الكرد ما بين «الاحتلال» و«الانفصال»

أكرم حسين 

الخطاب الذي أنتجته قوى المعارضة السورية والعشائر على خلفية أحداث دير الزور لم يكن خطاباً وطنياً بالمطلق  بل عدائياً وتكارهياً وانفصالياً و  تجاه الكرد ، ينسف أسس العيش المشترك والمواطنة المتساوية والدولة الواحدة ، وخاصة مصطلح “الاحتلال” و”الانفصال” ، بدءاً من الادعاء بأن قسد هي قوات “كردية” وتالياً “احتلالها” للمناطق العربية ،وانتهاء إلى سعيها “للانفصال” عن سوريا.
اذا كانت قسد اياً تكن هويتها قوات “محتلة” في مناطق اغلبيتها عربية فماذا نقول عن تواجد الجيش “الوطني” في مناطق اغلبيتها كردية(عفرين – سري كانيه-كري سبي ) هل هي ايضا قوات “احتلالية” لانها تسيطر على مناطق كردية وبالتحديد عفرين الذي يتجاوز نسبة الكرد فيها ٩٨% ام انها يحق لها ما لا يحق لغيرها وينطبق الأمر على الدولة السورية التي حكمت هذه المناطق منذ ١٩٢٠ وحتى الآن .
أن صح منطق المعارضة والعشائر معاً في “احتلال” دير الزور -وهو غير صحيح – فإن من حق الكرد ان ينتفضوا في مناطقهم ويطالبوا بخروج “المحتل” العربي من مناطقهم وانفصالها عن دولة الاكثرية العربية التي لا تقبلهم بأي شكل من الأشكال إلا كعرب اقحاح لا كردية فيها . 
صحيح أن هناك مناطق كردية ألحقت بالدولة السورية بموجب اتفاقية سايكس بيكو لكن الكرد  ومن خلال أحزابهم  السياسية وحركتهم الوطنية لم يطالبوا يوماً بالانفصال – وان كان هذا حقهم بموجب مبدأ حق الامم في تقرير مصيرها- وكانت مطالبهم تنحصر في الاعتراف بهم وإعطائهم حقوقهم السياسية والاجتماعية والثقافية ورفع الظلم والغاء القوانين والمشاريع التمييزية بحقهم واعادة الجنسية السورية للمجردين منها قسرا ومساواتهم مع الاكثرية العربية بالحقوق والواجبات في دولة مواطنية حديثة ،وكانت تتصدر صفحات جرائد أحزابهم شعاران رئيسيان 
1. الاخوة العربية الكردية 
2. الديمقراطية الشعبية  للبلاد والحقوق القومية للكرد 
وبقي حلم الحقوق والمساواة والشراكة يراود أذهانهم حتى بعد انطلاقة الثورة السورية  وهو ما دفعهم إلى العمل في إطار المعارضة ومؤسساتها السياسية والنضال لذات الأهداف التي كانوا يطالبون بها ، وخاصة  لجهة الاعتراف الدستوري بالكرد وحقوقهم القومية في إطار المتحد السوري ، ويصرون اليوم على إنهاء المقتلة السورية وتنفيذ القرار ٢٢٥٤  والعمل مع باقي مكونات الشعب السوري من أجل أن تصبح سوريا دولة وطنية حديثة لكل أبنائها على قاعدة الحرية والمساواة وسيادة القانون والمواطنة الحقيقية بدون تهميش او إقصاء أو أفضلية. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…