فلننصف مغنينا فانهم «سدنة» تراثنا

صلاح بدرالدين
  المغنون ، او المطربون هم احد أهم أعمدة الفن القومي لاي شعب ، الى جانب الموسيقيين ، والمخرجين السينمائيين ، والمسرحيين ، والتشكيليين ، ورسامي الكاريكاتير ، والمختصين في الرقص والفولكلور ، والرسم ، والتصوير ، والنحت ، والتصميم ، والادب وضمنه الشعر ، وفي عصرنا الراهن يصنف المدونون ، واعلام البث المباشر أيضا .
  ينتشر معظم المغنين الكرد السوريين في بلاد الشتات ضمن حشود اللاجئين من مواطنيهم واهلهم الذين وصلوا أوروبا على عدة موجات وتحديدا بعد تسلط حزب البعث الشوفيني على مقاليد السلطة في بدايات ستينات القرن الماضي وبشكل خاص بعد اندلاع الثورة السورية منذ اكثر من ثلاثة عشر عاما ، وماترتب عليها من مخاطر حقيقية على الحياة ان كان مصدرها نظام الاستبداد ، او سلطات الامر الواقع التابعة للميليشيات المسلحة المحلية او الوافدة من وراء الحدود .
  معظم المغنين الكرد السوريين يعبرون في فنونهم الغنائية بلغتهم الام عن محنة الكرد ، وتطلعاتهم المستقبلية ، وعن أحوال وطنهم ، ويشاركون في إقامة حفلات الزواج بين أوساط الجالية الكردية ، حيث هناك غالبية من العائلات تواصل احياء مناسبات الزواج على الطريقة التقليدية الاصيلة ، محاولة منها في إيجاد نوع من التوازن بين القوانين السائدة في مسالة الاندماج ، والحفاظ على الاصالة الثقافية القومية بحيث لايشكل نقيضا لقوانين الهجرة ، والمواطنة ، والتعليم ، وهنا يلتقي دور المغنيين الغنائي القومي مع إرادة ورغبة تلك العائلات .
  كما ان المغنين الكرد واخص هنا بالذكر الكرد السوريين ، وقد ينطبق الامر على كرد الأجزاء الأخرى أيضا ، يقومون باحياء حفلات العيد القومي – نوروز – كل عام ، بناء على دعوات ، وعقود مسبقة .
  جميع الحفلات العائلية – الاجتماعية منها او مايتعلق بالعيد القومي – نوروز – تقام كما ذكرنا على أساس اتفاقيات مبرمة ، ولقاء مبالغ مالية معلومة للمغنين ، وبخصوص ذلك ترتفع أصوات من جانب البعض تحتج بشدة على الطريقة المتبعة ، وتسجل مآخذ على حصول المغنين على أي مبلغ مالي  ، وهنا لابد من تسجيل الملاحظات التالية :
  ١ – من حيث المبدأ يعتبر الغناء مهنة وعمل ، ويتطلب جهد ، والتحضير لانجازه مكلف ، ثم ان العقود تبرم برضا طرفين ومن دون أي ضغط او اكراه .
  ٢ – ان المغنين مثل الاخرين لديهم التزامات عائلية ، ويحتاجون الى مردود مالي لعملهم لمواصلة معيشتهم بكرامة ، وتربية أولادهم مثل بقية الناس ، خاصة وانهم يؤدون دورا ثقافيا قوميا ووطنيا .
  ٣ – لوكانت الحركة الكردية السورية موحدة ، ومنتجة ، ومستقلة ، وقوية خارج تسلط أحزاب طرفي الاستقطاب التي تعمل لنفسها متجاهلة شعبها ، وسائرة في الخط الصحيح ، لكانت وضعت ضمانات حياتية معيشية ليس للمغنين الكرد فحسب بل لسائر الفنانين والكتاب ، والمثقفين المنتجين ، وفي كل المجالات الأخرى .
  ٤ – شخصيا اعلم ان هناك فنانون مبدعون لديهم اعمال رائعة  لم ترى النور لاسباب مادية ، وهناك مخطوطات مكدسة لكتاب مثقفين ، ومفكرين ، متعمقين بالعلوم ، والفلسفة ، وليس بمقدورهم تغطية نفقات الطبع والنشر ، وفي هذا السياق أتذكر كيف ان ( رابطة كاوا للثقافة الكردية ) وبامكانياتها المحدودة جدا ، وضيق مساحة عملها ، تصدت لهذا الموضوع ولو بشكل رمزي ، فقامت بجمع ، وطبع ، ونشر العشرات من اعمال فنانين ، وكتاب ، كرد وعرب سوريين أيضا ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : ( بافي نازي – أبو شوقي – زنار سلوبي ” قدري جميل باشا ”  –عبد الوهاب ملا علي – صلاح بدرالدين – رشيد كرد – علي الجزيري – دحام عبد الفتاح – عبد القادر بدرالدين – دكتور إبراهيم محمود – مروان شيخي – محمد ملا احمد – حامد بدرخان –  ازاد ديركي – إبراهيم محمود – حليم يوسف – حسن هوشيار ، وبينها جزءان من كتاب ( الابداع النسوي الكردي السوري ) لنحو ثلاثين من المبدعات .
  ٥ – مقابل كل ذلك من حق الناس على مغنيهم بل من واجبهم ان يشددوا على مسالة التزامهم بقضاياهم القومية والوطنية ، والثقافية ، وان لايثقلوا كواهل العائلات بالمطالب المالية المبالغ فيها ، وان يحاولوا قدر الإمكان استثناء العيد القومي – نوروز – من العقود المالية ، وان يبتعدوا مسافات طويلة عن الاجندات الحزبية التي بدات تسيئ الى القضية الكردية ، وتثير الفتن والانقسام بين صفوف الكرد .
  وبالاخير لو تسنى للمغنين تنظيم طاقاتهم ، وابداعاتهم في مؤسسة مشتركة شفافة فيما بينهم باوروبا وفي المانيا تحديدا لامكن تفادي العديد من الإشكالات في علاقتهم مع المحيط ، وفي إجراءات تقديماتهم الفنية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…