ضربات متواصلة ام مناورة مخادعة ؟

صلاح بدرالدين 
  ” اعلن الرئيس الأمريكي – جو بايدن – ان الضربات الامريكية التي شنت – الجمعة – على اهداف مرتبطة بايران في العراق وسوريا ستتواصل، مضيفا : ردنا على هجوم بمسيرة اسفر عن مقتل ٣ جنود أمريكيين بالأردن مؤخرا بدا اليوم وسيتواصل في أوقات وأماكن من اختيارنا .. ” واعلن الجيش الأمريكي تنفيذ ضربات جوية  استهدفت فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وفصائل مسلحة تابعة له “، وأشارت المعلومات الى إصابة – ٨٥ – هدفا ومقتل – ١٨ – مقاتلا في سوريا، و – ٨ – في العراق .
ردود الفعل 
   سجال متوقع بين الحكومة العراقية والإدارة الامريكية كل لاسبابه الداخلية، ونفي لما أعلنه الجانب الأمريكي عن تنسيق معها بخصوص الضربة، وتسريع لعملية اخراج قوات الحلفاء من العراق، وتهديد، ووعيد من جانب الفصائل المسلحة الولائية خصوصا للرد على الرد، وانذار إيراني لضرب اهداف أمريكية في كردستان العراق، مع توقعات بحصول اعمال انتقامية روتينية لاتخرج من حدود قواعد الاشتباك المتبعة من ميليشيات حزب الله اللبناني، والحوثي باليمن، وكذلك ميليشيات الحشد الشعبي، والأخرى التابعة للحرس الثوري الإيراني في كل من العراق وسوريا .
تفسيرات متناقضة
  لعدة أيام بعد مقتل الجنود الأمريكيين الثلاثة بمسيرة لفصائل عراقية تابعة للحرث الثوري الإيراني في قاعدة – التنف – على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، كان هناك نوع من الترقب من جانب مراقبين اعلاميين وأوساط سياسية واسعة في بلدان المنطقة، توقعوا، وتمنوا ان تكون الضربة موجهة الى الداخل الإيراني، وتكون موجعة، أي الى الراس والقلب بدلا من الأطراف، وبشكل عام بنى العديد من الأطراف السياسية والشعبية التي تعارض أنظمة – الممانعة – في ايران، وسوريا، وميليشياتها اللبنانية، والعراقية، واليمنية، والحماسية، وخاصة في وسطنا السوري الامال الكبيرة على الضربة العسكرية الامريكية ( الموعودة ! ) التي قد تكون حاسمة، وماحقة.
من جهة أخرى نعم هذه التمنيات مشروعة من الأساس، لان نظام طهران يعيش في هلع الان بعد ضيق الخناق على حركة – حماس – فالقضاء عليها يعني توجيه ضربة قاصمة الى استراتيجية طهران بالمنطقة كلها، ومخططاتها المعتمدة الى ميليشيات جلها من جماعات الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني، وقد يفتح ذلك الأبواب على حل القضية الفلسطينية العادلة على أساس حل الدولتين بإدارة الممثل الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك الى نوع من الاستقرار بالمنطقة ، والبحث عن حل للقضية السورية، وتحقيق الامن في العراق خاصة بالاقليم الكردستاني، ولن يتم انجاز ذلك كله الا بقطع راس الافعى الإيراني.
ولكن الضربة الأخيرة قلبت كل توقعات، واحتمالات، هؤلاء على عقب، وبددت امالهم المعقودة على انتقام القوة العظمى، والاتهام باستهانتها بدماء مواطنيها، ومالبث هؤلاء ان دخلوا في متاهة التفسير التآمري للحدث، بوجود تفاهم امريكي – إيراني في الخفاء، ومؤامرة ثنائية ضد شعوب المنطقة تقضي بتوزيع الأدوار، واتقان لعبة المناورات البينية، من دون الخروج على القواعد المرسومة.
الرأي الاخر
  هناك راي آخر مفاده ان هؤلاء ذهبوا بعيدا في التفاؤل الذي لايستند الى أساس واقعي، وبنوا الامال العظام على قاعدة هشة، ثم تورطوا في تفسيرهم التامري للأسباب التالية : 
  ١ – من الخطأ واستنادا على تجارب التاريخ، والتجربة السورية على وجه الخصوص الاعتماد على القوى العظمى عموما وامريكا  تحديدا، فهي تبحث عن مصالحها وليس عن مصالح الشعوب، وتضحي بجنودها ليس من اجل تحرير سوريا، والمنطقة، والقضاء على الدكتاتوريات، وتعميم الديموقراطية.
  ٢ –  وفي القضية السورية علينا توجيه اللوم الى انفسنا، ومعارضتنا ! والى ( المجلس الوطني السوري والائتلاف وانحرافاتهما، والى الفصائل المسلحة المحسوبة زورا على المعارضة، وخطاياها المميتة قبل توجيهه الى الأمريكي وغيره، نحن السورييون فشلنا في إيجاد قواسم مشتركة بين مصالح شعبنا من جهة وبين مصالح  القوى الأخرى العظمى والاكبر والصغرى، واخفقنا بجميع اطيافنا العربية والكردية وغيرهما في تنظيم صفوفنا من جديد، إعادة بناء واحياء الثورة، والمعارضة، واجراء المراجعة اللازمة ، وعقد المؤتمر الوطني السوري الجامع، والعودة عن التبعية للخارج، واستعادة قرارنا الوطني المستقل . 
  ٣ – منذ بدء المفاوضات حول النووي الإيراني، وماقبله كان واضحا ان أمريكا خصوصا والغرب عموما لم يكونوا في موقف القضاء على ايران ونظامه الحاكم، وان أمريكا كانت ومازالت تضغط على إسرائيل لعدم القيام باي هجوم عسكري على ايران، بل ان الاستراتيجية الغربية تنطلق من مفهوم إيجاد توازن بين القوى والكيانات في الشرق الأوسط ( العربية، والتركية، والإيرانية )، وان اللوبي الإيراني في أمريكا اخترق صفوف الطبقة السياسية، ووصل الى أصحاب القرار أمثال وزير الخارجية  الأسبق  – كيري -، وكذلك مسؤول الملف الإيراني – سيمون بالي – الملاحق قضائيا الان .
  ٤ – تصريحات الإدارة الامريكية من الرئاسة الى الدفاع والمخابرات، ومنذ أعوام لم تخرج من اطار العمل على التفاهم مع ايران، وإصلاح النظام بدلا من اسقاطه،  والحفاظ على قواعد الاشتباك المتبعة  والامتناع عن أي عمل يؤدي الى الحرب مع ايران، الى درجة القول ان لاعلاقة لإيران في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، أي اعفاء ايران من تبعات مؤامراتها على شعوب المنطقة عبر اذرعها، وميليشياتها المنتشرة في بلدان المنطقة، وعندما ضربت ايران أربيل وقتلت المدنيين، صرح الناطق باسم البنتاغون : ليس لدينا خسائر بشرية هناك ؟! بالرغم من العلاقات – الافتراضية – الحميمة بين أمريكا وإقليم كردستان العراق.
  لذلك أرى بان المضي في الانشغال بجمع المآخذ على الجانب الأمريكي تجاه ايران قد ينسي السوريين مخاطر  عدوهم الأساسي : النظام، والمحتل الروسي الداعم له، والانشغال بامور عابرة بدلا عن انجاز المهام الكبرى التي تنتظر السوريين.
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…