الكورد والانعزالية الاختيارية.. (لا أصدقاء سوى الجبال ؟!)

الدكتور عبدالحكيم بشار 

  إن سببية فرض طوق الانعزالية التي سارت عليها الحركة الكوردية ضمن الإطار الأوسع في المجتمع عموماً، والكوردي السوري خلال أكثر من مئة عام هو السؤال الجوهري والأكثر إلحاحاً الواجب طرحه على أنفسنا بكل صراحة كلما دقت النواقيس: لماذا ليس لنا أصدقاء؟! 
 وهل العالم كله ضدنا؟! وإذا كان كذلك – فرضاً -.. إذاً فلماذا ضدنا وليس ضد غيرنا؟
  بالعودة إلى صفحات التاريخ الحديث – فضلاً- عن تكوين شعوب المنطقة، وهي معلومة للجميع أنها خليط من أربعة شعوب رئيسية وهم العرب (الأكثر عدداً) ثم الكورد، والترك، والفرس، وبأعداد متقاربة   وشعوب أخرى كالتركمان والسريان آشوريين، وغيرهم، فإن تاريخ نشوء دول هذه الشعوب الثلاثة بحدودها الحالية كانت بحدّ ذاتها أهدافاً للزحف الاستعماري ضدها قادمة من الغرب لمحاربتها والنيل منها، ولم يذكر التاريخ، ولو لمرة واحدة أن الكورد وحدودهم كانت هدفاً للغرب، ويبقى السؤال متواصلاً:
 لماذا فشل الكرد؟ بينما أُنشِئت الشعوب الثلاثة التي ذكرناها آنفاً دولهم، ونحن فشلنا في تحقيق الحد الأدنى من حقوقنا؟
وهل فعلاً بسبب كثرة تكالب الأعداء ضد الكورد؟
   إن الواقع الذي يعيشه الفرد الكوردي حالياً بالدرجة الأولى والمجتمع الكوردي بالدرجة الثانية من حالة العزلة التي فرضها بنفسه على نفسه  تُعبّر عن سيكولوجية الكورد خلال عقود متراكمة وأكثر، في الحالة السورية، وأقصد بها الشعب الكوردي في سوريا لم يشُذ عن القاعدة المفروضة بإرادته، حيث اختار الشعب الكوردي إذا استثنينا منهم  بعض الشخصيات الثقافية والبحثية المرموقة على سبيل المثال لا الحصر أمثال: (الباحث والمفكر إبراهيم محمود، والكتاب والأدباء والمفكرين السادة هوشنك أوسي وإبراهيم اليوسف، والأستاذ الحقوقي حسين جلبي والدكتور فاروق إسماعيل، والأستاذ عنايت ديكو والأستاذ جان دوست والأستاذ أحمد حسين، الدكتور عبدالباسط سيدا والكاتب المسرحي أحمد إسماعيل)  وقلة آخرين اعتذر لمن لم أذكر اسمه، وهو ضمن هذه المجموعة، هؤلاء قد كسروا بالفعل حاجز العزلة، ونجحوا في بناء علاقات متينة مع مختلف المكوّنات السورية، وبذلك نجحوا في تسويق القضية الكوردية عبر أبحاثهم، ونشر آرائهم ومقالاتهم، ونجحوا في تشكيل شبكة من الأصدقاء للكورد وقضيتهم العادلة، وبالمقابل ومن الجهة الأخرى نجد البقية من الكورد من السياسيين، والمثقفين والنشطاء والحقوقيين باستثناء قلة قليلة من كلّ شريحة قد فرضوا على أنفسهم  طوق العزلة الاختيارية عن المجتمع السوري. 
  ومن يتابع بتمعُّن كتابات بعض المثقفين، وبعض النشطاء الكورد المنشورة في متاهات مواقع التواصل الاجتماعي التي تجمعهم، قلّما تجد صديقاً سورياً ضمن مجاميعهم الكثيرة بل، وتكون نادرة في كثير من الأحيان.
    هل هذه العزلة هي بسبب الخوف والتوجُّس من رأي الآخر المختلف؟ أم أنها سيكولوجية متأصلة في شخصية الشعب الكوردي؟ بالمحصلة، النتيجة هي نفسها مزيداً من العزلة والانعزالية التاريخية.. والفشل في بناء جسور الثقة مع المقابل، والمزيد من الفشل في كسب الأصدقاء للشعب الكوردي.
  إن العلاقة بين العزلة التي نفرضها إجبارياً – بدون أيّ جدوى – على أنفسنا من جهة، وحقوقنا من جهة أخرى هي علاقة عكسية، تعكس تماماً مدى القوقعة التي توهّمناها، وكلما ازدادت العزلة ازدادت معها المسافة بين الشعب الكردي وحقوقه، وبالتالي تزداد مسافة الهُوّة بين ثقافة شعبنا وشعوب المنطقة، إننا لسنا أمام محكمة عدالة لتقرّ لنا حقوقنا المشروعة، بل نحن أمام واقع يتحرّك وفق المصالح والقواعد والشراكات الناتجة عن التفاهمات – البعيدة عن الانعزالية ومفهومها التقاعسي والتكاسلي-
   أن نكسر طوق العزلة التي فرضناها على أنفسنا، وأن ننطلق ضمن الفضاء الوطني إلى الساحتين الإقليمية والدولية يتوجّب علينا بالمطلق البحث عن المزيد من الأصدقاء ضمن قواعد كسب الأصدقاء لشعبنا وإتباع قاعدة أساسية هي أنه لنا الكثير من الأصدقاء، ولكن يجب أن نبحثَ عنهم بطريقةٍ سليمةٍ، وهو ما يضمن وصولنا لتحقيق أهدافنا المشروعة.
لقد ولى زمن لا أصدقاء للكورد سوى الجبال، الكورد شعب يستحق أن يكون له أصدقاء من مختلف الشعوب والأقوام.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…