وليد حاج عبدالقادر / دبي
في هذا القسم سأحاول التركيز على بعض من الأزمات البنيوية داخل جغرافية السلطنة العثمانية التي كانت تعاني في الاساس منها ، هذه الأزمات البنيوية التي تكررت ، وشكلت في احايبن كثيرة حالة لم تكن من الترهل فقط بقدر ماتراكم فيها واحتدم حجم الصراعات البينية إن في اروقة قصور السلاطين أو أطماع الدول الخارجية بقدر ما تراكم فيها أصلا من هيجان بنيوي داخل الدولة ذاتها ، وكانت اشدها هي تلك القلاقل والصراعات لشرائح مختلفة من قوميات أوطوائف كما اديان لابل وحتى مذاهب ، وبعضها كانت تؤجج بفعل تدخل دول خارجية فيها ،
فتدفع بمجموعات إثنية مستغلة ممارسات السلطنة واضطهادها ، فتثور انتفاضات وقلاقل عبر أذرعها ولتنفجر ثورات للصغط على آستانة والتي كانت تطالب في الظاهر بحقوق فئة او شريحة ما ، ولكنها في الواقع لم تستطع بكل مسمياتها ( تلك الإنتفاضات ) ولفترات طويلة ان تتجاوز التوصيف الذي عرف بها أي كونها أداة ضغط تستثمر لغير اهدافها المعلنة ، وفي العودة الى بنية السلطنة العثمانية وتشكلها العرقي بشريا والممتدة على مساحات واسعة كما اسلفنا سابقا حول تشابكات الملل والنحل ومن ثم الاديان والمذاهب وتناقضات البنى المجتمعية ، كل هذا الخليط كان مكشوفا تماما للقوى التي اخترقت بنى كثير من التركيبات واغلب الدول المنخرطة كانت لكل منها وشائج او اسست لها على مدار السنين ، ولعل الأرمن هم من اكبر المجموعات التي سعت غالبية الدول الاوروبية ، وكل على حدة ووفق مصالحها الاساسية ، سعت منفردة من جهة ، وان كانت تستند في الأساس على هدف رئيس ترتكز على استراتيجيتها ومصالحها الرئيسة في هذا الجزء من العالم ، وباختصار فقد برزت الازمة الارمنية ونمت وتصاعدت وركزت عليها روسيا واوروبا وكل يدفعها الى الزاوية التي يريدها ، فيما كان الأرمن او غالبيتهم دعاة انعتاق من قوة جبرية محتلة تسعى لنيل حقها المشروع ،فثاروا على الدولة العثمانية ، ونفذوا عمليات عسكرية من خلف الحدود الروسية مستفيدة مما كانت تقدمها لهم حكومة قيصر ، هذه العمليات التي بدا واضحا للترك بان عمقها الإستراتبجي هي الاراضي القيصرية ، ومع اشتدادها خلال عامي ١٩١٤ و ١٩١٥ ومن ثم شدتها والتي تجاوزت الحدود لتصل الى عمق الدولة العثمانية وتحديدا الى شمال شرقي الأناضول حيث انخرط فيها ارمن هذه البقعة اي المنطقة المحاذية لارمنيا الوسطى الروسية ، وهنا اصبحت ارمينيا ( المحتلة من قبل تركيا ) البقعة الأهم ونقطة الهجوم الرئيس التي انطلقت منها هجوم الجيش العثماني بقيادة انور باشا على هضبة القوقاز ، حيث كان الهدف الرئيس الذي اعلن كغاية للهجوم الذي تم في عام ١٩١٥ واجتاحت الارض ( التركية ) وحيث ان الارمن هم من الديانة المسيحية ، فقد تضامنوا مع الروس ، وانخرطوا فيها وهناك من يصر ايضا وكوجهة نظر الى أن المشاركة فيها لصالح الروس كان هناك اكثر من عامل وسبب شكل دافعا رئيسا عند الارمن هو توقهم في الإنعتاق من الإحتلال العثماني وأيضا الثأر لفظاعات هذه الدولة مستذكرين وكسريالية كانت قد اعتادت عليها قوات الجيش التركي ووحشيتها في استهداف هذا الشعب وفظاعة المجازر التي ارتكبت في اعوام ١٨٩٤ و١٨٩٥ و ١٨٩٦ و الابشع فيها ما تم في عام ١٨٩٠٩ حيث كانت لاتزال ذكرياتها في اذهانهم ، وكانت غاية انور باشا الحقيقية ( .. واضحة في إثارة النعرات وخلق توترات بين مكونات المنطقة وذلك في تسعير اغلبيتها )
