بعد ان كانت الوظيفة حلم اصبحت الاستقالة حلم ؟

 

خالد بهلوي 

 

منذ ولادة الطفل يخضع للرقابة والتوجيه في كل تحركاته الى ان يصبح شابا يانعا يفكر بالاستقلالية  عن اهله والخروج من قائمة النصائح والتوجيهات والقيود والالتزام بعادات وتقاليد الاسرة الموروثة عن الأجداد وتنقل وتغرس في عقول الطفل.
فعندما يكبر الطفل ويصبح طالبا باحثا عن العلم وعن الأمان في المستقبل يبحث عن الاستقلالية فيختار مهنة الطب او الصيدلة لأنها مهن مستقله لا تخضع لرقيب او شيف يوجهه. ومن يدخل بقية العلوم يبحث عن عمل وظيفي ليستفيد ما تعلمه ودرسه وتصبح مصدر رزقه حتى سنوات تقاعده.
يبدا بالعمل الوظيفي ويتلقى من اول يوم قائمة من الممنوعات والمحظورات والتقيد بالتعليمات والالتزام بالأنظمة الصادرة عن الشخص المسؤول او الجهة التي وظفته وتمنحه راتب شهري مقابل جهد وعم يؤديه بصدق وإخلاص.

 

ومع الوقت يتلاءم مع التعليمات والقوانين الصادرة ويصبح مع الوقت اسير المؤسسة او الدائرة التي يتبع لها وتمر الأيام وتنقلب الشهور والسنين وهو يتقدم بالعمر دون ان يشعر بأهمية السنين التي تضيع من عمره. يمارس يوميا عملا روتينيا يداوم يوميا ثمان ساعات عدا أيام الأعطال والاعياد والراحة السنوية.
يصبح عمله روتينيا كالآلة ينسى قوة شخصيته واحلامه بالاستقلالية ينفذ ما يعطى له من مهام وواجبات يوميه. عليه احترام وطاعة الجهة المشرفة على عمله. وان لا يخرج ويعود الا بأذنها وموافقته ومع الوقت يذوب شخصيته الاستقلالية التي كان يحلم بها بان يكون سيد نفسه .
وكل عام يفكر بتغيير مكان عمله الى الأفضل لكن الراحة والكسل الوظيفي مع تقدمه بالعمر وتعارفه على أصدقاء جدد ترسخت بينهم مودة وصداقة متينة ، ولكن يصعب ذلك لتمركزه وارتباطه بالعمل والمحيط المجاور له. فيستمر بالعمل والعيش بأعصاب متوترة.
 يتمنى وينتظر الزيادة في الأجور والعلاوة الدورية والحوافز او المكافآت المستحقة، رغم ثبات الراتب والحصول عليه مضمون نهاية الشهر أي كانت ظروف البلد؛ الا ان الملفت للنظر ان الراتب كانه مخصص  للمعيشة الشهرية دون القدرة على التوفير او جمع رصيد للأيام السوداء . ليعيش بأمان دون الحاجة للأخرين وكل شهر يأت يخطط بطريقة وأسلوب للتوفير وينتهي الشهر وينتهي معه أحلامه المخططة وامانيه  دون ان يوفر شيئا.
على غفلة من الزمن يكبر ويشيخ دون ان يشعر ان الوظيفة سلبته مرحله شبابه وعنفوانه   في محيط دائرة مغلقة لا يتغير كثيرا الأسماء والوجوه حتى المباني والمكاتب فتصبح قالبا في عقله مترسخا في ذهنه الأسماء والسلوكيات والممارسات السلبية والايجابية منها.
 اخي الموظف عند تقاعدك تنتهي كل صلاحياتك الإدارية وينتهي من حولك الخدم ومن كان يمدحك ومن كان يسعى لينال رضاك ومن كان ينتظر موافقتك على أوراق معاملته. كل ذلك ينتهي ويصبح ذكريات كأنها فلم سينمائي كنت أحد ابطالها
تتفرغ لأسرتك وبيتك وتصبح حارسا وخادما امينا لمتطلبات البيت. ومراقبا ومدققا للنفقات اليومية وتحث اسرتك على عدم الهدر في الكهرباء والماء والمازوت والخبز لأنك تشعر كل صرف او هدر ستدفع من رصيدك الذي جمعته على مدى سنوات من عمرك قضيتها. خائفا من فقدان رصيدك (تعويض سنوات خدمتك) وتضطر الى التدين .
بعد ان كان الراتب الوظيفي امل وحلم مواطن بانه بعد عمله سنوات وسنوات بنهاية خدمته سينال تعويضا مستحقا وتأمينا براتب تقاعدي يغنيه عن الفقر والجوع.
لكن بعد الاحداث خاب ظنه وفقد كل امانيه واحلامه بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار فأصبح راتبه التقاعدي لا يكفي حبوب سكري وضغط وبروستاتا .
اصبح العمل الوظيفي خسارة فلم يعد يكفي اجار السرفيس بالذهاب والإياب الى العمل ؛  لهذا تسابق العاملين باجر الى تقديم استقالاتهم والبحث عن عمل او مهنه او وظيفه تسد رمقه وتؤمن المستلزمات الأساسية لأسرته. بعد ان كان العمل الوظيفي حلم ؛ أصبحت الاستقالة والتهرب من الوظيفة حلم .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…