كلمة وفاء لثورة أيلول وقائدها

صلاح بدرالدين 
 في استذكار مرور اثنين وستين عاما على اندلاع ثورة أيلول ١٩٦١ في كردستان العراق، لابد من تسجيل : 
  ١ – مقارنة باالثورات والحركات الكردية في كل من جزئي كردستان تركيا وايران وكذلك الانتفاضات السابقة في كردستان العراق خلال القرن الماضي، تعتبر ثورة أيلول بقيادة الزعيم الراحل مصطفى بارزاني من أولى المحاولات العسكرية – السياسية  الثورية الأكثر وضوحا، التي ربطت القضية القومية، بالمسالة الديموقراطية والكفاح ضد الدكتاتورية وتجسد ذلك بشعارها (الديموقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان).
٢– تميزت ثورة أيلول بشمولها لجميع مناطق، ومدن، وبلدات كردستان العراق بعكس الحركات المناطقية في مراحل أخرى، ومشاركة كل الاطياف، والاقوام فيها من كرد، وكلدان، واشوريين، وتركمان، وعرب .
 ٣ – للمرة الأولى استحوذت ثورة في جزء من كردستان ليس على اهتمام، ومتابعة اندلاعها وتطوراتها من جانب كرد الأجزاء الأخرى فحسب، بل شهدت مشاركة تضامنية  قومية – ولو رمزية – في صفوف البيشمةركة، كما ان تعبيراتها القومية السياسية من أحزاب ومنظمات وخصوصا اليسارية منها منذ البدايات (البارتي الديموقراطي الكردي اليساري في سوريا – الحركة الكردية بكردستان تركيا – جناح د شفان – حزبي ديموقراطي كوردستان – ايران وقيادته بذلك الوقت) اعتبرت بغالبيتها العظمى دعم ثورة أيلول بقيادة البارزاني واجبا، ومقياسا للوطنية الصادقة .
  ٤– قامت ثورة أيلول تعبيرا عن إرادة شعب كردستان العراق، وقادها زعيم مجرب عاصر وساهم في قيام جمهورية مهاباد بكردستان ايران، وقضى اكثر من عقد من الزمن في ظل تجربة الدولة الاشتراكية – الاتحاد السوفييتي – بكل ايجابياتها وسلبياتها، واختبرالعسكريين من قادة ثورة تموذ ١٩٥٨ ببغداد .
  ٥ – بالرغم من نكسة ثورة أيلول عام ١٩٧٥ لاسباب إقليمية – دولية،  الا انها حققت إنجازات كبرى في غضون أربعة عشر عاما على الأصعدة الاجتماعية بفرز الطبقات، والفئات بين مؤيد ومندمج بالثورة، وقلة وقفت مع العدو، وكذلك العسكرية في مجالات استيعاب البيشمةركة لأسلحة جديدة لأول مرة واكتساب الخبرة، وفي مجال تطور الوعي القومي وإقامة الدورات، والتعامل مع الصحافيين والإعلاميين الأجانب، وانشاء البث الاذاعي – راديو صوت كوردستان – وتكليف ممثلين للثورة في الخارج، واستقبال المتطوعين والانصار العراقيين من المعارضين للنظام، واكتساب خبرة كبيرة على صعيد التفاوض مع مسؤولي الحكومات العراقية المتعاقبة.
 ٦ – رسمت ثورة أيلول الملامح الأولية لافاق العلاقات بين اطراف الحركة السياسية في الأجزاء الأربعة، وللأهمية البالغة التي اولتها استلم الشخصية الثانية في الثورة الراحل ادريس بارزاني ملف تلك العلاقات، وقد أدى عامل الزمن، وأسباب أخرى ذاتية، وموضوعية دون اكتمال شروط الشكل المنشود لها، كما لم تتحقق خطوات جادة وملموسة في هذا المجال بعد الانتقال من مرحلة الثورة الى مرحلة استلام السلطة الفيدرالية، ومازالت قضية العلاقات القومية من حيث الشكل والمحتوى وبصيغة مفيدة خالية من التبعية والهيمنة، بعيدة المنال، والتي باتت تشكل احد جوانب الازمة العامة في الحركة الكردستانية احوج ماتكون للحل والمعالجة عبر الحوار السلمي الديموقراطي.   
٧ – للمرة الأولى حارب جيشا بلدين تابعين لنظامي البعث في العراق وسوريا، شعب كردستان العراق خلال ثورة أيلول، واخفقا في تحقيق هدف القضاء على الثورة بفضل تضحيات وبطولات البيشمةركة.
٨– اللافت انه تمت تصفية ثورة أيلول باتفاق نظام البعث العراقي (العلماني !)، ونظام شاه ايران (الرجعي !)، ومساهمة نظام هواري بومدين الاستبدادي الشوفيني، وهندسة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، وسكوت ورضا المجتمع الدولي بالشرق والغرب ؟؟ . 
وفي الختام:  بكل فخر كنا اول حزب كردي سوري، يلتقي وفده وكنت في عداده بشكل رسمي مع قائد ثورة أيلول عام ١٩٦٧ بالمناطق المحررة والى جانبه نجله الراحل ادريس.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…