د. محمود عباس
ليس سرا، ولا تخفي الدولة العميقة المتحكمة بصناعة الأسلحة الأمريكية ولا بعض الإدارات في البيت الأبيض، دعمها لهذه الشركات كقطاع مثل غيره من قطاعات الاقتصاد الأمريكي، أما جدلية خلق الحروب فهي فكرة متناقضة ذات وجهين، وتحتاج إلى المنطق عند البحث فيها. لكن عرض هذه الفكرة من قبل الأنظمة الفاشلة في منطقتنا كمفهوم للطعن في الإستراتيجية الأمريكية على خلفية الصراع الإيديولوجي، خداع لشعوب المنطقة بضحالة سياسية، فكما يعلم الجميع، يعود ظهورها إلى مرحلة الحرب الباردة، يتم إحياؤها والترويج لها كلما دعت ضرورات مواجهة الأنظمة لشعوبها أو المطالبة بحقوقها، كالشعب الكوردي، مثلما يجري الأن وحيث تصعيد الصراع بين القوى الكوردية والتحالف الإيراني التركي، الأنظمة المستفيدة من الصراع الأمريكي الروسي الصيني على منطقة الشرق الأوسط.
صناعة وتجارة السلاح تعد أحد أهم القطاعات الاقتصادية في العديد من دول العالم، ولا شك تحتل مركز الصدارة في أمريكا، بواقع 37% من حصة العالم، تأتي بعدها روسيا بنسبة 20%، وهي حقيقة يعلمها أي باحث اقتصادي-سياسي، لذلك فلوبي ضخم في الكونغرس وكلية الحزب الجمهوري يدعمون هذا القطاع الصناعي الهائل والمرعب، ويساعدون لإيجاد الأساليب المناسبة لإنجاحه، ليس فقط لأن معظم قادة الحزب هم أقطاب هذا القطاع ومالكين لحصص فيه أو المستفيدين منه إما ماديا أو في الحملات الانتخابية، بل لأنه جزء رئيس في الدخل الوطني بنسبة أكثر من 3% مثله مثل قطاع الإلكترونيات، وصناعة السيارات، وشركات النفط والبنوك والعقارات وغيرها، وهو من أحد أهم ركائز الإمبراطورية الأمريكية، وبالتالي نقض أمريكا من خلال هذا المفهوم سذاجة، وعرضه كتهمة؛ جهالة، وطرحه للحوار كنقد للإمبراطورية الأمريكية ضحالة سياسية، كما وتعكس عدم معرفة الفرد للبنية الاستراتيجية لأمريكا كإمبراطورية، وعلى أثرها يتم الخلط ما بينها كقوة عظمى عسكرية-اقتصادية ووجودها في العالم كحضارة.
المفهوم حقيقة لا يتم الحديث فيه على الإعلام، لكن عند الصفقات التجارية تدرس من على منصة الحوارات السياسية لاعتبارات عدة، يتم إنكاره أحيانا عند إدارة الديمقراطيين للبيت الأبيض، لاعتبارات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية بل وأحيانا تحت مظلة حقوق الإنسان، وهنا تظهر دور المنظمات الحضارية التي تقف في وجه الهيمنة الإمبراطورية، لذلك فنقد أمريكا على هذه المنهجية في عمقه نقد لجميع الدول المصدرة للسلاح، فليس هناك سلاح يقتل وأخر يخلق الفرح، فكل قطعة سلاح يتم تصديرها ومن أية دولة كانت هي أداة للتدمير إن كان للهجوم أو الدفاع.
قطاع الصناعات العسكرية في أمريكا، له باع طويل في الأروقة السياسية، ولوبيه أقوى من قطاع صناعة النفط والأدوية، على خلفية الهيمنة قبل الدخل المادي الهائل، لذا يجب أن يكون في حالة تجديد وتطوير متواصل، ونجاحه مثل نجاح جميع شركات الأسلحة في العالم تعتمد على:
1- إما تحديث أسلحة الدول المعتمدة على السلاح الأمريكي كدول الخليج وتركيا على سبيل المثال، والتي قرابة 75% من سلاح تركيا كدولة في الناتو؛ أمريكي أو من دول الناتو، وبالمقابل هناك دول تعتمد على السلاح الروسي بشكل شبه مطلق، وهنا نتحدث ليس فقط عن منطقة الشرق الأوسط، بل عن معظم دول العالم.
2- أو بخلق الحروب وبها يتم شراؤه في الحالتين الهجوم والدفاع. ويروج على أن الشراء في حالة الدفاع يتم من روسيا أو الصين أو غيرهما من الدول، لكن الكل يبحث عن الأسواق المروجة لتصريف السلاح في الحالتين، ولا يخفى أن جميع الدول المصدرة للسلاح تنتظر الحروب لتصرفها بضاعتها، حتى ولو كانت تحت منطق الدفاع عن الذات، وعلى الأرجح أن تركيا أيقظت الصراع بين دولتي أذربيجان وأرمينيا للترويج وبيع طائراتها ألـ (بيرقدار)، كما ولا يستبعد أن إيران تحصل على كميات هائلة من العملة الصعبة التي كانت تصل عن طريق المساعدات الدولية إلى حركة حماس وما تنتجه حزب الله من تجارة المخدرات ومن غيرهما من أدواتها الأخرى مقابل الصواريخ التي ترسلها لهم. كما وأن شعوب الدول العديدة التي تعتمد على السلاح الروسي حاليا وفي السابق الإتحاد السوفيتي، يتم إقناعهم بهذه المنهجية، أي شراء السلاح من أجل الدفاع عن الذات. وهذا الخلاف الفكري تعكس جدلية ساذجة، فحضور السلاح الفردي، الكلاشينكوف السوفيتي أو م 16 الأمريكية وانتشارهما في العالم، مبني على الصراع الإيديولوجي، وكل الإيديولوجيات والأديان والمذاهب قتلت وأجرمت وتقتل تحت مفاهيم مختلفة، مهما غطيت بألبسة مزركشة دفاعية أو هجومية.
3- تضخيم قوة بعض الدول، خاصة التي تحكمها أنظمة دكتاتورية لها طموحات في السيطرة على الجوار، كما كان يقال عن جيش صدام حسين، واليوم عن قوة إيران والبعد المذهبي، وعن تركيا؛ الحالمة بإعادة تاريخ الدولة الملية العثمانية السنية، وفي الواقع ليسوا بتلك السويات التي يتم الترويج لهم وعن ذاتهم على الإعلام، وقد سقط فيها روسيا قبل الهجوم على أوكرانيا. وكل ذلك لترهيب الدول المجاورة لتعمل على خلق قوة دفاعية، ودول الخليج خير مثال، وحيث بعبع صدام وإيران وتركيا اليوم.
ولا شك في الحالتين تجارة السلاح لا تقتصر على أمريكا فقط، بل جميع الدول المصنعة للسلاح والمتاجرة به تنمو وتستفيد، ويدرجون ضمن قائمة المدمرين، والمروجين للحروب بغض النظر عن البنية الأيديولوجية التي يستندون عليها، فهم يظلون منابع لتصدير أدوات التدمير.
علينا أن نتذكر بأنه لم تظهر إمبراطورية في التاريخ على مبدأ السلام، دروبهم جميعا وبدون استثناء مليئة بالدماء، نحن نتحدث عن تاريخ البشرية الغارقة في المآسي منذ البدء وحتى اللحظة.
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
5/2/2024م