بوادر فشل مسارات التطبيع مع دمشق

عبداللطيف محمدأمين موسى 

لعل السؤال الذي يتبادر الى أذهان كل متتبع لسير الأحداث و التطورات المتسارعة في الأزمة السورية عن مدى فرص نجاح مسارات التطبيع بين الدول العربية وتركيا و دمشق ، وهل حققت فرص التطبيع النتائج المتوقعة منها، وهل تحققت طموحات الشعب السوري الذي يعاني من أزمة اقتصادية شديدة في سبيل توفير ابسط مقومات المعيشة اليومية أو تحقيق أي انفراجه أو أحداث أي خرق في وضع نهاية للأزمة السورية كلها جملة من الاسئلة تتطلب سير الأحداث في الأزمة السورية  تسليط الضوء عليها . في العودة الى الظروف التي استدعتها التوجه نحو تحقيق مبادرات التطبيع مع أدارة دمشق من أجل دفعها الى تنفيذ بعض الاستحقاقات الاساسية لتمهيد الأرضية الى أيجاد تفاهمات في صياغة بعض الحلول لتلك الازمة، 
وفي تشخيص الظروف التي دفعت تلك الدول في تحقيق أي اختراق يفضي من شأنه للحل مع دمشق عبر التوجه الى التطبيع لتكون مصالح بعض من تلك الدول الاساس والأرضية لتنطلق منها مسارات التطبيع مع دمشق الى تحقيق استحقاقات سياسية تناسب مصالح تلك الدول وتحالفاتها في السعي الى دفع دمشق للخروج من الحضن الإيراني والتخلص من هيمنتها على مصادرة القرار في دمشق، ودفع سورية في العودة الى الحضن العربي وتحقيق انخراط الدول العربية في المشاركة في قرارات دمشق وفعالية تلك الدول  في الأزمة السورية، وكما أن مشكلة المخدرات التي افتعلتها بعض الجهات المتنفذة في دمشق لتصبح دمشق في ظل الفلتان الأمني وفقدان مركزية السيطرة على الأراضي السورية الى جعل دمشق اكبر قاعدة مهددة للأمن القومي في الشرق الأوسط  من خلال  تصدير المخدرات والمواد المخدرة الى تلك الدول ولاسيما الاردن والدول الخليجية ،وكذلك الازمة الاقتصادية والانسانية والمعيشية في سورية التي وصلت الى مستويات مخيفة تهدد بتفكك المجتمع السوري وانهيار الدولة السورية حسب توقعات مراكز الدراسات ومؤسسات صنع القرار العالمية، وكما أن تجسيد الصراع الخفي على السلطة وتوسيع وتحقيق النفوذ بين محاور الصراع على السلطة في العالم ممثلة بالولايات المتحدة والناتو وروسيا وايران والصين وكوريا الشمالية في جعل سورية الحديقة الخلفية  للصراع في الأزمة الاوكرانية، واستثمار تركيا لذلك التطبيع في تحقيق دعاية انتخابية موجهة الى الداخل التركي في انتخاباتها والمساومة مع الدول الفاعلة في الأزمة السورية لتحقيق مصالحها في سورية على حساب التطبيع مع دمشق. في التشخيص  لأهمية سير الأحداث والظروف التي أدت الى  لتوجه نحو تحقيق التطبيع مع دمشق يمكن للقارئ الكريم أن يستنتج مدى فرص نجاح مبادرات مسارات التطبيع مع دمشق من عدمه في ظل النتائج والتطورات الى حصلت بعض تنفيذ مبدأ خطوة بخطوة تمهيداً للتطبيع لاسيما بعد خطوة أعادة شرعية دمشق في الجامعة العربية وزيارة بعض الشخصيات الدبلوماسية والسياسية وتخفيف بعض العقوبات الاقتصادية على دمشق انطلاقا من الجانب الانساني .