صلاح بدرالدين
منذ انبثاق منظمات الحركة الكردية السياسية وتحديدا في النصف الأول من القرن العشرين، وبشكل اخص في كل من سوريا والعراق، حمل خطاب الأحزاب الكردية الدعوة الى التلاحم الكردي العربي من اجل المصالح المشتركة بشكل عام، حيث توجه قسم من مطلقي هذه الدعوة ومنهم ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) الى الجمهور العربي، والحركات الوطنية، والديموقراطية وغالبيتها معارضة، مثل : عدد من الأطراف الوطنية السورية المعارضة، القوى والأحزاب الكردستانية المناهضة لانظمتها الشوفينية، منظمة التحرير الفلسطينية، الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد كمال جنبلاط، عدد من الأحزاب الشيوعية بالمنطقة، فصائل يسارية وديموقراطية معارضة في ايران وتركيا، حركات ثورية بحرينية، وعمانية ومن باقي الدول الخليجية، كما ثبت مادة في برنامجه السياسي يحرم العلاقة مع – الأنظمة في الدول الأربعة الغاصبة لكردستان – .
اما معظم الأحزاب الكردستانية والكردية مثل ( الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق، والحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق -، وحزبي ديموقراطي كردستان – ايران، وحزب العمال الكردستاني – تركيا، وحزب اليمين الكردي في سوريا ) فقد توجه خطابهم الى الأنظمة الحاكمة مثل نظامي البعث في سوريا والعراق، ونظام جمال عبد الناصر، ثم نظام القذافي فيما بعد، وقد برز المرحوم جلال الطالباني كمنظر أساسي لذلك التوجه، وورثه في ” الصنعة ” عن جدارة – عبد الله اوجلان – .
وكان الخطاب يحمل في طياته نوعا من الترويج المصلحي، واعتبار أي تقارب لتلك الأنظمة مع الوضع الكردي من شانه تامين تضامن ملايين الكرد معها بالحاضر والمستقبل، وقد كانت الالتفاتة الاولى بهذا المجال من جانب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر حيث استقبل الزعيم الراحل مصطفى بارزاني وصحبه بالقاهرة لدى عودتهم الى العراق بعد ثورة تموز عام ١٩٥٨، وافتتح قسما كرديا في إذاعة القاهرة موجه للكرد، وللتاريخ نقول ان النظام الناصري لم يلحق الضرر بالقضية الكردية لانه لم يكن معنيا بها بشكل مباشر كما كان الحال بسوريا والعراق .
نظام الأسد و” الورقة الكردية “
لم يكن خافيا مدى العلاقة الوثيقة للمرحوم جلال الطالباني مع نظام حافظ الأسد، ومؤسساته الأمنية بشكل خاص، ومع رجل الأسد القوي اللواء علي دوبا رئيس المخابرات العسكرية الواسعة الصلاحيات، والممسكة بالملف الكردي حصرا، الى درجة ان المؤتمر التاسيسي الأول – للاتحاد الوطني الكردستاني – عقد بدمشق العاصمة عام ١٩٧٥ بعلم، ومعرفة، وتشجيع السلطة الحاكمة، حيث تضمنت وثائق المؤتمر دعايات مضخمة، ومبالغ فيها حول ان حزبهم الوليد يمثل ( التقدم والانفتاح على العرب، وان الطرف الاخر – حزب البارزاني – رجعي ومتعاون مع الصهيونية ضد الفلسطينيين والأمة العربية ؟! ) وسبق ذلك اعلان الطالباني ان سوريا الأسد بلده الأول، وانكاره بمناسبات مختلفة لوجود شعب كردي سوري، وقضية قومية وكان ذلك بمثابة بطاقة مرور الى قلوب رجال النظام الشوفيني، حيث قلده السيد اوجلان زعيم – ب ك ك – فيما بعد باعوام عندما نفا أي وجود تاريخي، داعيا الى عودة الكرد السوريين الى موطنهم الأصلي في الشمال، وفي هذا المجال يذكر الضابط الأمني المتقاعد – منذر الموصللي – في كتابه الموسوم – ( عرب واكراد ..رؤية عربية للقضية الكردية – ١٩٩٥ – دمشق ): ( انه التقى بالسيدين جلال الطالباني، ومسعود بارزاني في دمشق كل على حده، ووجه اليهما السؤال التالي : هل هناك جزء من كردستان وشعب كردي في سوريا ؟ ويزعم ان جواب الأول كان : لا لاوجود لكردستان سورية ولامشكلة كردية فقط هناك نتوءات كردية في الحدود الشمالية، اما الثاني على حد زعمه فكان جوابه : هناك كرد في سوريا ولكن ليس هناك جزء من كردستان، ثم يستخلص الموصللي بالقول : فقط صلاح بدرالدين يروج لكردستان الغربية ) .
