إبراهيم اليوسف
إذا كنت أحد المعنيين بولادة منظمات المجتمع المدني- كردياً- في مرحلة ما بعد انتفاضة الثاني عشر من آذار 2004، وهو تاريخ ولادة أول المنظمات” الميدانية” الفاعلة ومنها: الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد- كما أرى، فإن اللجوء إلى إطلاق منظمات مجتمع مدني لم يكن ترفاً البتة، في لحظة التأسيس الأولى، هذه، وإنما كان نتيجة حاجة كبيرة إليها، في أحرج اللحظات التي مرَّ بها أبناء شعبنا الكردي في سوريا، في بدايات الألفية الثالثة، وذلك عندما تعرض لأول مؤامرة عليه، عبر تحريض آلة العقل العنصري: بقايا أيتام البعث في العراق وآلة النظام في سوريا، وما يتبعهما من أذناب، مختلفي الأدوات والمواقع، وكان ذلك بعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين، و وجد كرد- غربي كردستان- أنفسهم في مواجهة مخطط خبيث. لئيم. حيك ضدهم، وقد تناولت تلك اليوميات: بتفاصيلها، لحظة تلو أخرى، كما فعل كثيرون من الغيارى سواي.
لقد بدت الحاجة ماسة، في تلك المرحلة الزمنية المفصلية إلى توثيق الانتهاكات التي تتم بحق مواطننا، من جهة، وبحق بعض حملة الأقلام: ملاحقة وحصاراً وتضييقاً على اللقمة، من جهة أخرى، بعكس تهيؤات بعض- المرتجين على صفحاتهم كما يقول مثل عوام البداة- فلجأنا إلى إطلاق مؤسسات لرصد الانتهاكات، لتمارس دورها، اعتماداً على عدد قليل من الأعضاء، نتيجة واقع الاستبداد، ولننشر بيانات هذه المؤسسات عبر المواقع الإلكترونية الموجودة، ونتواصل مع المؤسسات الحقوقية: خارج الوطن وداخله، لتشكيل هوية هذه المنظمات- تدريجياً- إذ سرعان ما أوفدنا عدداً من الزميلات والزملاء إلى عواصم عربية وغيرها. خارج الوطن، لحضور دورات تدريبية، كانت الأولى من نوعها، بالنسبة إلينا ككرد مستقلين!
ظلَّ موقف الحركة الكردية، من المؤسسات الوليدة ما بعد آذار جدّ إيجابي، وانضمَّ عددٌ من ممثلي الأحزاب الكردية إلى هذه المؤسسات، وكان مؤتمر عامودا لمنظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف خيرمثال على ذلك، إذ كان” بعض” مسؤولي الأحزاب السياسية يدعون لنا ما لا يقع ضمن دائرة اهتمامهم من انتهاكات وملفات، ويتحاشى بعضهم مثلها مهما كانت حساسيتها، ولدينا أمثلة وأسماء في هذا المجال، بل اعتبر أكثر من سكرتير حزب ممن يمارسون الكتابة ذاته عضواً في- رابطة الكتاب والصحفيين الكرد- التي أعاد مؤتمر إيسن- ألمانيا اسمها إلى- الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، كما اسمها التأسيسي الأول الذي تمت التهنئة بموجبه من خلال رسالة للرئيس مسعود بارزاني، من خلال زميلنا الراحل توفيق عبدالمجيد. أحد الأعضاء المؤسسين الأوائل، وأسماء هؤلاء في القائمة الأولى المحتفظ بها لدى أمانة سر الاتحاد، مع أسماء من غادرمؤسسة الاتحاد لهذا السبب أو ذاك.