في دراسة السبب الاساسي الذي دفعت الدول العربية الى التطبيع مع دمشق في الهدف الى أبعاد دمشق عن الحضن والهيمنة الإيرانية الى ما يسمى الحضن العربي بالعكس من ذلك تماماً ذات الهيمنة الإيرانية على دمشق واصبح القرار السوري والسيادة السورية أكثر استباحة من ذي قبل عبر توسيع أيران لاتفاقيتها مع دمشق والدفع أكثر لميلشياتها الى سورية ولتكون ضراوة أشداد القصف الاسرائيلي الذي يكاد يكون شبه يومي على أمكان تواجد تلك المليشيات خير دليل على زيادة الهيمنة الإيرانية الى دمشق ،وكما أن الكثير من الدول العربية لم تستطع تحقيق أي خرق في وضع قدم لها في دمشق سوى بعض المبادرات الخجولة لفتح مقر بعثات دبلوماسية فيها. أن عجز دمشق عن تنفيذ أي خطوة مقابل خطوة في أعادتها الى الجامعة العربية ادت الى جدية تفكير بعض الدول المتحمسة الى تحقيق حيادية واستقلالية صنع القرار في دمشق بالتراجع في ظل عجز دمشق عن التحرر من الهيمنة الايرانية والروسية في استقلالية قراراتها لذا بقيت دمشق عاجزة عن أتخاذ أي خطوة مقابل أعادة مقعدها الى الجامعة العربية، وكذلك عدم قدرة بعض الدول ولاسيما الاردن في منع تجارة المخدرات ومرورها عبر أرضيها وقناعة الدول الخليجية باستحلاله جدوى قدرة دمشق على منع كبار تجار المخدرات من صنع المخدرات على الاراضي السورية ،وكذلك التعنت الروسي واستخدام الفيتو في مجلس الأمن والمساومة على منع التجديد لإدخال المساعدات الانسانية عبر معبر باب الهوى وباب السلام والمعابر الاخرى مما دفع هذا القرار الويلات المتحدة والكثير من دول الاتحاد الأوربي الى عدم تجديد ادخال المساعدات وعدم إعطاء الاعفاءات من العقوبات الاقتصادية والسياسية، وكذلك فشل بعض المساومات التركية مع روسيا والتلويح بنهاية مسار أستانا وانتهاء الاستهلاك الداخلي الموجه للشعب التركي في الدعاية الانتخابية ومسائلة اللاجئين دفع تركيا الى عدم الحماس لفكرة التطبيع مع دمشق وليبقى ملف محاربة الإرهاب ورقة تستخدمها تركيا للتلويح بها في الظروف التي تناسب مصالحها في المساومة مع الدول الفاعلة في الازمة السورية، وليناسب كل هذا الويلات المتحدة في أحداث احراج للدول العربية في استحالة جدوى قبول نظام دمشق بأي حلول تقود الى حلول للأزمة السورية ،وكذلك خروجها من الاحراج امام المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الانسان بأن عقوبتها على دمشق هي ما يمنع الحلول أو احداث أي خرق في الأزمة السورية ولتكون المقابلة  الأخيرة لهرم السلطة في دمشق  بشار الاسد مع أحدى القنوات الاقليمية الرصاصة الاخيرة في تحقيق أي تقدم بشان مسائلة التطبيع من خلال تصريحاته التي كانت أبعد ما تكون عن أي حلول واقعية تناسب ايجاد أي حل في الأزمة السورية والتي دلت على تعنت دمشق واصرارها على مواقفها السابقة في دلالة على عدم استقلالية قرارها السيادي. في المحصلة، يمكن لنا أن نستدل من خلال عرض ما سبق من الأسباب وضرورات ونتائج مبادرات التطبيع مع دمشق عن عدم توافر أي فرص في نجاح مبادرات مسار التطبيع  في ظل تمسك كل الدول بموقفها السابقة، والسعي الروسي الى جعل دمشق الحديقة الخلفية للازمة الاوكرانية وتصدير أيران مشروعها المذهبي والمساومة التركية وابتزازها في الازمة السورية ،ولكن مع غياب مبادرات نجاح  التطبيع لتبقى الأزمة السورية مفتوحة على كل الاحتمالات ولاسيما  التصعيد الأخير بعد التحشدات الامريكية والإيرانية لقوتها ،وزيادة الاحتكاك الروسي الأمريكي على الأرض السورية لتنذر بمواجهة من نوع أخر يكون ضحيتها الشعب السوري.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…