كان لنظام حافظ الأسد عدة اهداف في سياسته الكردية، اول تلك الأهداف مقايضة أي تعاون مع اية جهة كردية داخلية او خارجية بعدم وجود قضية كردية سورية، وثاني تلك الأهداف العمل مع اية جهة كردية عبر أجهزة الامن، واعتبار الوضع الكردي مسالة امنية وليست سياسية، او قضية حركة تحرر، وثالث تلك الأهداف منع وتحريم اية صلة بين الحركة الكردية السورية والحركة الديموقراطية السورية المعارضة لنظامه، ورابع تلك الأهداف محاولة استخدام الطرف الكردي المعني مطية، وتابع، وفي خدمة النظام السوري في صراعاته الإقليمية، خصوصا في صراع البعث السوري مع البعث العراقي، وفي صراع النظام السوري مع تركيا، وأيضا في صراع النظام العراقي مع النظام الإيراني، وهناك عوامل موضوعية كانت تصب في مجرى النظام في علاقته الكردية أهمها على الاطلاق اختلال موازين القوى لمصلحة الأسد بسبب ضعف الأطراف الكردية، وحاجتها الماسة لتامين الدعم، والسلاح، والإقامة، والممر، وبالتالي استفراد النظام السوري بكل حزب على حدة.
ماذا عن الكرد السوريين ؟
ومن انعكاسات سياسة نظام الأسد – الكردية – على الملف الكردي السوري، تكليف الضابط – محمد منصورة – لتسلم الملف من موقعه كرئيس للمخابرات العسكرية بالقامشلي وبصلاحيات واسعة، وذهابه بعيدا في التوغل بعد نجاحات حققها في مجال اختراق معظم الأحزاب الكردية القائمة، وشقها، وتدوير بعضها، وتوظيف مسؤولين فيها اما كمخبرين، او أعضاء ببرلمان النظام، وكذلك انجاز مهمة تحويل الصراع بين الكرد وحركتهم السياسية مع نظام الاستبداد، الى – تكريد – الصراع، والاستنزاف الداخلي، والانشغال بالبعض الاخر عبر الانشقاقات داخل الأحزاب، وهذا ماحصل فعليا داخل الاتحاد الشعبي ( حيث استهدفه النظام بشكل اخص ) لانه الوحيد الذي رفع راية الحقوق القومية، وحق تقرير المصير، واسقاط الاستبداد، والوقوف الى جانب الثورة الكردية وقائدها البارزاني بكردستان العراق، اما ماذا كان البديل ؟ وهل قدم المنشقون – المنصورييون – جديدا سوى التبعية والخذلان ؟ فالجواب يتوضح اكثر لدى معرفة مصير المتورطين الرئيسيين وأين اصبحوا في الوقت الراهن، اما البقية الباقية من اليمين فقد وصلت الى بداية النهاية، وستدفع ثمن موالاتها المزمنة للنظام، و ( البارتي ب د ك – س ) فمازال مسؤولوه الذين توافدوا الى القرداحة لتعزية ( القائد الفذ !؟) سائرون في النهج ذاته حتى آخر عضو مغرر به من دون ان تسعفهم كل شعاراتهم المزيفة .
نعم ذكرنا مرارا وتكرارا اننا في الاتحاد الشعبي – سابقا – استجبنا لوساطة فلسطينية صديقة للقاء مسؤولين بالنظام السوري بداية الثمانينات ( وبينهم الشخص الثاني بعد حافظ الأسد )، ورفضنا طرحهم : ( لاقضية كردية سورية ولاحقوق قومية – دخول حزبنا في جبهة النظام وفي عضوية القيادة المركزية مع امتيازات ولكن بعد حذف كلمة الكردي من اسم الحزب ) وبعد اللقاء اليتيم والوحيد ذاك باسبوعين، نشرنا خبر اللقاء علانية في تقرير اللجنة المركزية، وفي جريدة الحزب المركزية – اتحاد الشعب – واعتبرنا ان النظام الشوفيني يسعى لضرب الكرد وحركتهم، والتلاعب، والاستغلال، ولن يكون هناك بالمستقبل أي لقاء، وشكل هذا الموقف الواضح عاملا أساسيا في ردود الفعل الأمنية العنيفة تجاه حزبنا .
