جمهورية مهاباد ودور العوامل الذاتية والموضوعية

 

صلاح بدرالدين

 

في استذكار اول محاولة لتحقيق تقرير مصير  الجزء الإيراني من كردستان التاريخية يظهر مدى تداخل العوامل الذاتية والموضوعية في قيام وانهيار جمهورية مهاباد الكردستانية، ومع الاخذ بعين الاعتبار طغيان العامل الموضوعي الخارجي دائما وابدا في المصير الكردي على الأقل منذ عهد الإمبراطورية العثمانية، الذي تجلى بوضوح اكثر في تجربة – مهاباد.
  فبعد احتلال الحلفاء لإيران خلال الحرب العالمية الأولى، وزوال الحكومة المركزية، وسيطرة الاتحاد السوفييتي على الجزء الأكبر، وبدعم سوفييتي مباشر تم إعلان (الجمهوريات الشعبية) الواقعة تحت نفوذها، قامت جمهورية آذربيجان الشعبية، وعلى المنوال ذاته جمهورية كردستان بزعامة قاضي محمد عام ١٩٤٦ .

 

  هذا مع العلم ان السياسة السوفيتية كانت تقضي إضافة الى إقامة جمهوريات شعبية في ايران تخضع لنفوذها، الإعلان عن أحزاب قومية، ورعايتها، في اطار حركات التحرر الوطني لدى شعوب الشرق وبينها الشعب الكردي، حيث بدأت (الأحزاب الديموقراطية الكردستانية) تتوالى في ايران ١٩٤٣، والعراق ١٩٤٦، وسوريا ١٩٥٧، وتركيا ١٩٦٦، ولكن بعد قيام هذه الأحزاب كل حسب موقعه، وتاريخه، وظروفه الوطنية الخاصة، لم يبدي الاتحاد السوفييتي أي دعم لها، بل حارب بعضها، وسكت عن قمع، وملاحقة البعض الاخر من جانب الأنظمة الدكتاتورية، والشوفينية الحاكمة، التي حظي بعضها وخصوصا نظامي البعثين السوري والعراقي بدعم السوفييت والدول الاشتراكية الأخرى، وتلقت الدعم العسكري، والدبلوماسي، والاقتصادي، الى درجة ان اطلق عليها المنظرون السوفييت صفة التقدمية، والوطنية، وارتبطت معها بمعاهدات الصداقة، واكثر من ذلك فقد تجاهلت  الأحزاب الشيوعية الإيرانية، والسورية، والتركية، التي كانت تدور بفلك السوفييت تلك الأحزاب الديموقراطية الكردستانية، بل ناصبت بعضها العداء، وقد التقيت شخصيا بمسؤوليها في مركز مجلة – قضايا السلم والاشتراكية – ببراغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا – السابقة، وناقشتهم مطولا حول القضية الكردية دون جدوى حيث كانت مواقفهم اقرب الى سياسات الأنظمة الحاكمة.
  من الواضح ان العامل الذاتي الكردي أيضا لم يكن حسب المرتجى، بل في غاية الضعف، ولكن كان من الممكن تعويض هذا النقص من خلال العامل الخارجي، الذي وعلى سبيل المثال ساهم في إقامة العديد من الدول كانت مجتمعاتها اكثر تاخرا من المجتمع الكردي، وبنى مؤسساتها، ودرب جيوشها، ونظم اقتصادها.
  تجربة مهاباد التي تجلى فيها التضامن القومي باروع الاشكال من خلال مساهمة الزعيم الراحل مصطفى بارزاني وصحبه خصوصا الجانب العسكري، وحضور الراحل – قدري جميل باشا كتمثيل رمزي للكرد السوريين، تحتاج الى المزيد من البحث والتقييم، من اجل استخلاص الدروس والعبر منها، خدمة لكفاح الكرد وحركتهم التحررية في المرحلة الراهنة، والاطلاع اكثر على دور العوامل الداخلية والخارجية، والذاتية والموضوعية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…