ورغم كل ذلك، فقد حاولنا ترك مسافة بيننا والمؤسسة الحزبية- أية كانت- لا نتدخل في أمرها، ولا نسمح لأحد التدخل في أمورنا، وهو ما نجحنا فيه، نظراً لاعتمادنا على أنفسنا في تمويلاتنا الصغيرة- وهذا محور أية استقلالية عملية لا إدعائية- وعدم مدنا الأيدي لأحد من الحركة الكردية في سوريا، ولا في إقليم كردستان، ولا مؤسسات المعارضة، ما جعلنا نمارس دورنا المدني- والنقدي إن لزم- من دون أية مساومة، بعيداً عن روح الضغينة التي يتدثر بها بعض النقد العدواني الذي ينتشر، الآن، في ظل ثورة المعلوماتية، وبعد سقوط جدار الخوف، وبات اتخاذ الموقف عبرالفيس بوك، أو البيان، أو حتى المقال، غير مكلف البتة، وبات تاريخ مزوَّر يكتب، بل بات هناك من يعمد إلى محاولة قلب الوقائع، وإسناد أدوار مستحدثة، خارج زمانها ومكانها لأنفسهم.
بدأ عدد الأعضاء المعلنين في أول مؤسسة لحملة الأقلام جدّ قليل، إذ إن هناك من كان يشترط علينا العضوية مقابل عدم إعلان اسمه، وهو ما تم، ليكون بعض هؤلاء من أوائل الذين تركوا المؤسسة، وانقلبوا عليها، بل منهم من صار يطرح اسمه بقوة، مع سقوط آلة الخوف، بعد سنة أو سنتين من الثورة السورية المجهضة التي حرَّف المرتزقة بوصلتها، ليفرغوها من محتواها، بعدما كانت معقد آمال السوريين، من أدنى البلاد إلى أقصاه، كما باتت المؤسسات الثقافية تكثر، وهذا حق طبيعي مع ازدياد أعداد الصحفيين والكتاب في المرحلة اللاحقة، وهي ظاهرة صحية، لأن المؤسسة النقابية الواحدة قد تضيق بأعضائها، وتتماهى المؤسسة المدنية مع المؤسسة المؤدلجة، بعكس مسار ودور الأولى، وإن كانت الانشقاقات التي تعرَّض لها الاتحاد، عبر العقد الماضي قد كان لها تأثير سلبي، في بداياتها، قبل أن يتم استيعاب هاته الحالات، وهذا أمر طبيعي، إن كان يتم وفق إرادة أعضاء المؤسسة، لا من خلال بعض الأعضاء التابعين إلى هذا الطرف السياسي أو إلى الآخر النقيض!
لن أشيد بدور الاتحاد خلال عقدي عمره، إذ إنه منذ تأسيسه انشغل كما هو مطلوب من أعضائه المشغولين بأحلام وهموم شعبه، وليس عبارة عن مؤسسة للمباهاة، أو لداعي ملء الفراغ أو النقص الوجاهي، لأن صفة- الكاتب- هي أعظم مرتبة في نظر أي من زملائنا وزميلاتنا، وما المؤسسة إلا إطار لتتويج جهود خدمة الآخر، ولذلك فإن تاريخ هذه المؤسسة هو تاريخ خدمة عضواته وأعضائه لرسالة ذويهم، من خلال الكلمة، وما من حدث مر خلال هذين العقدين، إلا وكان لهذه المؤسسة موقفها المشرِّف منه، صغيراً كان أم كبيراً، وفي أرشيف الاتحاد ما يؤكد مثل هذا الكلام الذي لا يمكن نكرانه إلا من قبل من يتعامى، في أبسط توصيف، ولن أسترسل- هنا- لأن تقويم المؤسسة أدعه للمنصفين المتابعين، وليس لأعداء النجاح الذين فشلوا في محطات حياتهم، أو هؤلاء الذين لا يريدون الخير لسواهم، حتى وإن كان في خدمة رسالتهم ذاتها، وهذا تماماً سبب ما نتعرَّض له من ويلات ونكبات، من جرَّاء تحاسدنا، وتضادنا، وغرقنا في معارك متسطحة جانبية يفتعلها بعضهم.
تأليب وكشف حساب!
