تداعيات عملية «طوفان الأقصى»

رشاد شرف

بادئ ذي بدء، يجب أن نكون منصفين، لا نميل إلى أحد طرفي الصراع. لا شك أن أية بقعة أرض على وجه المعمورة ليست خالصة مخلصة لشعب ما خصه الله له وحده دون سواه. فحياة المجتمعات خوارزميات متحرّكة تنتقل من جيل إلى جيل آخر، أحياناً بإرادتها، وأحياناً تكون الشعوب مسلوبة الإرادة.
وما يغيّر ذلك إما ظواهر طبيعية كالبراكين والزلازل أو انزلاقات أرضية أو الطوفان أو الجفاف. هذا ماكان يحدث في غابر الأزمان ويبقى الإنسان لا حول ولا قوة له سوى النزوح والبحث عن بيئة بديلة تكون ظروف الحياة فيها أفضل.
في هذه الحالة كان البحث عن مكان غير مأهول في أرض الله الشاسعة. هذا قبل تشكُّل الإمبراطوريات والدول. لما تشكلت الإمبراطوريات، واستولت على أراضٍ واسعة، وحكمت الناس، وأوجدت عناصر القوة لديها أصبحت أمام تحديّات أكبر، وتفكّر في المستقبل لتأمين مصادر أكثر قوة لاستمرارها وديمومتها، ففكرت في التوسع على حساب شعوب وقبائل أخرى وغالبا لم يكن الطريق سهلاً ومعبداً فبدأت الصراعات والنفوذ والحروب التي جلبت على الإنسانية الدمار والخراب.
لنعد إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، صراع اليوم ليس محض مصادفة، بل متجذر منذ آلاف السنين. صراع ولد من رحم الديانات التوحيدية أو الإبراهيمية أو(السماوية). سمّه ما شئت، لكن المشكلة بدأت منذ كتابة التوراة عندما (قطع الرب ميثاقاً مع إبراهيم، لنُسْلِك أُعطي هذه الأرض……).
فبنو إسرائيل والكنعانيون كانوا جيراناً قبل ظهور الديانات التوحيدية وهنا نتذكر قصة من الكتاب المقدس (العهد الجديد) قصة المرأة الكنعانية التي أتت بابنتها السقيمة إلى السيد المسيح لمعالجتها، وهذا دليل آخر بتجاور الشعبين منذ قرون خلت، وللعلم لم يشهد ولم يسجل صراع ديني قبل ظهور الديانات التوحيدية حيث كان لكل شعب من الشعوب إلهه الخاص به، له عباداته وطقوسه دون أن يتدخّل أحد في شأنه.
الصراع إذن ديني، على من له الأحقية على المسجد الأقصى أو هيكل النبي سليمان كما تراها إسرائيل. 
بدأت حماس حربها وسمتها: بطوفان الأقصى، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على إسلامية فلسطين دون سواهم وعدم الاعتراف وتقبل الشريك الآخر، فحماس بغتت الجانب الإسرائيلي بالعملية النوعية، لكنها أخطأت بقتل المدنيين وأسرهم واقتيادهم إلى أنفاقها التي لا تعد ولا تحصى حسب المراقبين. هذا ما جعل الرأي العام العالمي والغربي بشكل خاص أن يتعاطف مع الجانب الإسرائيلي، والزعماء الغربيين يتوافدون إلى إسرائيل لدعمها ومساندتها. ولا يخفى على أحد بأن حماس رغم مظلومية الشعب الفلسطيني وله الحق في الدفاع عن حريته، بأنه ذراع من أذرع إيران، ويعلن ذلك قادة حماس نهاراً جهاراً، ربما أدركت حماس بأنها أصبحت وحيدة في الساحة، وأدركت بأن شعارات إيران لم تكن سوى فزاعة في فنجان، ما أدى بخالد مشعل على قناة العربية  إلى الاستنجاد بأردوغان ولم يلق آذانا صاغية.
الحل يجب أن يكون فلسطينياً، والصراع لن ينتهي إلا بقبول طرفي النزاع بأن هذا الأرض لكلا الشعبين وتقبُّل بعضهما البعض كواقع حال.
لا يستطيع أحد أن يخلع شعباً متجذّراً في القدم على أرض أجداده بالقوة، لأن الخيارات لم تعد متاحة لذلك بعد تشكُّل الدول والخرائط، وإن حصل ذلك نكون قد بذرنا بذرة صراع سوف تنمو بعد حين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…