المخاض العثماني وانهيار الدولة.. الترتيبات التي رافقت السقوط – القسم 6

وليد حاج عبدالقادر / دبي
لم تكن المدافع فقط هي التي تصر ان تبقى تلعلع في فضاءات الدول ، والجيوش تصر ان تحدث خرائطها تقدما او تراجعا  ، بالترافق مع انهيار شبكات الحدود بين الدول ، ووسط كل هذا المخاض كان ويلسون قد وصل الى سدة الرئاسة الأمريكية والذي بدا نشطا لبرنامج مليء بالآفاق التي من الممكن فعلا ان يهدئ ، لابل يخرس هدير الدبابات والمدافع والطيران ، تلك المبادئ التي اعلنها في ١١ / ٢ / ١٩١٨ في حديث له بالكونغرس حيث اطلق مبادرة ارتكزت على مبادئ اربعة ، يتوجب الإستناد عليها في ايجاد اية تسوية للصلح ، وقد حدد في المبدأين ٢ و ٣ مايلي : 
٢ – لايجوز مقايضة الشعوبى والمناطق ونقلها من سيادة الى سيادة اخرى ، وكأنها متاع أو بيادق في لعبة فيها توازن قوى ، حتى اللعبة الكبرى التي نبذها الجميع .. ولكن تشملها هذه الحرب ..٣ – كل تسوية إقليمية يجب ان تتم لمصلحة ومنفعة السكان ذوي العلاقة .. وألا تكون جزءا من أي توافق او حل وسط للمطالب بين الدول المتنافسة ..  وفي يوم ٤ تموز من ذات السنة اي عام ١٩١٨ ألقى خطابا حدد فيها وبوضوح اكثر الاهداف الأربعة ( التي تحارب امريكا و شركائها من اجلها ) والتي تتضمن ( تسوية كل مسألة سواء كانت مسالة استقلال او سيادة ، لابل وحتى ترتيب اقتصادي ام علاقة سياسية على اساس المصلحة المادية او الفائدة لاية دولة او شعب آخر ، والتي قد ترغب في تسوية ربما تختلف وذلك ضمانا لنفوذه الخارجي او حتى سيطرته الخارجية ايضا ومن جديد ) ١ . هذه الطروحات – المبادئ التي طرحها ويلسون والاي لاقت بترحاب وحماس شديدين ليس من قبل الحكومات بل في العالم اجمع .. اما كاتب سيرة وولتر ليبمان فقد كتب في هذا الخصوص ( .. في البداية كان الامر محيرا ل ليبمان .. حيث افترض ان ويلسون قد نسق خطته مع الحلفاء قبل ان يعلنها . ولكن ويلسون لم يكن قد فعل ذلك وذلك لسبب وجيه ، حيث كان يعرف انهم سيرفضونها ، وحينما أخفق فعلا في اقناع الحلفاء بنبذ المعاهدات السرية ، سعى بكل جهده لإقناع الشارع الأوروبي للضغط على حكوماتها ، ولكنه فشل في ذلك ، وعليه فقد تحولت تقاطه ال ١٤ مجرد اعلان أمريكي ومن طرف واحد وليس بالمطلق كبيان سياسي صادر من الحلفاء ، وتبقى هنا كلمة حق يتوجب قولها وأن هذه النقاط كانت تمثل تحديا للحكومات ليست الحليفة فقط بل حتى الأعداء ٢ . ولعل النقطة ١٢ لم تكن هي بالمطلق وحيدة الجانب فحسب ، بقدر ماكانت تنطوي في الأساس على مفارقة مكشوفة ، ففي حين كان الرئيس ويلسون يطالب بفكفكة الإمبراطورية العثمانية ، والاي لم تكن امريكا معها في حالة حرب ، ، ومع كل هذا فقد بدت هناك مفارقة اخرى ايضا حينما اعلنت امريكا الحرب على المانيا وبعدها على النمسا – هنغاريا وذلك دون اعلانها على حلفائهما في ذات الوقت . ٣ . وفي العودة الى مفردات الجغرافية بخرائطها المضوعة باتقان ، وسنعرج بإختصار على مطلب العودة المستقبلية إلى صهيون والتي لم تكن سوى مجرد رؤيا خلاصية ، ولكن اوروبا هي من حولتها الى ايديولوجيا ذي برنامج سياسي معاصر وبدا