تم التأليب على المؤسسات المدنية الأولى في سوريا، من قبل أجهزة النظام، وبعض الذين يخشون أدوارها، من لدن أدواتها و أزلامها و أتباعها، إلا إن المشتغلين الأوائل، في هذا المجال المؤسسي النقابي- سواء أولئك الذين سبقونا وعملوا في منظمات سورية أو الذين انخرطوا في أول المؤسسات المدنية الكردية- بإيمان كبير، وثقة مطلقة، لم يكترثوا البتة بما يعترض طريقهم من مصاعب الطريق- ومن بيننا من سجن أو هدِّد أو اضطرَّ للهجرة- وهذا ما جعل دائرة المشتغلين تتوسع، تدريجياً، في بداياتها، من قبل الذين كانوا في انتظار ولادة مؤسسات عاملة جادة في المجال المدني، قبل أن يتأسس الكثيرمن المشاريع المؤسسية في هذا المجال، في زمن التمويل الفوضوي، ولقد قيل لي: إن ميزانية تمويل منظمات شرقي الفرات في العام 2023 بلغت 500 مليون دولار، في الوقت الذي لا نكاد نتدبَّر أمر أجرة مكتب الاتحاد العام في الجزيرة، بأقل ما يمكن من نفقات لاتصل ال1500 دولار سنوياً، من تبرعات الزملاء، وإن كانت الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي- عبر الإقليم- يدعمان كل من جهته المنظمات التابعة له، وهو ما رفضناه، ونرفضه، لئلا نكون تحت تأثير أي طرف سياسي، ولئلا يسجَّل اسم هذه المؤسسة في سجل أية جهة ممولة ذات شروط مسبقة تنال من إرادتنا، وأشير-هنا- إلى إن الاتحاد العام لم يحصل إلا على أجرة مكتبه في ألمانيا- إيسن، خلال سنتين فحسب، ذهبت إلى حساب الإيجار الرسمي- مباشرة- بالإضافة إلى مبلغ 2000 يورو في العام 2020- لقاء مصاريف أنشطة كاملة- و1500 يورو عن العام الحالي، وهو كل ما وصلنا خلال عشر سنوات من عمرالاتحاد في أوربا، و لانقبل رفعه أكثر مما يلبي تكاليف احتياجاتنا، وهذا كل ما وصلنا، من دون أن نخضع لاعتماد أية برامج لا نؤمن بها، رغم إن مؤسسة الاتحاد العام ستحتفل في نيسان العام المقبل بمرور عشرين عاماً على تأسيسها، كأول مؤسسة نقابية لحملة الأقلام: كتاباً وإعلاميين في سوريا.
لقد تعرَّض الاتحاد العام للكتاب والصحفيين- كما اتحادات أخرى يتم استهدافها في إطار الجمع- خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مع ارتفاع وتيرة أنشطتنا للطعن والإساءة، عن طريق بعضهم، سواء على صعيد محاولة تقزيم دور هذه المؤسسة أو تلك، أو الافتراء عليها، في الوقت الذي تواصل مؤسستنا على سبيل المثال مسارها، بثقة وهمة عاليتين، مكتفية بالقليل الذي يردها من اشتراكات وتبرعات عضواتها وأعضائها، وهذا وحده أكبر رد على هؤلاء المغرضين، الذين لكل منهم دواعيه الاضطرارية التي يجيء أحسن حالاتها، نتيجة غلٍّ وحقد وعجز عن تقديم ما هو أفضل، وإلا فالمجال متاح أمامنا جميعاً، ولا نحمل الحقد على أحد من أهلنا- أياً كان- وفي مقدمتهم أخوتنا وأخواتنا حملة الأقلام- ونواجه السهام الخلبية لبعض الذين ينالون منت بروح الشفقة عليهم، لاسيما إذا تطور الأمر ببعضهم إلى درجة محاولة تشكيل حالات تشويه بحق الاتحاد، وهو ما لا ينطلي تشخيصه على المنصفين المتابعين، ولا على التاريخ الذي يسجل كل شيء، ولا تتوقف عجلته عند المنشغلين بإيقاف عجلاته ب”عصيهم” الهشة أو” الكرتونية”، كي تتوقف دورة الزمن، لأنهم مطالبون بتقديم ما هو أفضل، كي نصفق لهم!
*افتتاحية العدد118 جريدة القلم الجديد