الشرق الأوسط لن تكون كما هي عليه الأن

د. محمود عباس

قالها رئيس وزراء إسرائيل (بنيامين نتنياهو) كرد فعل على: 
1- الجرائم البشعة التي أقدمت عليها عناصر الحركتين، حماس والجهاد الإسلامي، منها قطع رؤوس الأطفال وبعض المدنيين في القرى اليهودية المحاطة بقطاع غزة، العملية التي لا تمت إلى منطق المطالبة بالحرية والتحرر، بل نابع من الكراهية الدينية، التي تستند عليها الصراع التاريخي الطويل.
2- الطعنة الرهيبة التي تلقتها استخبارات قوات إسرائيل العسكرية، والتي كانت في حالة الإهمال بسبب الثقة المفرطة بعدم قدرة أو جرأة المنظمات الفلسطينية القيام بأي هجوم عليها أو على المستوطنات المحيطة بقطاع غزه، ولذلك كانت تترك بدون حراسة مناسبة، خاصة في أيام السبت. 
 تصريح عميق سياسيا، ومتشعب الأبعاد، قد يعني بها الواقع الجيوسياسي لكلية جغرافية الشرق الأوسط، وربما الأنظمة ذاتها، والمنظمات الإسلامية التكفيرية المسيطرة على قطاع غزة، وقد تطال الحكومة الفلسطينية.
  لم يصدر مثله من أية شخصية اعتبارية لدولة كبرى أو إقليمية رغم الحروب التي خلفتها الربيع العربي في الشرق الأوسط، ولا يعني هذا أنهم لا يتباحثون فيه سراً. وعلى الأرجح قالها نتنياهو بعد حوارات مع رؤساء دول كبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وحصوله على دعم لطرحها كتهديد على أقل تقدير، وبها يكون قد أعاد إلى الحياة ما جرى قبل قرن من الزمن ويوم رسمت بريطانيا وفرنسا خريطة الشرق الأوسط الحالية، وخلقوا الدول اللقيطة والمسماة جدلاً بالأوطان.
  في الواقع العملي، إسرائيل لا تملك القدرة العسكرية ولا الإمكانيات الاقتصادية، لتحقيق ما ذكره نتنياهو، وفيما إذا كان جديا في القول وليس ردة فعل على الصدمة، لا بد وأنه بنى قوله على مخططات الدول الكبرى المسربة إليه، منها بناء رسم الحدود الجيوسياسية للمنطقة، والتي بها قد تعاد للقوميات التي غبنت حقوقهم في اتفاقية سايكس بيكو، سيادتهم على جغرافياتهم، وفي مقدمتهم حقوق الشعب الكوردي، والأمازيغ، والقبط، والفلسطينيين، وغيرهم.
 حكومة نتنياهو وحزبه، أو اللوبي اليهودي المؤيد، سيعتمد على الدبلوماسية المتشعبة التي تملكها الحركات الصهيونية العالمية، ولوبيها، والمنظمات اليهودية المسيطرة على الرأسمال العالمي وشبكات الإعلام والسينما بكل مجالاتها، وإلى حد ما الدور اليهودي في إدارة الحكومات. 
 لا يستبعد نجاح المخطط، إذا تلاءمت مصالح الشركات الرأسمالية العالمية مع التغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط، بغض النظر عن معارضة الحركات الدينية اليهودية المتطرفة، والتي لا تقل راديكالية عن الإسلاميين التكفيريين، لتكوين دولة إسرائيل، وهؤلاء لهم ثقل ديني وسياسي، علما أنهم يدركون أن زيارة المقدسات في القدس على سبيل المثال، لا يمكن أن تحدث كما تطلبه شعائرهم الدينية، بدون قوة حماية، وستكون شبه مستحيلة فيما إذا كانت تحت سيطرة حكومة إسلامية، فلسطينية أو غيرها، وبالتالي سيظل اليهود، بدون إسرائيل، وإسرائيل لن تكون لها مستقر إذا ظلت الخريطة الجيوسياسية، العربية وبعض الدول الإسلامية في المنطقة، وخاصة إيران وتركيا، على ما هي عليه الأن، بل وسيظل الشعب اليهودي بعيد عن تاريخ توراتهم، وممالكهم وملوكهم الذين معظمهم أنبياء في الديانات السماوية الثلاث.  