واضحا بان احد اهم الأفكار المعبرة عن تلك المرحلة ، هي ذات الافكار التي زرعتها الثورة الفرنسية ، هذه الافكار التي اينعت وازدهرت على قاعدة ( ان كل امة ينبغي ان يكون لها بلد مستقل رغم ان مفهوم الامة ومن الذي يشكل امة كانت قليلة النقاش ) ، ولعله من المفيد هنا التذكير بالدور الكبير الذي لعبه الثوري الإيطالي – جيزيني ماتزيني  –  والذي عد من ابرز الدعاة بوجوب إطلاق الحرية لكل أمة كي تنال حقها المصيري وتمارس خصوصياتها بكل حرية فتساهم الى جانب الشعوب الاخرى العيش المشترك ، وعليه فأن مصالح قومية كل امة لاتخدم بالضرورة مصالحها الخاصة بقدر ماتخدم مصالح جيرانها ايضا ، وعلى ذات المبدأ ناضل جيزيني غاريبالدي زميل ماتزيني ( وهو لازال يعد من اعظم ابطال إيطاليا ) من أجل ايطاليا ، وقد ظهرت اجتهادات ورؤى طرحت نقيض هذا التوجه ، ولعل اهمها هو أن احد اهم الأسباب الأساسية لمصائب العالم هو ان بعض الأمم قد حيل بينهم ودون تحقيق وحدتهم واستقلالهم ، وهذا الامر هوةما ارتكز عليه ماتزيني وانصاره بوجوب العمل على تغييره سواء بالحروب او الثورات . وهذا البرنامج للأسف تم اختطافها من القوى اليسارية واليمنية ، خاصة في المانيا التي توحدت على يد بسمارك ، وكافور في ايطاليا ، ، وليصبح هذا البرنامج موضوعا حيويا في البحث السياسي المشترك في اوروبا وعلى أرضيتها خطت القومية خطوة أخرى في مسار الحرب الاهلية السويسرية عام ١٨٤٧ والامريكية مابين عامي ١٨٦١ و ١٨٦٥ وذلك حينما حاولت ٧ كانتونات سويسرية متحدة كونفدراليا و١١ ولاية امريكية متحدة ايضا كونفدراليا ، ان تنفصل ولتسحقها في الحالتين جيش الحكومة الفدرالية ، وبناء عليه فقد فرض على الشعوب ان تتوحد في امة واحدة شاؤوا ام أبووا ، ، ويمكننا ان نستنتج ببساطة جانبا مظلما في القوميات المتشكلة مجددا ، وهو عدم التسامح مع المجموعات المختلفة عن الاكثرية ، كحالة اليهود مثلا ففي البيئة الوطنية في اوروبا الغربية اتخذت المسألة اليهودية جدلا مستجدا ، وعلى سبيل المثال : هل يهود المانيا هم ألمان ؟ وعلى ذات المبدأ يهود فرنسا ؟! وعلى فرض انهم كذلك ؟ فماذا عن هويتهم الخاصة ٤ . وهنا برزت وللضرورة فكرة ان : الحل القومية كانت العلاج الشافي لتلك الازمات جميعها ، وبدا من المحتم ان تطرح مثلا الحل القومي للمشكلة اليهودية ، ولوحظ كيف أنه بالفعل بات امرا محتما ، وفي الواقع فأن الوحدة القومية على قاعدة تقرير المصير ضمن كومنولث يهودي مستقل وقد صيغ بلغة تعبيرية بليغة التعبير كان قد توصل من صاغوها الى استنتاجاتهم وايضا بصورة بسيطة ، وعليه وبكل بساطة نستطيع القول بانه لم يكن تيودور هرتزل اول من صاغ مايشبه هذالبرنامج ، بقدر ماكان هو من اعطاه تعبيرا سياسيا ملموسا ٥ 
……
هوامش : 
١ – الصفحة ٢٨٩ سلام ما بعده سلام تأليف داڤيد فرولكين ترجمة أسعد كامل إلياس ١٩١٤ / ١٩٢٢ مؤسية الريس للكتاب والنشر 
٢ – المصدر السابق صفحة ٢٩٠ 
٣ – المصدر السابق صفحة  ٢٩٠ 
٤ – المصدر السابق صفحة ٣٠٥ و ٣٠٦
٥ – المصدر السابق صفحة ٣٠٥ / صفحة ٣٠٦

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…