بهدف طمس الأدلة الخاصة بمجزرة 1988 النظام الإيراني يغلق سجن جوهردشت

 

نظام مير محمدي* 

شهدت إيران إغلاق أشهر السجون وأسوأها سمعة منذ ارتكاب مجزرة 1988 فيه، حيث أغلق نظام الملالي سجن جوهردشت بهدف طمس الأدلة على الجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبت في تلك مجزرة.
ومنذ مدة طويلة كان موضوع نقل سجني قزلحصار وجوهردشت كرج (عاصمة محافظة البرز) على جدول أعمال رئيسي كرئيس للسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية لنظام ولاية الفقيه ومنظمة السجون.
تم تنفيذ هذا الإجراء بسرعة بالمقارنة مع المشاريع الحكومية المعتادة، لذلك يتبادر إلى الذهن هذا السؤال: ما هو الهدف من جهود إغلاق سجني قزلحصار وجوهردشت بشكل متسرع للغاية؟
على وجه الخصوص، سجن جوهردشت سيء السمعة بين الناس في إيران وعُرف بأنه سجن مخيف ومرعب للغاية.
هل الهدف حقاً هو إزالة هذا السجن سيئ السمعة من الجغرافيا الحضرية أم محو آثار مذبحة عام 1988؟
تختلف الأعذار التي يقدمها العديد من المسؤولين الحكوميين في القضاء أو حتى البرلمانيين في لجنة الأمن والسياسة الخارجية عن ذلك.
لكن أهمها أنه بسبب موقع هذين السجنين في المنطقة الحضرية، فإن كثافة سجناء البلاد تزيد عن 10٪ في مدينة كرج، وهجرة عائلات السجناء إلى كرج والعيش في أماكن عشوائية، وتنظيم عمل هذين السجنين تحت إدارة المديرية العامة للسجون في محافظة طهران! و … كل هذا يدفعنا للسؤال… هل سيباع هذان السجنان؟!
لكن يجب البحث عن أصل القصة والواقع في مكان آخر؛ لأول مرة في تاريخ حكومة ولاية الفقيه، اعتقل حميد نوري، مساعد نائب المدعي العام في سجن جوهردشت عام 1988 والمتورط في مذبحة السجناء السياسيين وأعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية وجماعات سياسية أخرى معارضة لنظام ولاية الفقيه، في 9 نوفمبر 2019 فور دخوله السويد. وبعد 92 جلسة في المحكمة الجنائية الإقليمية في ستوكهولم، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة لمشاركته في إعدامات عام 1988.
يرتبط اسم سجن جوهردشت بشكل لا يمكن إنكاره ولا لبس فيه بمذبحة السجناء السياسيين في عام 1988، حيث تمت إعادة محاكمة العديد من السجناء المسجونين في سجن جوهردشت، بمن فيهم أولئك الذين أنهوا عقوبتهم بشكل قانوني، ثم حكم عليهم بالإعدام من قبل لجنة الموت مستشهدين بأمر مكتوب بخط اليد من الخميني بإعدام جميع أعضاء مجاهدي خلق الثابتين على مبادئهم في دعم منظمة مجاهدي خلق.
وفي غضون أسابيع قليلة، تم إعدامهم جميعًا بشكل جماعي في أحد الأماكن المروعة في سجن جوهردشت المسمى الحسينية، والذي كان في الواقع قاعة الموت (صالة الإعدام)، ثم تم دفنهم بشكل جماعي في مقابر جماعية.
وخلال محاكمة حميد نوري ، في المحكمة الجنائية الإقليمية في ستوكهولم السويد، تم الكشف عن تفاصيل الجريمة ضد الإنسانية بالتفصيل من قبل الناجين والشهود على المجزرة المروعة. تم تسجيل هذه التصريحات المروعة رسميًا كدليل قانوني وقضائي.
تم إعداد نسخة مجسمة طبق الأصل (Model of Gohardasht Prison) من هذا السجن من قبل أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية الذين أمضوا سنوات في سجن جوهردشت وتم إنقاذهم بأعجوبة من الإعدام، وتم عرض مجسم السجن أثناء جلسات محكمة جنايات ستوكهولم في نوفمبر 2022، التي تم نقلها مؤقتًا إلى مدينة دوريس في ألبانيا.
وبعد ذلك لمواصلة محاكمة حميد نوري في ستوكهولم، تم نقل النسخة المتماثلة المذكورة (الماكيت) هناك من قبل منظمة مجاهدي خلق وتم تسليمها إلى هيئة قضاة المحكمة.
وتظهر غرف التعذيب، حيث كان المدانون يصطفون معصوبي الأعين في انتظار الإعدام، و “ممر الموت” وقاعة الإعدام الجماعي حيث تم إعدام الضحايا، بوضوح في هذه النسخة المتماثلة (الماكيت).
وبحسب اعتراف رضا ملك (ملكيان) وكيل التحقيق بوزارة المخابرات في الحكومة الإيرانية خلال وزارة علي فلاحيان، أعدم مسئولو وقادة نظام ولاية الفقيه في مجزرة عام 1988،  33 ألفًا 700 شخصاً، معظمهم من أعضاء وأنصار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، لكنهم لم يسلموا جثث أي من الضحايا لعائلاتهم.
في السنوات الأخيرة، واصل النظام الإيراني أعماله لتدمير الأدلة وأماكن الجريمة، وقد ذهب إلى حد تدمير قبور ضحايا الإعدامات السياسية وبناء المباني والطرق السريعة فوق المقابر الجماعية التي دفنها سراً.
هذا سلوك مقيت واستمرار واضح لجرائمهم ضد الإنسانية.
في 14 تموز/ يوليو 2022، حكمت المحكمة السويدية على حميد نوري بالسجن مدى الحياة بعد 9 أشهر من المحاكمة.
وبما أنه أثناء محاكمته، ورد اسم سجن جوهردشت مرارًا وتكرارًا في الملف، وتم تقديم النسخة المطابقة المذكورة أعلاه من هذا السجن وتسجيلها رسميًا في محضر المحاكمة، سارعت الحكومة الإيرانية إلى إتلاف هذه الأدلة المتعلقة بهذه القضية.
تم نقل سجن جوهردشت بشكل سريع وعاجل لدرجة أن السجناء لم يُمنحوا حتى الفرصة لنقل ممتلكاتهم وأدويتهم.
وأعربت منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، باستمرار عن قلقها بشأن الظروف الرهيبة وغير الإنسانية للاحتفاظ بالسجناء السياسيين والرأي والسجناء العاديين في سجن جوهردشت.
ومن المتوقع أن تقوم هيئات حقوق الإنسان، وتحديداً مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بإحالة قضية الجرائم الممنهجة لنظام الملالي إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهذا هو أقل الحقوق التي يجب أخذها في الاعتبار لعائلات الضحايا في مجزرة عام 1988 والناجين منهم.
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…