وذلك في الإستناد اصلا على وجود بعضها .. اما ماذا فعل وكيف اوجد او مهد السبيل لإشعال فتيل تلك الفظائع ؟ . هذا السؤال الذي كان يطرح ذاته باستمرار على القادة الترك الذين كان اعتقاد غالبيتهم يرى بان اعمال التخريب التي كانت تتم عبر الحدود فيما بين عامي ١٩١٤ و ١٩١٥ كانت تتم بالتعاون بين الارمن في الاناضول القاطنين كانوا في شمال شرقي الاناضول باتجاه ( المنطقة المحاذية لأرمنيا الوسطى الروسية ، ولهذا اعتبرت تركية بان ارمينيا التركية هي قاعدة مصدر تلك الهجمات ، وعلى اساسها شن انور باشا هجومه على هضبة القوقاز ، وبدا جليا الهدف فيما بعد خاصة عندما انحدرت ( .. الجيوش الروسية ايضا بدورها من القوقاز في عام ١٩١٥ لغزو تركيا وبما ان الارمن مسيحيون فقد كانوا يؤثرون القضية الروسية على القضية التركية .. ) . ولتتالى المجازر الوحشية التي تعرضوا لها من قبل الجيش التركي في اعوام ١٨٩٤ ، ١٨٩٥ ، ١٨٩٦ وابشعها كانت في عام ١٩٠٩ والتي لاتزال آثارها وذكرياتها كألم وفاجعة ترهق الذاكرة البشرية وبالأخص ما كان قد خطط له المجرم انور باشا واتخذه كهدف وهو إثارة النعرات لنشر الكراهية بين مكونات المنطقة .. . وبصفته وزيرا للحربية وطلعت وزير للداخلية في اوائل العام ١٩١٥ فقد زعما بان الارمن يؤيدون روسيا وبشكل مكشوف ، وقد اخذوا يمارسون العنف الجماهيري وبناءا على ذلك اتخذوا قرارا بترحيلهم جميعهم من الولايات الشمالية الشرقية الى خارج الاناضول ، وإلى اللحظة وكما مواقف كل الحكومات التركية المتعاقبة التي تصر بأن ( .. المتمردين الارمن وبتحريض من روسيا القيصرية وبدعم منها ، سعوا الى إقامة دولة ارمنية في منطقة كانت غالبيتها تركية ، وانه قبل عمليات الترحيل ارتكبت القوات الارمنية مجازر ضد السكان المسلمين في مدينة وان واستركت في هجمات خاطفة على جناحي الجيش التركي وكل هذا استنادا على كلام السفير التركي سوكرو ايليكداغ الى رئيس تحرير نيويورك تايمز ايار ١٩٨٣ صفحة ٢٢ ،* .
إن عمليات الترحيل التي مارسها طلعت وزير الداخلية لازال الناس يتذكرونها بمآسيها ووحشيتها التي تضرب بها المثل ومارافقها من جرائم اغتثاب للنساء والضرب حيث بديتا كامر شائع ، وممن نجا من الموت وشرد في الجبال والبوادي من دون ماوى او طعام وشراب ولينهار في النهاية وقد راح ضحيتها حسب الإحصائيات الارمنية حوالي ١،٥ مليون ولكن والى الٱن لاتزال الارقام مصدر خلاف .. ولكن كلمة حق هناىيجب ان يقال : لقد تم تدمير ارمينيا التركية وهلك نصف شعبها . ومن جانب آخر فقد وفرت هذه المجازر للدول الحليفة مادة دعائية كبيرة ، هذا الأمر الذي اقلق حلفاء تركيا الألمان وانمساويين وقد أثرت ايضا على تفكير الحلفاء وشروط التسوية معةالعثمانيين واتفقت كثير من الدول على انه لم يعد ممكنا الثقة بالعثمانيين وائتمانهم على السكان غير المسلمين لابل وحتى غير الترك ، وفي الواقع فقد وفرت هذه الظروف فرصة للحلفاء في التفكير لتقويض الإمبراطورية ولكنهم فوتوها عمدا ليتركوا الساحة لجمال باشا الذي انفرد من دون اعضاء القيادة الثلاثية لحزب تركيا الفتاة في اتخاذ خطوات يخلي نفسه من المجازر التي طالت الارمن والهدف كان هو الإبقاء على قنواته مفتوحة مع الدول الحليفة سيما بعد هزيمته عند قناة السويس عام ١٩١٥ . وقد استخدم جمال باشا الجمعية السياسية الارمنية ( طاشناق تسوتيوم ) اي الإتحاد الثوري الأرمني ، رغم قناعته بانه يتم استخدامهم من قبل الحلفاء لهدف رئيس حسب تصوره وهو استخدامهم لأغراض دعائية ومع اقتراب نهاية عام ١٩١٥ وفي نهاية شهر كانون الأول أخبر زافرييف وهو مبعوث طاشناق لدى الحلفاء الحكومة الروسية بأن جمال مستعد للإطاحة ب ( الحكومة العثمانية ) ..
يتبع
…