أصداء التمرد مدوية

سعید عابد
وفي أعقاب انتفاضات 2017 و2020 و2022، سعى خامنئي إلى حشد قوى نظامه من أجل الانتخابات البرلمانية، التي غذتها التوترات الإقليمية. لكن ما تلا ذلك كان بمثابة مقاطعة تاريخية، تردد صدى الهزيمة المدوية وصوت ثورة الشعب الذي لا يتزعزع. لقد كانت دعوة واضحة للتمرد، وأنذرت بحساب لا مفر منه للنظام.
وقد أتت محاولة خامنئي لترسيخ وحدة النظام من خلال هذه الانتخابات بنتائج عكسية مذهلة، إذ كانت إيذاناً بدخول مجموعة من الفصائل المتباينة التي لم تزين بعد قاعات البرلمان. ونعلن لخامنئي وحلفائه: دعهم يتشاجرون ويأكلوا بعضهم البعض. لقد تجاوز الشعب الإيراني الحاجة إلى القيادة المزيفة. والبديل الذي لا يمكن إنكاره هو جمهورية ديمقراطية مبنية على الاقتراع الحر، والحكم العلماني، والمساواة بين الجنسين، وحقوق المجتمعات المهمشة.
لقد سلطت أحداث العام الماضي الضوء على أن حملة القمع الوحشية التي قام بها النظام – والتي تميزت باعتقال وإصابة الآلاف – فشلت في إخماد الرغبة المشتعلة في التغيير. وفي الواقع، تشير كل الدلائل إلى تفاقم الأوضاع وجاهزيتها للاضطرابات.
فمن الانتفاضات الشعبية في سميرم إلى الاحتجاجات المستمرة في مختلف القطاعات – عمال الصلب في الأهواز، والمزارعون في أصفهان، والمتقاعدون، والطلاب، ومتخصصو الرعاية الصحية، والعمال – ظل السكان ثابتين في معارضتهم.
وفي خضم الفوضى، اشتد الصراع بين المنشقين والحرس الثوري. وقد سعت الجهات الفاعلة الخارجية إلى التلاعب بالانتفاضة، لكن طليعة الحرية وجهت الحركة بثبات نحو أهدافها الثورية. لقد أصبح من الواضح أن الخطاب الفارغ وتكتيكات الانقسام لا يمكن أن تردع عزيمة الشعب.
وعلى النقيض من الفوضى داخل دائرة خامنئي، تقف جبهة المقاومة ثابتة وموحدة في تصميمها على الإطاحة بالنظام وافتتاح حقبة جديدة من الازدهار. وعلى المستوى الدولي، هناك جوقة متزايدة من الدعم في المجالس التشريعية الغربية للاعتراف بنضال الشعب الإيراني ضد النظام.
وفي الوقت نفسه، فإن يأس النظام واضح في جهوده لشيطنة وقمع مجاهدي خلق – العمود الفقري للانتفاضة – من خلال المحاكمات وحملات التشهير وأعمال الإرهاب. ومع ذلك، فإن صمود المقاومة، رغم الاضطهاد المستمر، لا يزال يفضح استبداد النظام.
في البداية، كان تورط النظام في الصراعات الإقليمية بمثابة واجهة للارتياح. ومع ذلك، فإن التداعيات الاستراتيجية أصبحت واضحة بشكل متزايد. إن عدوان النظام لا يؤدي إلا إلى زيادة عزلته على الساحة العالمية.
وبينما يسعى النظام إلى الحصول على مصادقة خارجية، فإن ذكرى انتفاضة عام 2022 هي بمثابة تذكير صارخ بهشاشته. وحتى في خضم عمليات الضخ المالي والمناورات الجيوسياسية، فإن اعتماد النظام على القمع والعدوان وسياسة حافة الهاوية النووية لا يزال قائما.
والواقع أن النتيجة الوحيدة القابلة للتطبيق بالنسبة لنظام غارق في الفساد والوحشية هي سقوطه. ومن يعتقد غير ذلك فهو ببساطة يخدع نفسه.
إن صحوة الشعب الإيراني، التي غذتها عقود من القمع والمعاناة، أشعلت شعلة لا يمكن إطفاؤها. إنها شعلة تتوهج في قلوب كل متظاهر، وكل معارض، وكل داعية للتغيير. إنها الشعلة التي تجسد الروح الثابتة للأمة التواقة إلى الحرية والعدالة.
وفي مواجهة الشدائد، يتألق صمود الشعب الإيراني. إنهم يرفضون أن يتم ترهيبهم أو إسكاتهم بالعنف. وبدلاً من ذلك، فإنهم يقفون متحدين في تصميمهم على استعادة حقوقهم وتشكيل مستقبلهم.
قد يكون الطريق أمامنا محفوفاً بالتحديات، لكن الشعب الإيراني أثبت مراراً وتكراراً قدرته على الصمود والمثابرة. ولن يهدأ لهم بال حتى تسمع أصواتهم، وتعالج شكاواهم، وتحقق تطلعاتهم.
وكما يشهد العالم، تتردد أصداء الانتفاضة في جميع أنحاء إيران – وهي سيمفونية من التحدي والشجاعة والأمل. إنه صوت لا يمكن تجاهله، شهادة على قوة الروح الإنسانية في وجه الاستبداد والظلم.
في النهاية، ليس السؤال ما إذا كان النظام سينهار، بل متى. إن مد التاريخ لا يمكن إيقافه، والشعب الإيراني هو عوامل التغيير فيه. إن نضالهم ليس من أجل أنفسهم فقط، بل من أجل كل الذين يتوقون إلى الحرية والكرامة. وفي سعيهم للتحرر، سوف ينتصرون.
*سعيد عابد عضو لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية؛ ناشط في مجال حقوق الإنسان، وخبير في شؤون إيران والشرق الأوسط*

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…