الى جانب ذلك يجب القبول بكل شجاعة اننا كلنا – وكل حسب موقعه – نتحمل المسؤولية التاريخية قليلا او كثيرا، ولكن تلك النماذج البائسة السالفة الذكر ( من مسؤولي الأحزاب الكردية السورية ) هي التي كانت تتصدر المشهد الكردي السوري وتسير وراء – منصورة – وتقيم له الحفلات كما حصل في – خيمة العار – بالقامشلي عندما توجه الناطق باسم الأحزاب الثلاثة التي توظف ممثلوها ببرلمان النظام الى – أبو جاسم – بالقول : سنرد لك الجميل بالجميل – وكرر العبارة ثلاث مرات، وهي التي تسببت في حدوث التراجعات، والارتدادات، وهي من قدمت ولاء الطاعة لنظام الاستبداد الاسدي، وسهلت عملية الاختراقات، ومازالت عنوان الانحرافات والتراجعات، والان يعاني شعبنا من نتائجها الكارثية .
قد يكون بعض الأحزاب الكردستانية ذهب ضحية منح الثقة لنظام الأسد، واعتباره عدوا لاعدائه، ( وعدو العدو صديق حسب المثل الشائع )، في حين وفي اوج تلك العلاقات وتحديدا منذ بداية التسعينات كانت تعقد لقاءات امنية ثنائية، وثلاثية ( سورية – تركية – إيرانية ) وكان اللقاء الأول بدمشق، ثم بانقرة، وأخيرا بطهران، اما مواضيع البحث فتتمحور حول السبل الكفيلة باجهاض فدرالية إقليم كردستان العراق، ومواجهة الحركة – الانفصالية – الكردية في البلدان الأربعة، وتبادل المعلومات، والتنسيق، وضرب التيارات السياسية الكردية ببعضها، خاصة دفع – ب ك ك – كمخلب للقيام باثارة الفتن، واستخدام العنف، واختلاق المواجهات ضد مخالفيه تحت يافطة الآيديولوجيا، والشعارات البراقة .
وفي احدى المراحل عندما تطورت العلاقات بين الاتحاد السوفييتي السابق والدول الاشتراكية من جهة، ونظامي البعث في سوريا والعراق، وابرمت معاهدات الصداقة، وافتى المنظرون السوفييت جواز التعاون معهما بلا حدود باعتبار النظامين معاديان للامبريالية، وتقدمييان، مع الايعاز للحزبين الشيوعيين السوري، والعراقي بالانخراط في جبهة النظامين ( الوطنية التقدمية )، في تلك المرحلة تنشطت قيادات الحزبين الشيوعيين في الموضوع الكردي باتجاه تحقيق جبهة او تحالف إقليمي يكون النظام السوري مظلته الرسمية غير المعلنة، من الحزبين الشيوعيين، وبعض الأحزاب الكردية، وبالفعل عقد لقاء في – بيروت وليس بدمشق – بايعاز من النظام السوري لاسباب تكتيكية، ضم ممثلين عن الحزبين، وعن كل من ( الاتحاد الوطني الكردستاني – الحزب الديموقراطي الكردستاني – حزبي ديموقراطي كوردستان ايران – حزب اليمين الكردي السوري )، مع مشاركة – ب ك ك – تحت اسم اخر، وحينها كنت ببيروت والتقى بي ممثل ( حزبي ديموقراطي كوردستاني ايران ) الذي حضر اللقاء، واخبرني انهم اخطاوا، ولم يكونوا على علم ان اللقاء كان بحماية النظام السوري، معتقدين ان اللقاء سيشمل كل اطراف الحركة الكردية، والكردستانية، ولكن تبين لهم ان اللقاء يخضع لاجندات، ومحاور إقليمية، وكان ذلك اللقاء الأول والأخير، وفي السياق ذاته حاول الطالباني تقديم خدمة لنظام حافظ الأسد، عندما صرف الأموال من اجل احداث انشقاق في حزبنا – البارتي اليساري – عام ١٩٧٤ – ١٩٧٥، وفي نفس الفترة استخدم مسؤولي اليمين الكردي في سوريا وارسال احدهم لاقامة حزب في تركيا، وكان ذلك احد أسباب الانقسام في صفوف الوطنيين الكرد في كردستان تركيا، وجلب الويلات لهم بعد ذلك حيث ذهب ضحيتها – آلجي ود شفان، وآخرين .
كما ذكرنا أعلاه فقد – قلد – السيد اوجلان المرحوم الطالباني في تقديم الخدمات لنظام حافظ الأسد على حساب الكرد السوريين وقضيتهم مقابل مأوى، ومساحة محدودة من التحرك، وحتى ذلك لم يسعفه عندما طرده النظام من اجل مصالحه المهددة من جانب تركيا، ولاشك ان المرحلة الثانية من العلاقات المتجددة بين الطرفين بعد اندلاع الثورة السورية، شهدت تطورا ملحوظا في الخدمات المتبادلة ليس على حساب الكرد السوريين فحسب بل شملت أيضا الوقوف معا في محاربة الثورة السورية، حيث بات كل ذلك معروفا للجميع .