أنا ولجنة التحديد والتحرير (7)

د. محمود عباس
 اللجنة المكلفة بتنفيذ قرار الاستيلاء، لم تخطط المساحات المستثمرة من قبل فلاحي القرية (نصران) ولا التخوم الفاصلة بينهم وبين الملاك، ولم تمس ملكية أسر القرية، بل اكتفت بتخطيط بيوتهم فحسب، وجدير بالقول هنا أن السلطة كانت على دراية بما يستثمره الفلاح، وهو أقل بكثير مما أعطيت لعائلات المستوطنين، ويمكن القول إنها لم تتجاوز ربع ما ملكه الغمريون، والمثير للجدل إنها حسبت من ضمن حصة الملاك! كما نوهنا إليها سابقاً.
 فعلى سبيل المثال حصلت أربع عائلات غمريه على أراضي نصران، أكثر من 166 هكتارا، أي قرابة 42 هكتارا لكل عائلة، في الوقت الذي كان فلاحو القرية يملكون ما بين عشرة إلى خمسة عشر هكتارا (ثمانية عشر بيتا بمساحة 205 هكتاراً)، وفيما لو كانت الغاية إنصاف الفلاح لتم تطبيق قانون الإصلاح الزراعي بما يخدم الفلاحين دون تمييز. وهنا يجدر بنا أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى حرمان الفلاحين الكورد من الاستفادة من قانون الإصلاح الزراعي، كان القصد منها التضييق عليهم؛ ليهجروا الأرض كي تتسنى لعملية الصهر أخذ مجراها.
في البداية لم يكن واضحا لجموع الكرد أن هذا الإصلاح جاء لإفقار الملاكين الكرد وحرمان فلاحيه وهو أسلوب من أساليب محاربة الشعب الكردي برمته. وكان الإصلاح الزراعي خير وسيلة لتمرير هذه الغاية، وتمت تغطيتها بالترويج الممل للأفكار اليسارية، علما أن الشعب الكردي آنذاك كان بحاجة ماسة إلى وحدة شاملة لجميع أطيافه وشرائحه؛ حتى يكون بمقدوره مواجهة الخطة الموضوعة لاقتلاعه جذريا من أرضه، أرض الآباء والأجداد، التي سطر عليها ملاحمه وبطولاته، وفيها قبور أسلافه وذكريات ماضيه… وهكذا تم التغيير الديمغرافي بشكل طبيعي ودون عناء.
لنعود إلى خطة السلطة لمحو الشعب الكردي من الوجود فبدؤه بالإحصاء أولا ومن ثم الحزام، وقبلها تجربة القريتين على نهر دجلة، كان من المفروض أن يكون كافيا للواعين من الكرد في أخذ زمام المواجهة بشكل واعٍ مستفيدين من النضال العالمي في الظروف المشابهة! صحيح أن الملاك الكردي لم يكن على دراية ما تخططه له ولأبناء جلدته سلطة دمشق مستقبلا؛ لذا لم يكن مباليا بالحد المطلوب، إلا أن مخططات الدولة حياله باتت تتوضح شيئا فشيئا فأمالت بعضا منهم إلى الحس القومي. للأسف لم يكن وعي الحراك كافيا حينئذٍ ليوحد فئات الشعب الكردي المؤثرة ليقوي بها ظهره، والنتيجة بادية للعيان راهنا.
فالملاك المطعون كرديا والمهان لذات السبب لم يمس ما كان وزعه على فلاحيه بالرغم من أن السلطة طلبت منه بأخذ ما بحوزتهم، واحتجت الدولة أنها حسبتها من مستحقاته، لذا ليس من حقه أن يطالب الدولة أنها ظلمته في استحقاقاته؟
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
12/2/2024م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…