إبراهيم اليوسف
كتب لي، أن أكون على معرفة- ولو متواضعة- بعالم المواقع الإلكترونية في وقت مبكر، من حصولنا على تأشيرة دخول هذا العالم الافتراضي في أواخر العام 2000- بتشجيع من الشهيد مشعل ومساعدة أولى من الشاعر مروان عثمان ومتابعة من الصديق ثائر الجازي من خلال بعض أولادي- وباتت بعض مقالاتي تنشر في المواقع الأولى: الكردية والعربية، كي أدرك عن قرب كيفية النشر، بعد أن غدا الحديث عن طريقة مجرد إرسال إيميل بمناسبة لغز بالنسبة إلي. أتذكر أنه في نهاية تسعينيات القرن الماضي- 1998- وردتني رسالة بريدية إلى صندوق بريدي من جريدة الحياة ينصحني مرسلها باللجوء إلى البريد الإلكتروني. كانت الرسالة موجهة إلي اسمياً، بناء على موقف تم، ويقترح علي مرسلها باسم الجريدة استخدام- الإيميل- وكان هذا المصطلح غريباً علي، ما دعاني لأعرض الرسالة في سهرة ذلك اليوم، وفي حضور عدد من الأصدقاء الواردة إلي، ككنز، على الصديق اللغوي برزو عمر بعد أن عولت عليها الكثير، باعتباره كان مدرساً للإنكليزية، فراح يترجمها لي- حرفياً- وبأمان، من دون أن نتمكن من تشكيل صورة عن البريد الإلكتروني، الذي عرفته ملكة بريطانيا 1976 بعد أن أطلقه راي توملينسون في العام 1971، وعرفناه، بعد ثلاثين سنة، ما جعلني أضحك من نفسي عندما أعد لي أولادي- أول إيميل- ورحت أستخدمه، مقارناً بين واقع البريد الإلكتروني والصورة الخيالية غير المصدقة التي وردت في تلك الرسالة، لأتعرف على عالم المواقع الإلكترونية ظناً مني أن الحياة ستتوقف عندها!
ثمة مواقع كثيرة لها الفضل علي بنشر مقالاتي، ربما لم أعد قادراً على تذكرها كلها، فمنها: عامودا كوم- عفرين نت- كميا كوردا- ولاتي مه- تيريج- قامشلو- تربسبي- دربيسيي- كردستانا بن ختي- روج آفا- كسكسور- سوبارو- خاجيروك- سما- بالإضافة إلى أكثر من موقع شخصي، أو تابع لمنظمة ماف أو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد/ الرابطة…إلخ، بالإضافة إلى مواقع عربية: الحوار المتمدن- كلنا شركاء- أخبارالشرق..إلخ، ومعذرة جداً، لأسماء مواقع لا تحضر ذاكرتي، الآن، وقد خسرت أكثر ما كتب في هذه المواقع من مقالات على امتداد ما يقارب عقدين زمنيين، لأسباب عديدة: تهكير هذه المواقع، أو لعدم قدرة القائمين عليها على الاستمرار، إذ إن الموقع الإلكتروني يحتاج إلى متابعة وجهد كبيرين، لاسيما بالنسبة إلى المواقع التي تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة، في إطار قراءة المقالات والأخبار، وتحريرها، ونشرها، ناهيك عن الجانب التقني، وهذا- في حالة المواقع الكردية- يقوم به شخص واحد، وهو عمل جد شاق ومضن!
محمد سعيد آلوجي: يد بيضاء!
لا بد من الاعتراف بالفضل الكبير لأصحاب المواقع الإلكترونية الكردية التي نشرت الكثير من مقالاتنا، وغدت بمثابة ذاكرة كردية، من دون أن يكون هناك أي تمويل لها- في حدود معرفتي لمواقع الداخل- وكان تأمين إشغال مساحة إلكترونية- كموقع- متعبة بالنسبة لمن هم في الوطن، ولم يعمل في هذه المواقع أحد من الإعلاميين إلا وكان له دور مهم في إيصال صوت ذويه إلى العالم، ومن بين هؤلاء الصديق المعلم محمد سعيد آلوجي، وحين أقول: المعلم فلأن شقيقه إبراهيم آلوجي كان معلمي وأنا طالب صف سادس، وله فضل في التأثير علي، وكشف موهبتي، وهو ما كتبت عنه، وقد نشأت بيني والصديق أبي بلال علاقة جد جميلة خلال حوالي ربع قرن من الزمن- وهي امتداد لعلاقة عائلية- بين والدينا، أيضاً.
إذا كنت أعد كل موقع إلكتروني كتبت فيه باستمرار، بمثابة موقع شخصي، أكتب فيه، بملء حريتي، من دون قيود، فإنني لا أنشر في أي موقع إنترنيتي إلا إذا أحسست- بحميمية- العلاقة مع إدارته، بالإضافة إلى وجود قواسم مشتركة بيننا، وهو ما جعلني أقاطع بعد 2004 الصحافة السورية، كما قاطعت منذ احتلال عفرين الإعلام التابع لتركيا وقطر. ما يسجل للصديق المعلم أبي بلال أنه بعد تركه العمل في الموقع راح يسدد أجوره السنوية، قائلاً: أفعل ذلك من أجل الحفاظ على أرشيف كتاب الموقع، وعندما انعدمت حيلة الاستمرار فإن أول ما قام به هو أن أرسل إلي أرشيف مقالاتي في الموقع والذي أصبح جزءاً من محتويات كتاباتي في الانتفاضة والثورة!
المدونة الإلكترونية جهة نشر:
أجل، مازلت من هؤلاء الذين يحافظون على انبهارهم بمدونات- المواقع الإلكترونية- في ظل غياب الجريدة الورقية، من دون أن يحل ما أنشره في- الفيسبوك- مكان كتابات: الجريدة/ المجلة- الموقع، إذ إن هذه الكتابة لدي ليست إلا متابعة لما يدور من حولي، أو محاولات التفاعل مع محيطي، عبر لغة هذا الفضاء، من دون أن أولي هذه الكتابات أكثر من بعدها اليومي، وإن كنت- الآن- أشعر براحة ضمير وأنا أعود إلى بعض تواقيعي وإمضاءاتي، بل إلى كل ما كتبت، باعتباره، يشكل صورة عن تفاصيل الخط البياني منذ عقد ونيف من علاقتي الفعلية مع هذا العالم.
وباعتبار الإعلام الرسمي قد تلوث، وتتحكم به الشلل الثقافية- لاسيما الارتزاقية منها- والتي بات صوتها الأكثر هيمنة، بسبب الدفع المسبق الذي لا قيمة لها من دونها، وباتت تشكل- كتائب من الكتبة وأشباههم وبعض الأقلام الوازنة المكرهة لتأمين سبل معيشتها في ظل الحرب- فإن الموقع الإلكتروني يعد جهة النشر التي يمكن التعاون معها، لاسيما في ظل المهنية و وجود قواسم مشتركة في الرأي، وهو ما جعلني أحافظ على النشر في مواقع معدودة، بقي منها مجرد موقع واحد هو موقع ولاتي مه.
موقع ولاتي مه
لموقع ولاتي مه خصوصيته لدي، فقد كنت واحداً ممن شهدوا ولادته في الوطن، وكتبوا فيه إلى جانب- كميا كردا- وغيره، رغم كثرة المواقع الإلكترونية آنذاك، ورغم وجود موقعين يطلقان من منزلي، بالإضافة إلى موقع خاص- باسمي- تم تهكيره، وقد لاحظت لدى صاحب الموقع ومموله ومحرره ورئيس تحريره ومديره – وهو الصديق شفيق جانكير- الشرط المهني الذي قد أختلف معه- أحياناً- إلا إنه يسجل له- عناده- ومواجهته كل التحديات والصعوبات، وكنت واحداً من قلة يعرف: من صاحب الموقع؟ – بحكم صداقتنا- رغم إن كثيرين لم يعرفوه حتى وقت قريب، أعلن هو عن ذلك، على مضض، إذ إنه يعمل بصمت كجندي مجهول، وواجه تحديات متعددة: محاولة خطف ابنه بعد الثورة، بالإضافة إلى التحديات المالية- وهو ذو الدخل المحدود جداً- وقد غدا مع بدايات الثورة أحد أهم منبر لفعاليات الوطن، ويمتلك أرشيفاً كبيراً من الصور والمقالات التي استحصلها صاحب الموقع أو بعض المتعاونين معه. أو بعض كتاب الموقع، في فترة الثورة، لدرجة إنني أتصفح عدداً قليلاً من المواقع الإلكترونية- في أول كل صباح مع فنجان القهوة- يأتي موقع ولاتي مه في طليعتها وهو الوحيد كردياً منذ حوالي عشر سنوات.
إن هذا الموقع ليحتاج إلى اعتماده كذاكرة إعلامية ثقافية سياسية، ولابد من التعاون لصون هذه الذاكرة، ودعمها، كمؤسسة إعلامية ثقافية مهمة، بل إن القائم على الموقع لابد من تقديره ومنحه جوائز إعلامية رفيعة، لما يمتلكه من جلد وما يبذله من جهد، وها هو قد استقطب كتاباً سوريين وعرباً كباراً- منهم من لا يكتب في صحافة بلده- ويراسل هذا الموقع المستقل الذي لا علاقة له بأية جهة أو نقابة أو مؤسسة خارج تبعيته لصاحب الموقع الذي يستحق التكريم والاحتفاء.
