نظام مير محمدي*
بداية الأزمة بين غزة وإسرائيل
في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، دخل مقاتلو حماس إلى الأراضي الإسرائيلية عابرين الحواجز الحدودية من قطاع غزة، وأدى هذا الهجوم إلى مقتل أكثر من 1200 شخص في إسرائيل، معظمهم من المدنيين، واحتجزت حماس حوالي 240 شخصاً كرهائن.
وتصنف حماس على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ودفعت هذه الهجمات وكلاء النظام الإيراني في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق، إلى مهاجمة أهداف إسرائيلية وأمريكية في المنطقة، بحجة التضامن مع غزة!
وبعد هجوم حماس ردت إسرائيل بهجمات جوية وبرية مكثفة، وأعلنت أن هدف العملية هو التدمير الكامل للهياكل العسكرية لحماس وسحق هذه المجموعة.
ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، فر أكثر من مليون من سكان شمال غزة إلى المناطق الجنوبية، كما أفادت وسائل الإعلام أن عدد الضحايا في غزة 23 ألفاً و357 وعدد الجرحى 59 ألفاً و410.
لقد مرت الأزمة بين غزة وإسرائيل شهرها الثالث وما زالت مستمرة، ولا توجد لها نهاية واضحة في الأفق.
خلق أزمة من قبل الحوثيين في البحر الأحمر
كانت إحدى عواقب الأزمة بين غزة وإسرائيل هي تعريض النقل البحري عبر البحر الأحمر للخطر، وبدعوى “الدفاع عن حقوق أهالي غزة”، هاجم الحوثيون السفن التي تمر عبر هذا الطريق، بحجة أنها تابعة لإسرائيل أو أنها تحت تصرف إسرائيل، بصواريخها وطائراتها المسيرة، حتى باتت التجارة في العالم تعاني من انعدام الأمن بشكل كبير.
ومن الجدير بالذكر أن الممرات المائية الحيوية مثل قناة السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز تقع في المنطقة الواقعة بين جنوب غرب آسيا وأوروبا وأفريقيا.
وهدد النظام الإيراني بإغلاق مضيق هرمز بالاعتماد على ذراعه العسكرية، وخاصة البحرية التابعة لحرس الملالي، وهاجم مراراً حرية الملاحة في هذه المنطقة وخلق أزمة.
وقد هاجم الحوثيون – باعتبارهم قوة شريكة ووكيلة للنظام الإيراني في اليمن – مراراً وتكراراً السفن التي تمر عبر باب المندب، حتى قبل الأزمة الحالية.
وكل من له يد في السياسة والعلاقات الدولية يعرف أن إيران نظام تدخلي يطمح إلى إنشاء إمبراطورية إسلامية، وقد استخدم قواته الوكيلة، بما في ذلك الحوثيين، لتحقيق هذه الفكرة أو الرغبة.
ويجب القول على وجه اليقين أن الحوثيين لن يتخذوا أي إجراء دون توجيه وإذن من النظام الإيراني، رغم أن النظام يدعي أن ما يحدث لا علاقة له به وأن الحوثيين يتصرفون بشكل مستقل.
علاوة على ذلك، في حالة حماس، فهو يكرر نفس الادعاء باستمرار لأنه يهرب من عواقب الحرب المحتملة، ومن هذا المنطلق تأتي تناقضات المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني (رمضان شريف) وغيره من مسؤولي النظام وقادته فيما يتعلق بطوفان الأقصى.
عملية عسكرية مشتركة ضد الحوثيين
بعد أزمات متكررة، توصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى نتيجة مفادها أنه لم يعد بإمكانها غض الطرف عن تهديدات ومخاطر الحوثيين.
ولهذا السبب، أولاً من خلال التشاور والإجراءات الدبلوماسية وإعطاء تحذيرات واضحة، ثم تشكيل تحالف متعدد الأطراف وإرسال قوات عسكرية بالمعدات اللازمة إلى المنطقة، وبعد ذلك تم وضع العمل العسكري ضد الحوثيين على جدول الأعمال.
وأعلن سلاح الجو الأميركي أن القوات الأميركية وحلفائها استهدفت أكثر من 60 نقطة في 16 موقعاً تستخدمها ميليشيات الحوثي في اليمن.
