حكومات الوقواق

كفاح محمود
اعتاد طير الوقواق أن يهاجر من بلاده إلى بلدان أخرى بعيدة عن موطنه لتضع إناثه بيوضها في أعشاش غيرها من الطيور، ليعتاش فرخها بعد تفقيسه على غذاء طيرين آخرين بعد أن يكون قد قضى على أفراخهم كونه ينمو بسرعة وحجمه أكبر وأكثر قوة، هذا باختصار شديد مواصفات هذا النوع من طفيليات الطيور الذي استخدمته عنواناً لمقالتي في توصيف كثير من حكومات وأنظمة منطقتنا المبتلاة بالحكومات الطفيلية التي تعتاش على استكانة شعوبها وتخلفهم وأميتهم الحضارية وحتى الأبجدية، فهي تنشأ في هكذا بيئات متقهقرة وموبوءة بشتى مخلفات الماضي وصفحات التاريخ الاجتماعي الأسود لمعظم مجتمعاتنا، خاصة ما يتعلق بالفهم المنحرف للعقائد الدينية والمذهبية وتحويلها الى خرافات وأساطير من نسج خيال أشخاص مرضى بشتى أنواع العقد النفسية والاجتماعية.
   زمر ومجموعات تسلطت في غفلة من الزمن وفي بيئات فكرية وثقافية قاحلة لتضع بيوضها السامة وأفكارها المنحرفة في بلدان احتضنت أولى حضارات البشرية، لكي تفقس جيلاً بعد جيل مجموعات مشوهة لا هم لها إلا السلطة والسحت الحرام لتستمر مسيرة التقهقر والاستكانة والعبودية، تارة لدكتاتور أحمق مفترض وتارة لأفكار خرافية من تاريخ مشوه ومفصل على قياساتها وفهمها المسطح وتارة لشيخ القبيلة وأخرى لفارس نرجسي إرهابي ممتلئ بالسحت الحرام والمرتزقة استطاع تحويل ما حوله الى قطعان من العبيد، كما تفعل كثير من الميليشيات وزعمائها اليوم.
   في شرقنا بجهاته الأربع ووسطه الملتهب أبدا تفقست تلك البيوض على شكل حكومات وبرلمانات طفيلية لا همّ لها ولا غمّ إلا امتصاص أرزاق هذه البلدان وثرواتها مستخدمة كل مؤسسات الدولة التي خرجت من تحت عباءتها على مضاعفة تجهيل مجتمعاتها وتفقيرها وزيادة استكانتها العبودية، حتى ان ظهر من يعارضها أو يغير اتجاهات مجتمع قذفته بشتى الاتهامات وفبركت له قصصاً وروايات، حتى اعتقد القطيع أن لا عدو له ولربه إلا هذا الذي يحاول الخروج من عش تلك الطيور الطفيلية التي دمرت أعشاش الشعب ونهبت أرزاقهم وفرص حياتهم في العيش الحر.
   لا غرابة فيما يحصل فقد تكالبت على ارض هذه المنطقة من العالم شتى الأقوام والأجناس وهاجرت إليها قبائل متوحشة من شتى أنحاء الدنيا واستوطنت على أديمها بعد أن اقترفت كبريات المذابح في مدنها وقراها وحولت ما تبقى من سكانها الأصليين الى أقوام مستعمَرة تحكمها بالحديد والنار والارزاق، وبعد ان كانت هذه البلاد منشأ كبريات حضارات البشرية غدت واحدة من أكثر بلدان العالم فشلاً وتخلفاً وفساداً، تحت ظلال تلك الاعشاش التي دُست فيها بيوض طائر الوقواق في مدن الشمس.
   ترى هل تتقبل قوانين الطبيعة استبدال الأصيل بطير الوقواق الدخيل؟
kmkinfo@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…