التشفِّي العربي من الكورد…سلوك بدائي

فوزي الاتروشي

  نفس الاقلام العربية التي تمجِّد النضال في فلسطين و تتنافس في الصراع و العويل على الحرية و الديمقراطية و حقوق الانسان، هي ذاتها التي اعلنت احتفالها بمناسبة اعلان تركيا احتمال اجتياحها لكوردستان العراق لاعادة المارد الكوردي الى قمقمه و اجهاض احلام و تطلعات الشعب الكوردي و ربط الاقليم الكوردي بالحاضنة العربية.

  هذه الاقلام موبوءة وانانية و غائبة عن حقيقة كبيرة بقدر قرص الشمس وهي ان سكان كوردستان العراق توفر لهم منذ عام 1991 مجال الانسلاخ عن الوطن العراقي و الانقطاع عن التعامل مع بغداد و المضي قدماً في خطوات تؤدي بالفعل الى المزيد من الاستقلالية و ربما الى الاستقلال الناجز.
وبعض الكتَّاب العرب لايملك حتى معلومات طالب الصف الابتدائي حين يقارن كوردستان باسرائيل و الاكراد باليهود و يمضي في النسج على منوال تهمة الانفصال و تقسيم الوطن و بيع النفط العراقي (ولايقولون الكوردستاني) لتوطيد اوتاد الدولة الكوردية المرتقبة.
   نحن لانستغرب من الاقلام الشوفينية التي لا تنتمي الى العصر و الاقلام و الاصوات التي مازالت تتصور ان الكورد قبائل جاءت من آخر الدنيا و استوطنت جبال كوردستان، او المنابر الاعلامية المموَّلة من الانظمة الرسمية العربية و من بقايا حزب البعث العراقي او نظام حزب البعث السوري الذي قتل قبل ايام شاباً في كوردستان سوريا و جرح اربعة آخرين لمجرد استعدادهم للتظاهر ضد تهديدات تركيا لكوردستان العراق.

انما مبعث الغرابة هو ان ينضمَّ بعض من نتوسَّم فيه الحكمة و التعقل و الرصانة الى حملة التشفِّي من الكورد و تحريض تركيا (الاسلامية)! لحماية (ارض العروبة و الاسلام)! في كوردستان العراق.

كم من الساعات صرفها هؤلاء المحمولين بالحقد و الكراهية، و كم من الصفحات اسودَّت بالشتائم و السباب و الكراهية ضد شعب هو الاكثر تعرضاً للحرمان في عالمنا المعاصر، و كم من الحبر سال لتشويه وجه الحقائق و تقبيح القيم التي يفترض ان تصان من قبل اناس اصبح ديدنهم الازدواجية و الكيل بمكيالين في قضايا الحرية و الديمقراطية التي لا تتجزأ حسب النزعات و الامزجة و تبقى قضية موحدة على طول العالم و عرضه.
   لهؤلاء نقول كوردستان بخير و هي لن تنتمي الا لعراق ديمقراطي و فيدرالي و بخلاف ذلك فلا قدسية للارض و لا حرمة لوطن لا يضمن الحدود القصوى لحقوق الانسان بالتساوي لكل المواطنين.

و كوردستان بخير حتى لو اجتاحتها تركيا فالمأساة الكوردية قادرة على اجتذاب شرائح هائلة من عشاق الحق و الحرية و العدالة في العالم باسره مثلما حصل في ربيع عام 1991 و هي قادرة على تعبئة رأي عام عالمي يمنع تركيا من الاجهاض على اول كيان كوردي سيادي وجد ليبقى و انتعش لكي يبعث بالامل لكل الشعب الكوردي في وطنه المجزأ كوردستان.

اما تركيا فانها اذا اجتاحت ستخسر المزيد من سمعتها المتآكلة اصلاً في اوروبا، و حزب العدالة و التنمية لن يفوز بنفس العدد من الاصوات في كوردستان تركيا في الانتخابات القادمة، مثلما ان الدوائر الاستراتيجية و السياسية و العسكرية في العالم ستتأكد مجدداً ان الديمقراطية التركية مازالت محكومة بحراب العسكر.

لذا فعلى الاقلام العربية المحرِّضة لتركيا ان تؤجل عرسها ليوم تحرير فلسطين، او ليوم توحد ولو بلدين من البلدان العربية من اصل (22) بلداً، او للحظة سقوط بعض الانظمة الاستبدادية التي جعلت العالم العربي الاكثر تخلفاً في سياقات التنمية العمرانية و البشرية و الانسانية.
   لاندري ماقيمة الاقلام التي تستهتر بحرية و مشروعية نضال (20) مليون كوردي في تركيا و بعدالة التطلعات الكوردية في العراق نحو عراق فيدرالي، و بحق اكثر من (200) الف انسان كوردي سوري في الحصول على الجنسية التي يحصل عليها اي مقيم في اوروبا او امريكا بعد (5-7) اعوام من الاقامة الدائمة.
   ان هذه الاقلام الصفراء هي ذاتها تتستَّر على قبح الانظمة العربية لتطلعات الاقباط في مصر، و البربر في المغرب العربي و شعب جنوب السودان، وهي التي باسم الديمقراطية تحاول لوي عنق الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي وهي لبنان.


ان التشفِّي هي لغة بدائية و بينها وبين البداوة وشيجة لاتنفصل و بينها و بين الحضارة بون شاسع، و الا فان ماحصل لكوردستان العراق على يد القوميين العرب كان كافياً لتحريض الكورد نحو الطلاق رغم انه مؤلم و بغيض، و كان كافياً ان يغرس في النفس الكوردية الشك و الظنون و اللايقين تجاه دعاة القومية العربية، ولكن ذلك لم يحصل و اثبت الكورد انهم قادرون على نسيان الماضي و التخلي عن المواقف الانتقامية و السلوك الثأري، ورغم ذلك تخندق القوميون العرب اكثر فاكثر في شرنقة التعنت و التعصب ولم يلجأوا حتى الى نفض الغبار عن انفسهم و تقديم اعتذار للشعب الكوردي الذي كتب عليه ان يعيش مع جراحاته الغائرة املاً في ان تشفى ذات يوم.

   نقول للكتابات العربية التي تتقدم الجيش التركي في التهويل و التزمير و التطبيل ان تركيا ستبقى مسكونة بالعقدة الكوردية و لن تنام قريرة العين الا اذا اعترفت ان خنق (20) مليون انسان و صهرهم في البودقة التركية امر مستحيل، وان العراق لن يعود كما كان قبل 9/4/2003 فدورة الزمان تمضي قدماً و كوردستان العراق ستبقى البيت الكوردي الآمن و اشعاعاتها لباقي اجزاء كوردستان امر منطقي و حتمي و من سنن الحياة فلا احد يمكنه ان يطالب الشمس ان تقطع حزمة ضفائرها او يجبر النور لعدم التسلل الى مواقع العتمة و الظلام.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…