وبحسب هذا الإعلان، فإن الأهداف تشمل مراكز القيادة والسيطرة ومستودعات الذخيرة وأنظمة الإطلاق ومنشآت الإنتاج وأنظمة رادار الدفاع الجوي، وتم استخدام أكثر من مائة قطعة من “الذخائر الموجهة بدقة” في هذه الهجمات.
وجاء في بيان نشره الرئيس الأمريكي بهذا الخصوص ما يلي: “بناء على أمري، نفذت القوات العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع المملكة المتحدة وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا، هجمات ناجحة ضد عدة قواعد للحوثيين في اليمن، والتي استخدموها لتعريض حرية الملاحة في أحد أهم الممرات المائية في العالم للخطر”.
وشدد جو بايدن في بيانه على أن هذه العملية جاءت ردا مباشرا على “هجمات الحوثيين غير المسبوقة ضد السفن في المياه الدولية في البحر الأحمر واستخدام الصواريخ الباليستية المضادة للسفن لأول مرة في التاريخ”.
قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
وافق مجلس الأمن الدولي، مساء الأربعاء 10 كانون الثاني (يناير) على القرار الذي اقترحته اليابان والولايات المتحدة لإنهاء هجمات ميليشيات الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر.
ويطلب هذا القرار من مليشيات الحوثي الوقف الفوري لهجماتها في البحر الأحمر، والاستيلاء على السفينة التجارية “جالاكسي ليدر” التابعة لإدارة اليابان والمرتبطة برجل أعمال إسرائيلي، إلى جانب طاقمها المكون من 25 فرداً، منذ 29 تشرين الثاني (نوفمبر).
وتنص الفقرة الرئيسية من القرار المعني على أن لأعضاء مجلس الأمن الحق في “الدفاع عن سفنهم ضد الهجمات، بما في ذلك الهجمات التي تقوض حقوق وحرية الملاحة” استنادا إلى القانون الدولي.
وقالت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، في اجتماع مجلس الأمن: “إن التهديد الذي يواجه الحق في حرية الملاحة في البحر الأحمر يمثل تحدياً عالمياً، لذا فهو يتطلب استجابة دولية”.
رد الحوثيين على قرار مجلس الأمن
وصف محمد عبد السلام المتحدث باسم الحوثيين هذا القرار بأنه “لعبة سياسية” واتهم أمريكا بانتهاك القوانين الدولية!
وأضاف في رسالة نشرت على موقع “إكس” الاجتماعي، أن “استهداف السفن الإسرائيلية أو السفن التي تتجه نحو الموانئ الفلسطينية المحتلة” سيستمر في البحر الأحمر.
وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن القوات البحرية الأمريكية والبريطانية، مساء الثلاثاء، صدت “أكبر هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ” شنه الحوثيون المدعومون من إيران.
وقال بيان القيادة المركزية إن المتمردين الحوثيين استخدموا طائرات مسيرة إيرانية الصنع وصواريخ كروز مضادة للسفن وصاروخاً باليستياً مضادًا للسفن في هذه الهجمات التي نفذت ضد خطوط الشحن الدولية في جنوب البحر الأحمر.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الأربعاء في البحرين: “إن استمرار هجمات الحوثيين في اليمن على خطوط الشحن التجارية سيكون له عواقب، إيران تساعد هذه الجماعة في هجماتها، وقد أوضحنا لهذا البلد أنه يجب عليه التوقف عن دعمهم”.
كلمة أخيرة
يمكن القول إن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان ضرورياً، ولكن مقارنة بالتهديدات الفعلية، فقد تم اتخاذ خطوة صغيرة، ولا يزال الظل المشؤوم للتهديدات الخطيرة قائما ويجب الرد عليه.
والضربة التي يتلقاها الحوثي، كما هدد المتحدث باسمه، ليست ضربة ستقنع هذه الجماعة الخطيرة بوقف هجماتها.
وطالما أن النظام الإيراني في السلطة، فإنه لن يتراجع مطلقاً عن سياساته التدخلية وحروبه بالوكالة، وهذه هي النقطة التي ينبغي التركيز عليها، وتفسير المقاومة الإيرانية المعتمد على الفهم التفصيلي والعميق لنظام ولاية الفقيه هو أن «رأس الأفعى في طهران»!
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني