سياسة المصالح والنفوذ.. بين الغايات والنيَّات

عزالدين ملا
تتصاعد وتيرة التحرُّكات الدولية، وكذلك الصراعات العسكرية والسياسية على الساحتين الإقليمية والعالمية، وتزداد معها احتمالات توسُّع نطاق الحروب وشدتها، وخاصة بعد أن زادت الأذرع والأدوات الإيرانية من انفعالاتها تجاه ما يحصل في غزة، والهجوم على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق والسفن والبواخر التجارية العالمية في البحر الأحمر وخليج عدن.
   إن هذه الأوضاع الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط لم تكن وليدة اللحظة، بل بدأت منذ انطلاق ما كانت تُعرف بثورات الربيع العربي، وحسب ما اعتقد فإنها سارت، وتسير في كل الاتجاهات وبشكل مدروس ودراماتيكي، تتشابك، وتتداخل في عمق دول وكيانات الشرق الأوسط وخارجها، حيث لا يمكن فصل حدث في منطقة ما عن آخر في منطقة ثانية لتشابك المصالح وتداخلها وذلك لتداخُل علاقات المصالح بين الدول وتعقيداتها العميقة، وظهرت بشكل أوضح عند توقُّف ثورات الربيع العربي في سوريا، ولتبدأ في تلك المساحة السورية مشهد توافد القوى الإقليمية والدولية بشكل مكثّف وسريع إلى غمار الصراع على الأرض السورية، ويبدأ معها صراعٌ آخرُ غيرُ مسبوق بتفعيل الأدوات والأذرع ودعمها لفرض أجندات معينة وفي أماكن معينة، وكأننا أمام مشهد لا بل مشاهد توحي أن هناك شيئاً جديداً قادماً، لكن حتى الآن هذا القادم غير واضح المعالم، فما نراه يزداد التداخل والتشابك، ويتوسّع نطاق الصراع، ويزداد معها عدد الفاعلين والمفعولين.
  في الظاهر، ثمّة صراعٌ بين أمريكا وروسيا من جهة وأمريكا وإيران من جهة أخرى، ولكن في الخفاء تتشارك الكثير من الدول في تلك الصراعات، تدخل بشكل أو آخر دولٌ مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين، وكذلك دول الخليج ومصر في عمق التحرُّكات الخفية لتلك الصراعات
   أما تركيا فهي صاحبة حصة الأسد في كلّ ما جرى، ويجري في منطقة الشرق الأوسط والعالم، تستغل موقعها الجيوسياسي في فرض أجنداتها على نقاط مختلفة من العالم وخاصة في سوريا والعراق وليبيا ومناطق أخرى من العالم.
  لذا، تدعو كلُّ هذه الدّول، وما هو في الظاهر، أن ما تقوم بها من تحرُّكات ومقايضات ومناورات تدخل في خانة الحفاظ على أمنها القومي، وعلى حساب الأمن القومي والوطني لتلك الشعوب، والسؤال الذي يشدني، ويشد كلّ مَن يعاني من شعوب المنطقة، بأية حال يتم استباحة أراضي الغير من قبل قوى كبرى لتنفيذ المصالح وتأمين الأمن القومي لديهم حسب ما يتم زعمه؟!
   وسؤال آخر يطرح نفسه، لماذا كل ذلك في مناطق خارطة سايكس بيكو؟!، ولماذا ليست في مكان آخر، كل هذه الأسئلة تطرحُها شعوبُ المنطقة التي عانت الويلات، ومازالت تعاني من الخوف والترهيب والترويع، وحتى هذه الأسئلة تطرحها شعوب تلك البلدان الذين يشمئزون من لاجئي هذه الشعوب، ويتنمرون عليهم، كل هذا الضغط على كلا الجانبين سيولد في نهاية المطاف انفجاراً رهيباً قد تكون نهاية العالم.
   مناسبة هذه الأسئلة جاءت أثناء الأحداث الحالية والتي بدأت بحرب إسرائيل وحماس على حساب الشعب الفلسطيني الذي عانى، ويعاني مرارة الحرمان والتشرُّد، ومن ثم استهداف مُسيّرة للقاعدة الأميركية (تاور 22 ) في الأردن وراح ضحيتها ثلاثة جنود أمريكيين والعشرات من الجرحى، وقبلها الهجوم بمسيّرة على مدينة هولير في إقليم كوردستان، وراح ضحيتها رجل أعمال كوردي وابنته البالغة من العمر عشرة أشهر.
   في الصراع الحاصل، وكما نراه غير مباشر بين أمريكا وإيران، ويتم المبارزة على مختلف أطراف الشرق الأوسط تبدأ من العراق وسوريا ولبنان واليمن دون أن يكون هناك التقاء مباشر فيما بينهما، لترهيب ما حولهما ولغايات في نفسيهما، ولكن في الخفاء تتشارك دول أخرى والتي تستفيد من تلك المغازلات لتمرير مصالحها، كـ روسيا التي أسست لها عدة نقاط ارتكاز على الحدود السورية الإسرائيلية والأردنية، وبريطانيا وفرنسا اللتين تتحركان وفق ما تملي مصالحهما في المنطقة، إلى جانب دول الخليج والتي تحاول بكل الوسائل دفع المزيد من الأموال إرضاءً لكافة الأطراف وإبعاد شبح الصراعات عنهم، أما مصر فـلها حصة الحليف الوسيط وكأنها شخصية مصالحة فقط دون أن تبدية أيّة تحرك فعلي.
    أعتقد أن كافة التصريحات التي يتم تداولها، ليست محاربة بعضهم البعض ولا الدخول في حرب مباشرة، جميع الأطراف تدرك جيّداً أن الحرب المباشرة تعني الخسارة في النفوذ والتحكُّم والسيطرة، وخاصة تلك التصريحات التي يتمُّ إطلاقها بين أمريكا وروسيا وأمريكا وإيران، لهذا يتبنون سياسة الغضب الكذّاب والنية الكاذبة فقط للخداع والمناورة، وفي المقابل، الصمت الرهيب من قبل الدول الأخرى التي ذكرتها آنفاً خوفًا من تهديد مصالحها أو وصول الصراع إلى مضاجعها، وكلّ ما يتمّ تداولها هو إدانات خجولة فقط لرفع الغبن عن أنفسها وتخفيف من عذابات ضمائرها.
   لذا، فإن استهداف الأطراف ضد بعضها البعض يأتي وحسب ما اعتقد بالتراضي فيما بينهم ولغايات في نفس يعقوب، أي خليها حوالينا ولا علينا، وخلينا نتفق فيما بيننا ونُدخِل الترهيب في مضاجع شعوب منطقة الشرق الأوسط حتى لا يتم التفكير بالوقوف في وجوه أنظمتهم الخاضعة لإملاءاتنا.
    وعلى أيِّ حال ولسان حالهم يقول: الأهم نحن ومصالحنا بخير وفي مأمنٍ ومسيطرون على الاقتصاد والتجارة في المنطقة والعالم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…