  العملية الإجرامية لحركة حماس، دفعت بظهور مثل هذا التصريح، ولربما دفعت بالدول الكبرى لفتح ملفاتها وإعادة النظر في ما تم تكوينه قبل قرن من الزمن، ومنها إعادة النظر في العلاقات مع المنظمات الفلسطينية، والدول العربية، وفي مواقفها السياسية وعلاقاتها الدبلوماسية، منها على المستوى الإستراتيجي، كانت في السابق ترجح طمسها، كالموقف الأمريكي، ومساندتها المطلقة لإسرائيل، والتي كانت تغطى تحت حجج محاولات تهدئة الشرق الأوسط، بعمليات التطبيع العربي مع إسرائيل، وخاصة ما كانت بصدده السعودية، ومنها على المستوى التكتيكي فتح الأبواب للشركات الرأسمالية العالمية التي حظرت العمل في العالم العربي وبعض الدول الإسلامية، لهويتها اليهودية، ومن ثم التبادل التجاري بين إسرائيل والدول المعنية، ولربما تخفيف أو إزالة الحواجز والجدار بين فلسطين وإسرائيل.
ظهرت قبل سنوات، وفي بدايات الربيع العربي، قبل أن يحل خريفه، دراسات ومقالات وخرائط عن الشرق الأوسط الجديد، والذي كان يقال بأنه مشروع دولي يتم  العمل عليه، وإعادة التشكيلة الجيوسياسية الحالية لمعظم الدول التي تكونت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، وخريطة دولة كوردستان هي من بين أبرز الجغرافيات المتواجدة فيها ظهورا، والأكثر رعبا للدول المعنية التي ستطالها التغيير، وهو ما أدت إلى احتجاجات متعددة الأوجه، وخاصة من قبل تركيا وإيران، من بينها الاحتجاج والتنديد ضمن الأروقة الدبلوماسية وعلى المستويات العليا، وتكثيف الاعتداءات على الحركة الكوردستانية،  في أجزائها الأربعة، وبأساليب متعددة، وتحريض إعلامي مضاد، من نشر المقالات الهجومية ضد الذين يقفون خلفها، إلى تهديد المواقع أو الجرائد العالمية التي نشرتها، ومن بينها نيويورك تايمز، اشتركت فيها الدول الأربعة المحتلة لكوردستان، والتي كانت  خريطتهم الجيوسياسية هي الأكثر تعرضا للتغيير.
 الخريطة والطرح أو الفكرة، ظهرت واختفت مرات عدة، حسب الظروف والحوادث الجارية في المنطقة، واليوم تم إحياؤها، حتى ولو إنها طرحت بلغة مغايرة، وعلى خلفية حدث كبير كارثي، من قبل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
ويبقى السؤال: 
إلى أي مدى الدول الكبرى ضليعة في هذا الطرح؟
وإن كان لهم دور في ظهور الفكرة، فما مدى جديتهم؟ 
هل التغيير تلائم مصالحهم في المنطقة؟ أي ألا يتعارض والطرح مصالحهم مع الدول المعنية بالأمر؟
وهل لهم القدرة على التغيير، مثلما تمكنت منه بريطانيا وفرنسا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية؟
هل ستقتنع الدول الكبرى عن قريب أن تحرر كوردستان ليس فقط لن تؤثر سلبا على مصالحهم مع الدول المحتلة لها، بل وستوسع من مساحات مصالحهم، وتعمق علاقاتهم مع دول المنطقة، وستخلق نوع من السلام في المنطقة، ليس فقط بين الكورد والشعوب المجاورة، بل بين اليهود والفلسطينيين؟
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
10/10/2023م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…