السوريون.. والخيارات المؤلمة

عز الدين ملا

من خلال متابعاتي لِما يحدث في الجنوب السوري والاحتجاجات الكبيرة، فإن الأوضاع والاحتجاجات في مدينة السويداء تتجه إلى التصعيد، والغضب الشعبي ضد ممارسات النظام القمعي والأساليب والإجراءات التجويعية، والتي من الممكن أن تعمّ مختلف مناطق سوريا، هذه المرة ستكون غير سابقاتها، لأنها ثورة الجوع والفقر، ولن تتوقف حتى تحقيق أهدافها في إسقاط النظام وأدواته والإتيان بنظام ديمقراطي يلبي مطاليب الجموع الغاضبة.
إلى جانب ما يتصدّره المشهد الاحتجاجي من شعارات، كـ “ما بدنا حكي وأشعار، بدنا نأكل يا بشار- سوريا لنا وما هي لبيت الأسد- للصبر حدود- يسقط النظام”. هذه الشعارات تلخص المناخ السوري العام، حيث انتشار الفساد والمحسوبيات وأساليب النهب والسلب، إلى جانب القمع والاضطهاد بحق السوريين، وخاصة البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة.
الحديث عن المشتركات والاختلافات بين الشرارة الأولى للثورة السورية والتي انطلقت من مدينة درعا عام 2011، والشرارة الثانية والتي انطلقت من المدينة الجارة لها “السويداء البطلة” خلال النصف الثاني من شهر آب من عام 2023. الشرارتان انطلقتا ضد نظام السوري المستبد، ولكن الفارق بينهما، أن الشرارة الأولى كانت المطالبات بالحرية وإسقاط النظام، ولم يكن السوريون جميعاً مع هذه الشرارة منهم من خاف من بطش النظام من جهة ومنهم متسلقون وانتهازيون ومستفيدون، وأيضاً الوضع المعيشي والاقتصادي المستقر إلى حدٍّ ما دفع بالكثيرين التنحي جانباً وعدم التأييد أي طرف، للحفاظ على مكتسباتهم، ومنهم من وقف إلى جانب النظام لضمان مصالحهم، وهذه الشريحة كانت الأكثرية، كل ذلك أخلَّ بأهداف الثورة، وكانت فرصة للنظام التحكم بأوراق اللعب في المساحة السورية، وفتح المجال أمام المنظمات والجماعات الإرهابية بالتغلغل وليعيثوا فسادًا وخرابًا على الأرض السورية.
وهذا ما دفع بالأطراف الدولية إلى الدخول في الملعب السوري، وكانت بداية التدخل والتداخل في الشأن السوري. مما أسال لعاب القوى الكبرى على الفريسة الجريحة والنهش بلحمها وعظمها.
هكذا تغيّر مسار الحراك السوري من ثورة سلمية تطالب بالحرية والديمقراطية إلى أزمة مستفحلة وساحة لمستنقع رهيب، نال خلالها السوريون مختلف صنوف التنكيل والتعذيب والتدمير والتشريد، في وقت كانت الشعارات تطالب برحيل الأسد، ولكن مع مرور السنوات تحوِّل رحيل الأسد إلى رحيل ثلاثة أرباع السوريين وبقي الأسد.  
أما الشرارة الثانية والتي أشعلها أبناء السويداء، فقد تكون بداية نهاية إمبراطورية النظام السوري، والنار التي ستحرق الأسد وجميع أدواته ومرتزقته، لأن الشرارة خرجت من رحم معاناة جميع السوريين، وفي كل شبر من أرض سوريا، معاناة الجوع والفقر.
فالوضع الكارثي الذي وصل إليه المجتمع السوري من التدهور المعيشي والاقتصادي يدفع بالسوريين إلى قادم خطير. أمام كل ذلك والمجتمع الدولي ما زال صامتاً غير مبال لكل ما يجري في سوريا، وما زال الفرقاء المتصارعون يتبارزون في حلبة الصراع السوري.
أمريكا، التي تتخذ السياسة الناعمة في التعامل مع الملف السوري، وتراقب كل ما يجري دون أن تُبدي أي انفعال، فقط تناور، وتُمكّن نقاط تمركزها، وتدفع بجنودها ومعداتها العسكرية البرية والجوية إلى المنطقة لغايات لم تكشف عنها بعد، وقد تكون هذه الاحتجاجات جاءت على خلفية تلك التحركات، بعد أن وجد الشعب السوري بصيص أمل في تلك المناورات الأمريكية.
 روسيا التي شاركت النظام في قتل الشعب السوري وتدمير مدنه، لم تتوانَ عن تحييد نفسها من كل ما يجري بل شاركت النظام في تلك السياسة الهمجية والذي دفع السوريون ضريبتها من التهجير والقتل والتشريد.
إيران، لم تتوقف عن تنفيذ أجنداتها ومصالحها الرهيبة، ووجدت في سوريا البيئة الملائمة لسياساتها، مما دفعها إلى الانخراط بكامل طاقتها في الملف السوري، وتعتبر إيران من أكثر الدول تمسكاً بالنظام السوري ويعتبر بشار الأسد أداة تنفيذ مصالحها.
تركيا، دخلت الساحة السورية لغايات طمعية، واستثمار التناقضات الدولية والصراع بين أمريكا وروسيا لتنفيذ سياساتها المصالحية، وكانت لها مساحات شاسعة من الشمال السوري.
من خلال كل ما سبق، نجد أن سبب إطالة الأزمة السورية كل هذه السنوات هو عدم الاتفاق والتوافق بين الدول المنخرطة في المشكل السوري، وكانت أساليب الأخذ والرد في المؤتمرات والاجتماعات المتتالية من جنيف إلى أستانا وسوتشي على المقايضة والمراوغة، الدافع بالحالة السورية إلى ما نحن عليه الآن، وكانت الأشهر الأخيرة من عام 2023 الأكثر كارثية على الشعب السوري، لأنها تمسُّ الوضع المعيشي، حيث لم يعد بالإمكان تأمين أقل المستلزمات الحياتية، والأكثر إيلامًا أن لا يستطيع أب تأمين لقمة تسد جوع أطفاله وهم يتضوّرون جوعاً أمام عينيه.
وعليه، لم يبقَ أمام السوريين كما الحال في مدينة السويداء الأبية والتي ستعمّ قريبا الجغرافية السورية سوى طريقين بعد أن فُقد الأمل والتفاؤل بكل الوجوه النفاق والتخاذل: الأول، بقاء المواطن السوري في منزله أو خيمته وفي العراء وتحمل جوع أولاده إلى أن يموتوا جميعاً، أو مجابهة نظام ظالم ومستبد بكل ما لديه حتى تحقيق ما يصبو إليه هدفه المشروع في العيش بكرامة أو الموت شهيداً في سبيله.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عُقد يوم الثلاثاء الموافق ٢٢ نيسان ٢٠٢٥ لقاءٌ مشترك بين المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا برئاسة سكرتيره الدكتور صلاح درويش، ووفد من المكتب التنفيذي لحركة الإصلاح الكردي – سوريا برئاسة المنسق العام الأستاذ فيصل يوسف، وذلك في مقر الحزب بمدينة القامشلي. تناول اللقاء عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكان أبرزها: ١. مناقشة آخر المستجدات على الساحة…

