الإنحطاط السياسي

مروان سليمان*

لقد أصاب الكثيرين لعنة النفاق و العبودية و التبعية للآخرين لكي يأخذوا نصيبهم من موائد الآخرين نتيجة الجهل و عدم الدقة في الحسابات التي لديهم و المبنية على المصالح الآنية و بالتأكيد بأن مثل هذه الأفعال يخلق في نفوس الصالحين من المواطنين الإشمئزاز و عدم تقبل هذه الأشخاص سواء في مواقع المسؤولية أو الحياة الإجتماعية و هذا ما جعل الكثيرين من المخلصين و حاملي راية القضية في العزوف عن المشاركة السياسية نتيجة التسلط و الإستبداد التي تمارس من قبل حفنة من الناس في تسيير الأمور و التحكم بها و هذا الشكل يتنافى مع قاعدة التشارك المجتمعي في تسيير شؤونه بسبب فقدان الأغلبية المطلقة للثقة و الذين باتوا خارج اللعبة في إنتظار المنقذ و هذا يعني بأن ما يمارس في عالم سياستنا الكردية التقليدية خالية من المرجعية أو من الإلتزام بها و هذا ما أدى إلى تسلل الخلل في مواطن العقل و الإدراك  و إثارة التعجب لدى العقلانيين من الناس. 
في حياتنا اليومية أصبحت المفردات (المناضل – العنيد-الصلب- المخلص) تسوق بشكل تعسفي و مجاني سواء في اللقاءات أو الإجتماعات الحزبية أو حتى في حالات الوفيات، هذه المفاهيم التي يسطرها بعض المنتجين لأرباب أرزاقهم الذين لا مبدأ لهم سوى البحث عن الفتات و لذلك نراهم في كل موسم بثوب جديد ليتمكنوا من لعب دور المتقمصين الذين يلعبون على شكل دور المدافعين عن القضية و المظلومين و عن العدالة الإجتماعية فأصبحوا يوزعون صكوك النضال على كل من هب و دب حتى أفرغوا معاني النضال من محتواها الأساسي بالتبجح بالخطابات النارية لينالوا تصفيقات الجماهير الذين هم في الأساس كانوا حاضرين من أجل تأدية ذلك الدور الذي يزكي أحدهم بنضال وهمي غير حقيقي يختفي بإختفاء المؤثرات المادية التي كانت سبباً في ظهوره، و بعدها يستبدل القناع بقناع آخر على مقاس المصالح الشخصية و ليست حسب المبادئ الوطنية و القومية كما يدعي أمثال هؤلاء دون خجل من أنفسهم أو من الناس الذين حولهم مع أن الجميع يعرفونهم بأنهم ممثلون مزيفون و يمارسون الفساد المتأصل في جذورهم و هم من محترفي التبدل في المواقع الحزبية و السياسية و لكن الغريب في الأمر أن البعض من هؤلاء أصبح لديه الجرأة في التعدي على حقوق المناضلين الحقيقيين و على كل الرموز.  
في الحقيقة أن الذين خلعوا ثياب المبادئ هم أكثر جرأة و وقاحة في الدخول إلى الأنفاق المظلمة و عمل صفقات مشبوهة باسم المصالح الشخصية و التظاهر بمظهر المناضل الصلب لدى البسطاء من الناس من خلال إنتقاء المصطلحات الرنانة  و النارية و اللعب على المشاعر لكي يعطي لنواياه الفاسدة و المشبوهة المشروعية و يدخلها في ثوب الإخلاص و التخلص من أعدائه الذين خلقهم هو لنفسه على أساس القانون و العدالة و المساواة و الدفاع عن المصالح الوطنية و القومية العامة.  و هذا يتطلب من الجميع كشف هؤلاء و تعريتهم أمام المجتمع لإبعاد هذه الكائنات عن مواقع المسؤولية و القيادة و إستلام زمام المبادرة من هؤلاء المصابين بالجهل  و الهرولة نحو تقليد المناصب دون أن يكون لديهم مؤهلاتهم لذلك و الذين بدأ عليهم الإنحراف الضميري و الوجداني و الأخلاقي لأن مثل هذه السلوكيات تربي الآخرين على الغش و الكذب و الخداع   و النفاق و الأهم هو فقدان الثقة في كل شئ .
 إن العمل الوطني و القومي النبيل هو ممارسة و أخلاق و ضمير بعيداً عن الخطابات النارية الكاذبة أو الخطابات التي تدخل في خانة الشخصنة و الإصطدام و التأزم و الدخول في المزيدات السياسية و الحسابات الشخصية الضيقة. و بما أن النضال الحقيقي هو تعب و كفاح من أجل القضية أو فكر معين فإنه لا بد من مرجعية من أجل تثبيت المفاهيم و توضيح التوجهات الفكرية و بما أن المجتمع الكردي يناضل في مجمعات لذا فمن الأفضل أن يتكون هذا النضال من أعضاء تجمعهم نفس الأخلاق و المبادئ و القيم و خاصة الأهداف و آليات النضال التي تتيح لهم الطريق الصحيح من أجل تحقيق هذا المشروع الذي إنطلقوا من أجله بعيداً عن المتطفلين على النضال بمبادئ مزيفة و التخطيط لتحقيق رغباتهم الشخصية و نياتهم المبيتة و كسب صفات المناضلين عبر الخطابات الكلامية الكاذبة.    
السلك التربوي-المانيا*
05.03.2024

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…