأنّ هناك شكوك حول قدرته على الكتابة، فالمقارنة بين نصوصه السّابقة والحالية تبيّن بأنّه كان يخطئ في الإملاء والقواعد، والآن بدأ يستخدم تقنية الإملاء الدقيقة «بعد رفض تنوين الألف وتنوين الحرف الذي قبله» وهذه الدّقة لا يمتلكها إلا أهل الاختصاص، ما يرسّخ اليقين بأنّ هناك جهة ما تدعمه في الكتابة. لا أريد أن أنزل إلى مستواه للمطالبة بمناظرة فكرية وسياسية، لأنّ الجانب المعرفي لديه ضحلٌ جداً، تبيّن ذلك قبل سنوات في نصوصه السّطحية، رغم أنّ المناظرة ستكشف مستواه الحقيقي في الكتابة وفي الفكر أيضاً. من حقّه أن يعالج أيّ نصّ أو موقف، أو فكرة، بشكلّ نقديّ بعيداً عن الشتائم وبعيداً عن الإساءة الشّخصية، لأنّ المسبّات والشّتائم وتوصيف الآخر بصفات بذيئة قد يقود صاحبها إلى مهالكة هو بغنى عنها، وقد يدفع ثمن مواقفه في الإساءات التعبيرية للأشخاص بالمثول أمام المحاكم الأوربية. قد لا يُدرك أنّ مفردة واحدة مسيئة إلى شخصية الإنسان قد تجرّه إلى المحكمة ودفع غرامات باهظة. من حقّه أن يتناول شعر جكرخوين، أو يتناول أفكاراً ومواضيع معينة، ويضعها تحت مشرحته النّقدية، كما من حقّه أن يتناول مواقف جكرخوين السياسية والوطنية والاجتماعية، بشكل موضوعي وأكاديمي، لكن الإساءة إليه أو إلى الآخرين بألفاظ قادحة غير مقبولة.
– من حقّه أن يتناول الأفكار الواردة في شعره ومن ثمّ الرّد عليه، لكنّه أكّد في نصّه على أنّه ليس بصدد نقد شعره وأدبه، وسيترك ذلك لأهل الاختصاص؛ إذا إنتاجه الشّعري خارج عدساته النّقدية، ماذا تريدُ من الشّاعر؟ وبأيّ حقّ تصفه بصفاتٍ مخجلة، وهذا أمرّ في غاية السّوء مثل: «هل هناك رجل أوقح من هذا؟ وهل حقًا هكذا شخصية معتلة نفسيًا ومريضة تستحق أن نتخذها رمزًا وطنيًا لنا؟» إذا خالفك جكرخوين في اعتقاده الدّيني، فهل يعني أنّ غير وطنيّ؟ وهل عدم إيمانه بدينك أو بأي دينٍ كان نقيصة وطنية له؟ ومتى كان الانتماء الدّيني مقياساً لوطنية المواطن في أيّ بقعة من بقاع الأرض؟ وهذا المقياس لا يقبله غالبية الشعب الكُردي.
– وردت العبارة التالية في متن نصّه عن جكرخوين، «بأنه وعلى الصعيد الإنساني كان رجلًا تافهًا وسيء الخلق والأدب مع الناس». فالصّفتان «التّفاهة وسوء الخلق» لا يليق بجكرخوين لمجرّد أنه لا يصلي أو يدعو النّاس إلى عدم اتباع الشيوخ. لأنّه كان يدرك حقيقة درجة الاستغلال الدّيني من قبل الكثيرين للوصول إلى مآربهم اتّكاء على مطية جهل عامة النّاس بأمور الدّين. تماماً كما يستغل جمال حمي عواطف النّاس للتّحريض على جكرخوين وصعود سلّم الشهرة بتناوله أحد الرّموز الأدبية والوطنية.
ويضيف ردّاً على من يجده رمزاً أدبياً بقوله: «أما نحن فنراه رمزًا من رموز الفساد في المجتمع الكوردي وعليه من الله ما يستحق».
في فقرة من نصّه يطرح نفسه مصلحاً تنويرياً، بل داعياً متشددّاً، ويتحدّث بضمير الجمع وكأن الكُرد ينتظرون دوره البياني البياضي: «أما دورنا فهو تبيان حكم الله في أمثال هؤلاء للناس ، وكان لابد لنا من تبيان حقيقة هذه الشخصية المريضة ، لأن الكثير من الناس مخدوعون به». لا أعرف من نصّب جمال حمي على جيش المسلمين ليقود حملة ضد الملحدين؟ وهل معركة الكُرد القومية ضد الملحدين؟ أم ضد الأنظمة التي تستغلّ الدين لقمع الكُرد كما تفعله أنظمة تركيا وإيران؟ وعند شعوره بالضغط يحتمي بعباءة الشخصيات الوطنية الكبيرة كالبارزاني والبيشمركة. ما يطرحه جمال حمي لم يطرحه الإخوان المسلمون ولا داعش. وهل لديه نيه لتأسيس تنظيم ديني متطرف لقطع الأرجل ومحاكمة عظام الموتى في القبور، وسبي النّساء؟
يلاحظ القارئ أنّ غالبية التعليقات على بوسته عن جكرخوين هجومية على جكرخوين وعلى الشّعراء عامة مستشهدين بالآيات الثّلاثة من سورة الشعراء: «وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)«
بما أنّ ثقافة جمال حمي ثقافة عربية وإسلامية، بدلالة أنّه يكتب بها، لماذا لم يعالج موقف خمريات أبي نواس؟ ومذهبه المجوني المعروف في تاريخ الشّعر؟ لماذا لم يقف عند موقف أبي علاء المعرّي من الدّين؟ حيث كان يخوض غمار الفلسفة شعرياً، حتى لُقِب بشاعر الفلاسفة وفييلسوف الشّعراء.
أبو العلاء المعرّي
أفيقوا أفيقوا يا غواةَ فإنما دياناتكم مكرٌ مِن القدماء
أرادوا بها جمعَ الحطامِ فأدركوا وبادوا وماتت سُنة اللؤماء
لماذا لم يُحارب خليفة المؤمنين هارون الرّشيد وجواريه الكثيرة وانغماسه في الملذات؟ لماذا لم يكتب عن شارب الخمر «مرشّح الخلافة في استنبول»؟ التّاريخ الإسلامي مليء بالفساد والقتل، كان أولى به معالجة ذلك التّاريخ.
لم نجد فتاوي المجاميع العلمية والمؤسسات الدينية تكفّر شعراءها، وتبين للناس حكم الله في أمثال هؤلاء الشّعراء. لماذا لا يخوض جمال حمي معركة دينية ضد الشّعراء القدماء منهم والمحدثين. أعتقد أنّ مواقفه هذه تسيء إلى الثّقافة الكردية ومن ثمّ تصبّ لصالح داعش، وتحرّض المتشددين على الكُرد، وتنعش مشاعر المتدينين المتطرفين، وتخلق فتنةً وشرخاً في المجتمع الكُردي.