مصطفى منيغ / تطوان من الدولِ مَن صوتها يعلو وهي صامِتة ، تُسْمِعٌ عنها كلَّ أنباءٍ مُفْرِحة ، عملاقة لا تهتم بمن دونها مع الأفضل أفكارها مُعلَّقة ، متطلٍّعة للمزيد ما دام الرقي يُكتسَب عن إرادة غير مُصَنَّعَة ، حافظة أصلٍ بالابتكار الطبيعي المُباح نتائجه بالقبول الحسن مُشبَّعة ، مهما بلغ التطوُّر مِن تطَور به دوماً بجذوره مُشبَّهة ، وُجِدَت…

صلاح عمر لا أفهم، بل في الحقيقة، يصعب عليّ أن أستوعب هذا الإصرار العجيب – وهذا الإمعان في السخرية والتقزيم – من بعض أبناء جلدتنا، من أولئك الذين يتفاخرون بثقافتهم العالية و”نضجهم” السياسي على منصات التواصل الاجتماعي، تجاه أي خطوة تُحاول، ولو متعثرة، أن ترمّم البيت الكردي المتهالك… وآخرها، الهجوم المستغرب على محاولة انعقاد كونفرانس كردي موسع، يضم تحت مظلته…

اكرم حسين يحتدم النقاش بين الفينة والأخرى حول جدوى نقد “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا، في ظل انقسام واضح بين من يعتبرها مشروعاً سياسياً واجتماعياً ضرورياً لإدارة المنطقة وحمايتها ، وبين من يراها نموذجاً سلطوياً يتزايد ابتعاده عن قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة ، والسؤال الذي يُطرح بإلحاح: هل ما زال النقد مُجدياً ؟ وهل يمكن أن يُسهم في…