موقع الحوار المتمدن:
لقد غابت عشرات المواقع التي كانت تعيد نشر مقالاتنا التي ننشرها في الصحف والمجلات، إلا إنه لم يبق لها من أثر، وها هو موقع رزكار الذي بدأت علاقتي به منذ عشرين سنة وتحديداً منذ تموز 2003، وفيه جزء كبير مما نشرت، وإليه- أيضاً الفضل في حماية أرشيفنا، وهو موقع عربي ضخم أطلقه الكردي اليساري- رزكار عقراوي من مواليد 1966- وبات قبلة للأحرار الذين يكتبون بالعربية- في أقل تقدير- وقد خصص للمئات من أمثالي مواقع فرعية خاصة بالإضافة إلى امتيازات افتراضية أخرى، وقد حظي موقعي الفرعي فيه بزيارة حوالي أربعة ملايين متصفح، وهو رقم كبير، إذا عرفنا أن شعراء كباراً دأبوا أن يطبع أحدهم ألف نسخة من كل ديوان له لمئات الملايين من القراء بلغته. صاحب الموقع رزكار عقراوي الذي تحول موقعه إلى مؤسسة كبرى يستحق التكريم والتقدير، إذ إنه من المواقع العربية الأكثر انفتاحاً على الرأي والرأي الآخر، وهو ملتقى للكتاب الأحرار، على امتداد خريطة قرائه التي تسع العالم الافتراضي، بملياراته!
لقد قررت مع بداية العام 2023 أن أكتب على نحو مطول عن هذا الموقع، إلا إن انشغالي على أرشيفي كان وراء تأجيل ذلك، إلى أن وجدت الفرصة ونحن نودع هذه السنة، على أمل أن يكون عام 2024 عام الخلاص من الظلم. الاحتلال. الدكتاتوريات. عام الحرية والتحرر والسلام لإنساننا وللعالم كله. هذا العالم الذي لا يفتأ أعداء البشرية. أعداء الشعوب يواصلون إضرام نيران مسح الحياة عن ظهراني كرتنا الأرضية!
النداء المستعاد
كنت اليوم- تحديداً- في دردشة مع الصديق الشاعر مرفان كلش المقيم في بريطانيا، وهو يسألني عن مكتبة الصديق سيامند إبراهيم في ذكرى رحيله، بعد أن أطلقت أكثر من نداء بحثاً عن كمبيوتره الذي بت أتوقع أنه راح ضحية سطو عليه- وقد تابعت الأمر مع أصدقاء أعزاء من كولن- إذ فيه مئات المقالات والعشرات من آلاف الصور، بالإضافة إلى مخطوطات وحوارات مهمة، إلا إنه ضاع أو ضيع- وكان قد سلم لمصلح كمبيوترات في كولن- وما عاد للراحل من أثر إلا في موقع ولاتي مه وربما في بقايا مواقع إلكترونية جد قليلة.
لذلك فإن نداء آخر، سابق على هذا النداء، أطلقته منذ أن توقفت مواقع كثيرة، وراسلت أصحابها عن كيفية استعادة محتوياتها، إذ إنها ذاكرة تاريخية ذات قيمة كبرى، ومن واجب جميعنا التحرك، وتشكيل لجان لاستعادتها، وقد تناقشت جدياً مع الصديق عبدالله دقوري ومع ابن الأسرة الصديقة عبدالسلام نيو، وأتذكر أن في مدينة قامشلي- برز طلبة إعدادية وثانوية- من كانوا خبراء في المواقع الإلكترونية، وخلال فترة زمنية قصيرة، بعد وصول الإنترنت إلى صحراء سوريا الإعلامي، من دون إتباع أية دورات، وقد حقق هؤلاء الشبان الكثير، وها أصبحت أعداد خريجي الجامعات الاختصاصيين، وحملة الشهادت الجامعية في مجال المعلوماتية و بالآلاف، ناهيك عن أعداد كبيرة من حملة شهادة الدكتوراة، وقد آن الأوان للاستفادة من خبرات هؤلاء، في مواجهة ثقافة التهكير وتلويث هذا الفضاء العظيم الذي يمكننا استثماره، على أكمل وجه!*
*
ظهر لي مؤخراً في القاهرة كتاب تنظيري في هذا الصدد بعنوان” العدوان الإلكتروني: توأمة الجهل وفوضى إعلام الديجيتال- 2023