غرب كردستان بين الهجمات التركية والانقسام الكردي

عبد العزيز قاسم

لا شك أن الدولة التركية، باعتبارها دولة احتلال، وقيامها على مساحة شاسعة من كردستان التاريخية، تعادي الشعب الكردي وتعمل بالضد من إرادته وحقه في تقرير مصيره وعبر الأزمان والأمكنة منتهكة في ذلك أبسط وأهم مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان وشرعة الأمم المتحدة…
والمتتبع ومنذ الأزمة السورية وإلى الآن يلاحظ التدخل التركي في شؤون سوريا وبكل الطرق، مستهدفة بالأساس في منع تكرار تجربة إقليم كردستان العراق في سوريا، إذ عمدت إلى الاحتلال المباشر للمناطق الكردية في كردستان سوريا وما رافق ذلك من تهجير وترحيل بالقوة وحروب إبادة في المناطق المذكورة، بذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني، تسعى دائما وبكل السبل إلى إنهاء الوجود الكردي وطمس معالم كردستان، وكما يقول المثل الكردي: “المياه تتوقف، والعدو لا يتوقف.”  .
ومن أجل تحقيق أهدافها الواضحة والخفية فإنها ستفعل ما بوسعها كل فرصة تتاح لها دولية لإيجاد الذرائع لتحقيق أهدافها، وخاصة بذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني والذي للأسف غالبا ما يقدم تلك الذرائع على طبق من ذهب للنظام التركي.
لا تتوقف أطماع تركيا عند حدود (عفرين وسريكانية …) فقط، كما هو معلوم لكل كردي بحكم العداء التاريخي المترسخ في الذهنية الحاكمة لدى النخب التركية، بل وإنه وكلما سنحت الفرصة للاحتلال فإنها ستعمل جاهدة على احتلال كافة المناطق الكردية، وكلما أتاحت لها الظروف أو حتى من خلال خلق مسرحيات تراجيدية معتمدة مرتزقة ومأجورين.
فهي تسير خطوة خطوة بهذا الاتجاه ومنذ العام 2016 وإلى يومنا هذا محتلة العديد من المناطق الكردية في شمال غربي سوريا (جرابلس، عفرين، تل ابيض، سري كانية…) وهي ماضية في قضم واحتلال المزيد من الاراضي ورغم نفي مسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) وبوضوح وصراحة بأنهم لايؤمنون بالقضية القومية الكردية ولا يعملون من أجلها، بل من أجل “الأمة الديمقراطية!” اي ان مطالبهم ليس من أجل الكرد أو إقامة كيان قومي كردي!.
ورغم تلك التصريحات الواضحة والصريحة فإن الحزب المذكور، متهم بالانفصالية من قبل تركيا والمعارضة السورية وحتى من قبل النظام، وحيث أن المدافع والطائرات المسيرة التركية تحرق وبلا رحمة أرض وشعب كردستان وتدمر البنية التحتية الاقتصادية والمرافق العامة الأخرى بين الحين والآخر، فالأمة الكردية بأكملها مستهدفة من هذه الهجمات العدائية، فهي حرب إبادة ووجود، والأنكى من ذلك هي توقيت تلك الهجمات العدوانية في ظل الظروف الدولية والإقليمية الصعبة، فتركيا تقرأ الوضع الدولي وتستخدمه جيدا وتحاول دائما إبتزاز الغرب الأوربي من خلال العمالة الرخيصة والمهاجرين والسوق التركية كسوق استهلاكية للغرب إضافة إلى الحرب الروسية- الاوكرانية وفي ظل حالة الانقسام والتشظي والتفكك الكردي الحاصل!.
وكما هو معلوم، فالعلاقات الدولية تحكمها المصالح الاقتصادية المتبادلة مبنية على أساس المنفعة المشتركة وليست على القيم والأخلاق وحقوق الإنسان…
وبالطبع وكما أرى فإن الغرب الأمريكي والأوربي إنما يعملان وبحكم المنطق وفق مصالحهما، وكان على الكرد وسيما غداة تحقيق (قوات سوريا الديمقراطية H.S.D) المزيد من المكاسب الميدانية وتقديمها للعالم الحر، الكثير من التضحيات في السنوات القليلة الماضية من خلال مواجهتها لتنظيم”داعش” الإرهابي، ومع ذلك كانت لهذه القوات أن تأخذ العبر من التجارب السابقة والمرة في (عفرين ،سري كانيية وتل أبيض..) إزاء الصمت الدولي والأممي تجاه الجرائم العدوانية المتكررة والممنهجة من قبل الدولة التركية والاعتداءات الوحشية الآثمة والتي تعبر عن أحقاد الطورانية الدفينة ومعها أحقاد ممن يصنف في المعارضة السورية وممولوهم بحق الشعب الكردي وفي كل مناسبة وصولة، وفي الوقت نفسه وكما أسلفت فلا علينا أن نلوم الغرب أو الدول الكبرى وأن لا ننتظر منهم التحرك ضد الدولة التركية (فما حك ظهرك غير ظفرك)!!.
لكن للأسف ماتزال بعض الاحزاب الكردية صامتة وكأنهم غير معنيين بما يجري من هجمات متكررة وجرائم مستمرة بحق شعبنا، حتى تلك التي تدعي بتبنيها لل(المشروع القومي الكردستاني)، وحتى لا يقرون في بياناتهم بوجود احتلال تركي في المناطق الكردية المحتلة! 
ويمكن القول أنه: لا يوجد أي حزب أو فصيل سياسي يمثل الشعب الكردي والقضية القومية الكردية في سوريا.
وفي الختام، وتذكيرا بالهجمات التركية المتكررة على غرب كردستان، ينبغي على ان يلتفت إلى مما كانت تنادي به ألمانيا واليابان والهند بإحداث تغييرات قانونية في مجلس الأمن الدولي والتي تحتكرها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ومعها الصين ومن إصلاح للأمم المتحدة وهيئاتها المترهلة والمسيسة والتي تعمل وفق مصالح الدول العظمى الخمس الدائمة العضوية وهي: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا الاتحادية والصين الشعبية… فالفوضى العارمة إنما هي بمثابة الشرارة نحو حرب عالمية ثالثة ويتحمل عواقبها الدول الخمس المذكورة، نتيجة الاستقطاب الثنائي لكلتا الكتلتين الغربية والشرقية وكل منهما يعملان بعيدا عن المصالح الدولية العامة ومبادئ حقوق الإنسان ومنها القوميات الأقل عددا والتي هضمت حقوقها في خضم الحرب العالمية الثانية ومنها: الكرد والبلوش والأمازيع… 
إن المتتبع لحالة الانقسام الكردي الحاصل، ومن خلال قراءة التاريخ الطويل والبعيد للأحداث، سينأكد ان الشعب الكردي لن يبقى صامتا الى الأبد وسيكون رده على التشزدم الراهن جليا وسوف لن ينقطع الأمل عن هذه الأمة وستلفظ هؤلاء التجار المفسدين وممن يسمون بالساسة عن جسد هذه الأمة،  وتلك الأمة والتي هي كطائر العنقاء (سيمر) الذي ما أن يبدأ الموت يسري في جسده، حتى ينهض وينبعث من الرماد ومن جديد، وكما تقول الاسطورة هذه الأمة التي تعرضت للنكبات القاسية وعبر الأزمان، لم ينل منها الطامعون بعد ورغم أنها لا تمتلك اليوم منبرا للسيف أو للقلم بين دول الأمم المتحدة وهيئاتها، فلا مستحيل في عالم المتغيرات المتجددة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…