القائد المقدام ادريس بارزاني

صلاح بدرالدين
يحتفي الاشقاء بإقليم كردستان العراق هذه الأيام بذكرى رحيل القائد ادريس مصطفى بارزاني ( ١٩٤٤ – ١٩٨٧ ) قبل نحو سبعة وثلاثين عاما ، واذا كان المحتفون يتناولونه بكونه ” مهندس الدبلوماسية الكردستانية مع الخارج ” كونه اول من تحاور مع الامريكان خلال ثورة أيلول ١٩٦١ وتحديدا لقاؤه مع المسؤولين الكبار بالخارجية ، والامن القومي  بالعاصمة الامريكية واشنطن ، او صاحب الدور الأكبر في اشعال ثورة – كولان – بعد النكسة الأليمة ، او المحرك للحوار الداخلي ، وتحقيق المصالحة ، وتشكيل ” الجبهة الكردستانية ”  ، وقبل ذلك قيامه بالدور الأبرز مع أخيه كاك مسعود بارزاني في ابرام اتفاقية الحادي عشر من آذار لعام ١٩٧٠ في بغداد .

 

الجوانب الأخرى في السيرة الذاتية للفقيد
  تعرفت على الراحل خلال زيارتي الأولى الى المناطق المحررة ولقائي مع الزعيم الراحل مصطفى بارزاني في كل من – كاني سماق – وقصري – في منطقة – بالك – خلال ثورة أيلول وتحديدا في أواخر أيار ، وبداية حزيران من عام ١٩٦٧ ، ولاحظت انه لايفارق والده وكان ذراعه الأيمن ، ومساعده الوحيد في مختلف الأمور ، ينفذ ما يامر به الوالد ، ويتابع ، ويراجع مختلف القضايا : العسكرية ، والسياسية ، والمحلية ، والاجتماعية ، بالإضافة الى العلاقات القومية ، وذلك في ظروف بغاية الصعوبة ، حيث كانوا بحالة حرب ، ومن دون مكاتب ، وسكرتاريا ، وموبايل ، وانترنيت ، وكان عليه ان يجمع كل الاختصاصات ، وان يكون خبيرا في كل الأمور ، وان يقرر ، ويجيب على كل الأسئلة .
  بالرغم من محدودية المدة التي قضيتها معه في زيارتي الأولى ، الا انني بنيت معه علاقة صداقة مستندة الى الثقة ، والاحترام المتبادل ، فقد كان واضافة الى جميع مسؤولياته مشرفا على العلاقة مع الحركة الكردية ، واحزابها في سوريا ، وايران ، وتركيا ، وكان مطلعا على التفاصيل ، والاهم كان مؤمنا بضرورة بناء علاقات قومية على قاعدة التنسيق ، والعمل المشترك ، واحترام خصوصيات البعض الاخر ، ومعرفة المهم والاهم ، وتقدير المصالح القومية العليا .
  لم يكن الراحل يساريا ، او آيديولوجيا ، كان ليبراليا منفتحا ، وكان في ذلك العهد يتعامل مع أحزاب كردية يسارية التي سبقت التيارات السياسية الأخرى في فهم مكانة ودور البارزاني ، وثورة أيلول ، واتخذت مواقف معلنة وعملية متضامنة ( البارتي الديموقراطي الكردي اليساري في سوريا – الحركة القومية الديموقراطية بكردستان تركيا بقيادة دكتور شفان ، وحزبي ديموقراطي كردستان ايران بقيادة احمد توفيق ) ، وقد ناقشني شخصيا حول الأمور الفكرية ، ناقدا بشكل ناعم – يساريتنا – ومعجبا بمواقفنا الصادقة ، وسياستنا السليمة .
  التقينا مجددا عام ١٩٧٠ مطولا ، وفي جلسات عديدة بخيمته – مكتبه – في حاج عمران – وقبل وابان المؤتمر الثامن للحزب الديموقراطي الكردستاني الذي كان لي كلمة فيه ، وكذلك خلال انعقاد مؤتمر ( ناوبردان ) لتوحيد الحركة الكردية السورية ، حيث لم يكن مقتنعا بنتائجه المناقضة لما اتفقنا عليه ( رفيقي محمد نيو وانا والزعيم الراحل وهو ) ، ولذلك لم يشرف عليه ، وصارحني بذلك ، وابدى اسفه البالغ ( سيكون لي تناول قريب وبالتفصيل لهذا الموضوع ) .
 انقطع التواصل بعد النكسة ، ومرض ورحيل البارزاني في واشنطن ، وكان اللقاء الأخير معه في صيف ١٩٨٣في طرابلس – ليبيا خلال دعوتنا الى ( المؤتمر الشعبي العام ) ومعه الاخوة ( فاضل ميراني – د روز شاويس ، د سعيد بارزاني – د بيروت إبراهيم ) حيث توجه الي امام سمع الجميع : ( لقد غدرنا بك كاك صلاح ) ” وكان يقصد نتائج مؤتمر ناوبردان ”  فاجبته : شكرا على هذه الصراحة ، ووصلنا حقنا ، ثم عقدنا عدة جلسات واتفقنا على العودة الى العلاقات السابقة وتطويرها ، وهذا ماحصل .
  كل الوفاء لذكرى هذا القائد المقدام

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نبذة عن الكتاب: يسعدني أن أقدم لكم العمل البارز لصديقي العزيز، ريبرهبون، مؤلف كتاب ” نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً)”. هذا الكتاب هو استكشاف عميق للمشهد السياسي الكردي، يقدم نقداً ورؤية للمستقبل. إنه رحلة فكرية تمزج بين التحليل التاريخي والواقع الحالي، وتبحث في الحلول للتحديات التي يواجهها الشعب الكردي، خاصة في غربي كوردستان (روجافا). يقدم المؤلف تأملات صادقة في…

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…