الوطنية كُردياً

عبدالله كَدّو
منذ بدايات انقسام الحزب الكردي السوري الأول، في عام 1965، وقعت شخصيات كردية سورية حزبية ومستقلة ومجموعات حزبية كردية في حالة غزل مع النظام في الخفاء، أي بدون علم من قيادات أحزابهم، هذا ماعدا حالات وقوع حزب بالكامل في أحضان النظام سراً أو علانية، انطلاقاً من مصالحهم الخاصة المتناقضة مع المصلحة القومية الكردية خاصةً، والوطنية السورية عامة، حيث كان الرأي العام الكردي السوري، ولا يزال، يعتبر أي تعامل، خارج عملية  تفاوض جماعي للحركة الكردية،  متوافق عليه، مع نظام الحكم الذي يضطهد الكرد بممارسات تمييزية عنصرية بغيضة، يندرج في إطار الممارسات اللاوطنية، علما أن النظام كان يرفض الجلوس حول طاولة التفاوض مع الحركة الكردية التي تمثل القسم الأكبر من الشارع الكردي.
ومن الجدير بالذكر أن النظام  وضع قوائم تقييمية، سلسل فيها الأحزاب الكردية، حسب قربها أو بعدها منه ، حيث سمى البعض منها صديقة.
في خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، تسربت تلك القوائم إلى القراء أكثر من مرة، كانت إحداها جواب المخابرات على سؤال موجّه من فرع جامعة حلب لحزب “البعث العربي الاشتراكي” إضافة إلى أرشيف أجهزة مخابرات النظام الذي انكشف لدى مداهمة المتظاهرين مقرات “المخابرات” في المناطق الكردية، بعد انطلاق الثورة السورية، مدينة سري كانييه/رأس العين في محافظة الحسكة مثالاً، وانكشف، أي الأرشيف،  كذلك في مقابلات بعض عناصر المخابرات المنشقين عن النظام بعد انطلاقة الثورة، هذا إضافة إلى تعميمات داخلية لأحزاب كردية تقضي بطرد أعضائها المدانين بالتعامل مع الأجهزة الأمنية التابعة لأنظمة الحكم التي كانت تعادي الشعب الكردي بشكل خاص، والوطنيين من عموم السوريين بشكل عام .
● حتى لا تختلط المفاهيم والمصطلحات، لا بد من التذكير بأن معاني الوطنية الكردية السورية التي صيغت مع بدايات تأسيس الحزب الكردي الأول، الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا عام 1957.
فقد كان مفهوم الوطنية ـ كردياً ـ مرتبطا بالموقف من السلطة الحاكمة، نظرياً، أولاً، ثم ترجمة ذلك، عملياً، ثانياً، حيث أن الاختلافات في الانتماءات الفكرية والسياسية لم تكن ذات أهمية، تُذكر، في الحركة الوطنية الكردية بالمقارنة مع الموقف من السلطة وترجمته بالممارسة.
فالبعض من أعضاء أحزاب كردية أو من أشخاص مستقلين، ممن اكُتشف ارتباطهم بالنظام البعثي، كانت تتم مقاطعتهم سياسياً، في الأوساط الوطنية الكردية عامة وضمن وسط الأحزاب الوطنية الكردية خاصة، كان أولئك المرتبطين بالنظام من الشخصيات والمجموعات والأحزاب، المتوافق على إدانتهم من قبل الأحزاب الوطنية الأصيلة، يُحرمون من المشاركة في المحافل الوطنية التي تتناول الشأن الكردي العام والاجتماعات السياسية لمجموع أحزاب الحركة الوطنية الكردية، أي أن “الوطنية ” كردياً كانت تعني ـ أولاً ـ رفض التعامل مع حزب النظام وأجهزته الأمنية الذين كانوا يعملون باستمرار على إنهاء القضية الكردية بمختلف الطرق، وكذلك كانت تلك الوطنية كانت تعني رفض التعامل مع الكرد المرتبطين بالنظام وملحقاته.
●  نرى ـ راهناً ـ  ان بعضا من الكرد المتعاملين القدامى مع تلك الأجهزة أو استطالاتها،  أو من المتعاملين الجدد، بشكل مباشر أو مواربة، ممن لم يعلنوا انشقاقهم عن تلك الأجهزة، حيث لم يعلنوا عن ارتباطهم بها أصلاً، نراهم اليوم يدّعون تمثيل الكُرد، فيتحدثون باسمهم ويبدون غيرةً على القضية الكردية عند اللزوم، ذلك لتمرير القبول بالنظام خارج الإجماع الكردي، علما أنهم  لم  ينفصلوا عنه أصلا .
وعليه فإن إزاحة الستار عن أولئك المدّعين المُهرولين نحو النظام، بدعوى أن النظام أفضل من المعارضة،  وإعادة وضع الفيتو على مشاركتهم مع الأحزاب والمجموعات الوطنية الكردية المشهود لها، كما كان عليه الأمر سابقاً، هو من صلب مهام الوطنيين الكرد، من المعارضين الحقيقيين عامة وفئة الشباب منهم خاصة، ذلك تجنباً لتكرار ما ذاقه أقرانهم الحزبيين الوطنيين من المتعاملين مع النظام في السنين الفائتة ،  حيث ان الاختلاف مع المعارضة الوطنية السورية،  وحتى رفضها، لا يستدعي الارتماء في أحضان نظام استخدم الكيماوي والبراميل المتفجرة ضد شعبه،  لأن الاختلاف في المواقف السياسة شيء والقبول بأولئك العدميين قوميا ووطنيا شيئ آخر.
وكل من  يهوّن من المواقف والممارسات الاستثنائية التمييزية للنظام، النظام بما ينطوي على مختلف الشخصيات والأحزاب والتيارات والتكتلات الدينية والقومية وغيرها، ومنها تلك الكردية، وغيرها المتعاونة والمتماهية مع النظام ، تلك الممارسات من تعريب وتهجير وطمس اللغة والثقافة الكرديتين، أو يهادنها، لا يجوز، قطعا، السماح بإعادة قبولهم وتدويرهم في الحركة الكردية التي عانى مناضليها من أقبية سجون النظام وغيرها ، ذلك نزولاً عند المبادئ الوطنية، ووفاءً للتضحيات التي قدمها المناضلون الكرد في الحركة الوطنية الكردية على مر السنين في معاركهم الشجاعة ضد النظام وأعوانه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…